الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد..وأما ما قاله القشيري في تعريفه للمعرفة والعارف، فمعظمه غير صحيح، وجمع فيه بين الحق والباطل تقية وتلبيسًا انتصارًا للتصوف، بدليل الشواهد الآتية:
أولها: إن الله تعالى سمى طاعتنا له عبادة، وسمى الطائعين له مؤمنين، لكن القشيري خالف ذلك، وسمى طاعة الصوفية معرفة، وسمى القائمين بها عارفين، وهذا شاهد ضده بأنه يتكلم عن العبادة الصوفية لا الشرعية، لكنه يتستر بالشرع كعادة الصوفية تطبيقًا للتقية.
والشاهد الثاني: إن القشيري جعل من صفة العارف أن يعتزل الناس ويكون أجنبيا بينهم، وهذا مخالف للشرع الذي أمرنا بالتعاون على البر والتقوى، وليس من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان مخالطًا لأصحابه، وهم قد ساروا على سنته صلى الله عليه وسلم زمن الخلافة الراشدة وما بعدها.
والشاهد الثالث: إن الرجل قال بأن العارف عندما يداوم على القيام بمتطلبات المعرفة يصل مرحلة حتى يصبح فيها "محدثا من قبل الحق سبحانه بتعريف أسراره فيما يجري من تصاريف أقداره"[1].
وهذا كلام باطل قطعًا، لأن الله تعالى لا يكلم إلا الأنبياء، ثم أنه لن يحدث بشرًا بعد خاتم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وكلامه الذي وجهه لبني آدم موجود في القرآن الكريم، ومن يقول خلاف هذا فهو إما جاهل لا يعي ما يقول، وإما أنه لبس عليه من نفسه وشيطانه، وإما أنه صاحبه ويتعمد قول ذلك في نفسه.
والشاهد الرابع والأخير: إن قوله "وبالجملة فبمقدار أجنبيته عن نفسه تحصل معرفته بربه"[2].
فهو ليس من دين الإسلام، وإنما هو من العبادة الصوفية، لأن المعرفة الصحيحة بالله ودينه لا تتم بأجنبية الإنسان عن نفسه، وإنما تتم بطاعة المسلم لله تعالى طاعة كاملة بإخلاص وصدق، وتربيته لنفسه تربية صحيحة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].
وأخيرا: فبالنسبة للمقارنة التي أوردها ابن عجيبة بين العالم والعارف فضل فيها العارف على العالم، فهي ليست مقارنة شرعية، ولا علمية، ولا عقلانية، وإنما هي مقارنة صوفية ذاتية متعصبة تندرج ضمن تعاليم وازدراء الصوفية بغيرهم من الناس عامة وأهل العلم خاصة، وهي موازنة مليئة بالتغليط والتلاعب والتلبيس وغير صحيحة في معظمها، بدليل الشواهد والمعطيات الآتية:
منها أولا: إن ذلك التقسيم بين العالم والعارف هو تقسيم غير شرعي، وإنما هو تقسيم صوفي موجه مبني على خليفة صوفية مقصودة عن سبق إصرار وترصد لتحقيق غايات في النفوس، والصحيح في شرعنا أنه يوجد: عالم رباني، وعالم دنيوي، لقوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } [آل عمران: 79].
وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28].
وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83].
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
وعن النوع الثاني: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 77].
وقال تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34].
وقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159].
وحكاية العارف، هي من العبادة الصوفية لا الشرعية، ولا محل لها في دين الإسلام، وإنما فيه المؤمنون، مقابل الكفار على اختلاف مللهم من المشركين والمنافقين وأهل الكتاب، ثم في هؤلاء المؤمنين يوجد من بينهم العلماء الربانيون، وهم الذين جعلوا بين الإيمان والعلم والعمل قلبًا وقالبًا، فدين الإسلام لا فناء فيه، ولا معرفة، ولا عارفون وإنما فيه العبادة، والإيمان والمؤمنون، وهم صنفان: المقربون، وأصحاب اليمين، قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].
وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 10 - 14].
وقال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة: 27، 28].
وقال تعالى: { ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 39، 40].
وثانيا: إن العالم الرباني تدينه قائم على العبادة الشرعية التي تعني الطاعة الكاملة لله تعالى وفق شرعه، قال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام: 162]، لكن العارف الصوفي تدينه على عقيدة فاسدة هي العبادة الصوفية وغايتها الفناء في الله -وحدة الوجود- والعبادة الصوفية بفنائها مخالفة للعبادة الشرعية وهادمة لها ولا يمكن الجمع بينهما، وعليه فإن العالم الرباني-بالعبادة الإسلامية- يكون قد جمع بين الإيمان الشرعي والعمل المشروع والعلم والخشية، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 82].
