أدلة الخوف من الكتاب والسنة 4

أدلة الخوف من الكتاب والسنة 4






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فإذا كانت المحبة أصل الإيمان، فالخوف يستلزم المحبةَ ويرجع إليها، فإن الخائف يفرُّ من المخوف لينال المحبوب، فالخوف هو أصلُ وصول العبد إلى ما يرضي اللهَ عز وجل، وهذا من أبلغ المقامات، وهو الجالب للطاعات والمبعد عن المعاصي.
وذلك أن العبد كلما تَذَكَّر عذابَ الله وخافه كان حاجزًا ومانعًا من ارتكاب أي محذور يُغْضِبُ اللهَ سبحانه وتعالى، واشتمال قلب المؤمن عليه علامةٌ على صحةِ الإيمان، وهو أحدُ محركات القلوب الثلاثة، وقد جاءت النصوصُ من كتابِ اللهِ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأمر به، والحث عليه، ومدح أهله.
وفيما يلي أذكرُ بعضًا من أساليب القرآن والسنة في الأمر به:
4- الخوف يدعو صاحبه إلى فعل المأمور وترك المحظور:
إن الناظر لآيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تحدثت عن الخوف، والتي جاءت على أساليب مختلفة؛ يدرك أنها تَصُبُّ كلها في قالبٍ واحد، وهو الخوف من الله عز وجل بالانقياد والإذعان لأوامره، وحفظ فرائضه وحدوده، واجتناب محارمه ونواهيه، وتذكر يوم القيامة من مرحلة الموت إلى انقسام الناس إلى فريقين؛ فريق في الجنة وفريق في السعير([1]).
فالخوف يدعو صاحبَه إلى فعل المأمور وترك المحظور، ولهذا كانَ الخوفُ أصلَ كل خير للإنسان؛ يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2]، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (فَإِنَّ ذِكْرَ وَجَلِ قلوبِهم إذا ذُكِرَ الله، وزيادةِ إيمانِهم إذا تُليت عليهم آياتُه، مع التوكلِ عليه وإقام الصلاة على الوجه المأمور به باطنًا وظاهرًا، وكذلك الإنفاق من المال والمنافع، فكان هذا مستلزمًا للباقي، فإن وَجَلَ القلب عند ذِكْرَ الله يقتضي خشيتَه والخوف منه.
وقد فسروا (وَجِلَت) بـ"فرقت"، وفي قراءة ابن مسعود: (إذا ذُكِرَ اللهُ فَرَقَتْ قُلوبهم) وهذا صحيح، فإن الوجل في اللغة هو الخوف، يُقال: حمرة الخجل: صفرة الوجل، ومنه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}؛ قالت عائشةُ: ((الرجل يزني ويسرق ويخاف أن يُعاقب؟ قال: "لا يا ابنة الصديقِ، هو الرجلُ يصلي ويصومُ ويتصدقُ ويخافُ أن لا يُقبل منه").
وقال السدي([2]) في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}: هو الرجلُ يريدُ أن يظلم أو يهم بمعصية فينزع عنه، وهذا كقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى*فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41]، وقوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، قال مجاهد وغيرُه من المفسرين: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامَه بين يدي اللهِ فيتركها خوفًا مِنَ اللهِ.
وإذا كان وجلُ القلبِ من ذكره يتضمنُ خشيته ومخافته، فذلك يدعو صاحبَه إلى فعلِ المأمورِ وترك المحظورِ، قال سهل بن عبد الله: ليسَ بين العبدِ وبين اللهِ حجابٌ أغلظَ من الدعوى، ولا طريقَ إليه أقربُ من الافتقار، وأصلُ كلِّ خيرٍ في الدنيا والآخرةِ الخوفُ من اللهِ، ويدل على ذلك قولُه تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154]، فأخبر أن الهدى والرحمة للذين يرهبون اللهَ)([3]).
 

الهوامش:
([1]) الخوف والرجاء، ص(57).
([2]) هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، تابعي، حجازي الأصل، سكن الكوفة، صاحب التفاسير والمغازي والسير، وكان إمامًا عارفًا بالوقائع وأيام الناس، حَدَّثَ عن أنس وابن عباس وغيرهما، توفي سنة 128 هجرية، انظر: السير، (5/264)، والأعلام، الزركلي، (1/317).
([3]) الإيمان الكبير، ابن تيمية، ص(19-20).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أدلة الخوف من الكتاب والسنة 4 doc
أدلة الخوف من الكتاب والسنة 4 pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى