إذا كانت المحبة أصل الإيمان، فالخوف يستلزم المحبةَ ويرجع إليها، فإن الخائف يفرُّ من المخوف لينال المحبوب، فالخوف هو أصلُ وصول العبد إلى ما يرضي اللهَ عز وجل، وهذا من أبلغ المقامات، وهو الجالب للطاعات والمبعد عن المعاصي.
وذلك أن العبد كلما تَذَكَّر عذابَ الله وخافه كان حاجزًا ومانعًا من ارتكاب أي محذور يُغْضِبُ اللهَ سبحانه وتعالى، واشتمال قلب المؤمن عليه علامةٌ على صحةِ الإيمان، وهو أحدُ محركات القلوب الثلاثة، وقد جاءت النصوصُ من كتابِ اللهِ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأمر به، والحث عليه، ومدح أهله.
وفيما يلي أذكرُ بعضًا من أساليب القرآن والسنة في الأمر به:
3- الخوف دأب الملائكة والأنبياء والصالحين:
كان من حكمةِ اللهِ أنه اصطفى من الخلقِ من شاءَ، فاصطفى الملائكةَ من الجنِّ والإنس، واصطفى من الإنسِ الأنبياء، واصطفى من أتباعهم الصلحاءَ، فأمرنا بالاقتداء بهم واقتفاء آثارهم، لنكون في هذه الدنيا من المهتدين، ونغدوا في الآخرة من الآمنين.
فكان من دأب هؤلاء كما ذكر اللهُ عنهم الخوف والخشية منه، (وقد وصف الملائكةَ في القرآن بالخشيةِ والخوفِ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50]، وقال: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28])([1]).
وقال عن الأنبياء: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]، الضمير في قوله تعالى في هذه الآية يعود إلى مجموعة الأنبياء المذكورين من قبل، فصبروا فاستجاب اللهُ لهم، وكان من حالهم أنهم يسارعون في الخيرات، ويدعون ربَّهم خوفًا ورجاء، وكانوا له خاشعين.
وقد أثنى على حالهم أنهم يُفْرِدُون اللهَ بالخشية، ولا يخشون سواه؛ قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب: 39].
وذكر أهل الخوف من المؤمنين المتقين الصالحين، ومدحهم وأثنى عليهم؛ فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 57-61].
وقد جاء عن عائشة أُم المؤمنين - رضي الله عنها وعن أبيها - الصديقة بنت الصديق، أنها سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يا بنت الصديقِ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تُقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات))([2])، يخافون ألا تُقبل منهم العبادات من أجل تقصيرهم في الإتيان بها، لا أنهم يخافون أن لا يوفيهم اللهُ أجورهم([3]).
الهوامش:
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.