وقال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28].
فالعلماء الربانيون أهل إخلاص وخشية، وعلم وعمل، وهم بهذا يتفوقون على العارف الصوفي الذي لا أصل صحيح لعبادته ولا لتدينه، ولا له انضباط بالشرع إلا ما وافق تصوفه، أو مارسه تقية، وإنما هو محكوم بأحوله وهلوساته وتلبيساته وتصوفه.
وثالثا: إن العالم الرباني مصادر علمه هي الوحي الصحيح، والعقل الصريح، والعلم الصحيح، قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [الحج: 8].
فمنها يأخذ علمه وإليها يحتكم في مواقفه، بذلك يكون علمه علما صحيحا منضبطًا بموازين موضوعية، يغلب عليها الصواب ويقل فيها الخطأ، لكن علم العارف الصوفي علمه ناقص، بل غير صحيح في معظمه، وغير منضبط بضوابط موضوعية، لأنه أهمل الوحي الصحيح، والعقل الصريح، والعلم الصحيح، واعتمد على أحواله وهلوساته وعلى العبادة الصوفية التي بينا أنها عبادة فاسدة، ومخالفة للشرع والعقل والعلم، ومصدر هذا حاله لا يمكنه أن يغطي مصادر العلم الأخرى ومجالاتها من جهة، ولا يكون يقينيًا في أحكامه من جهة أخرى، بحكم أن الأحوال الوجدانية ذاتية تشوبها الوساوس والشبهات، والشهوات والهلوسات، والتلبيسات النفسية والشيطانية، وليس فيها من الصواب إلا القليل.
وبحكم أن التصوف بأصوله وفروعه وغاياته مخالف للشرع وهادم له، مما يعني بالضرورة أنه عبادة فاسدة، ولهذا كان الغالب على علم العارف الصوفي أنه غير منضبط بميزان الشرع، ولا العقل، ولا العلم، فكانت أخطاؤه كثيرة وقاتلة، وهادمة للوحي والعلم، وصوابه قليل جدًا لا يكاد يظهر، وهذا أمر أثبتناه بالأدلة الدامغة والقطعية، وبيناه في نقدنا لأصول التصوف وفروعه وغاياته، مما يدل على فساد منطلق ومسلك المعرفة الصوفية وآثارها، وهذا لا يظهر إلا عند الصوفية وأمثالهم من المنحرفين عن الشرع، ولا يظهر عند العلماء الربانين لأنهم ملتزمون بالشرع منطلقًا ومسلكًا، قلبًا وقالبًا.
ورابعا: ليس صحيحًا أن العالم الرباني يتكلم بالرسوم فقط ولا يتكلم الأذواق والأحوال الإيمانية، فهذا زعم لا يصدق على العالم الرباني، لأن العلماء الربانيين جمعوا بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح، والعلم النافع، فأورثهم ذلك الأحوال والأذواق الربانية الصحيحة، فهم من الذين قال الله فيهم: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: 7، 8].
وقال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].
وقال تعالى: { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40].
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].
ولهذا؛ فإن العالم الرباني عندما يتكلم في الله وشريعته فإنه يتكلم بعلم وأذواق ومواجيد ربانية وأحوال صحيحة، وانضباط كامل بالشرع، لكن العارف الصوفي إذا تكلم فإنه يتكلم بالمعرفة الصوفية القائمة على مخالفة الوحي والعقل والعلم من جهة، والمحكومة بأحواله وهلوسته وتلبيساته النفسية والشيطانية من جهة أخرى، فشتان بين الرجلين، وبين المنطلقين، وبين الحالين.
وسادسا وأخيرا: إن العالم الرباني هو الذي يدل الناس على العبادة الصحيحة التي فرضها الله سبحانه على عباده، فهي عبادة تقوم على طاعة الله وفق شريعته الخاتمة، فيبين لهم أنه عليهم أن يعبدوا الله ويحبوه ويخشوه طاعة له، وأن يسألوه الجنة ويجنبهم دخول النار طاعة له أيضا، فهذه العبادة الشرعية التي أمرنا الله تعالى بها، قال سبحانه: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام: 162]، لكن العارف الصوفي لا يدل الناس على هذه العبادة التي فرضها الله علينا، وإنما يدلهم على العبادة الصوفية التي بينا أنها مخالفة للعبادة الشرعية.
فالعارف الصوفي لا يمكن أن يكون دالا على الله تعالى، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فهو لا يدل الناس على عبادة الله تعالى طاعة له والتزاما بشرعه، وإنما دلهم على عبادته بعصيانه وتعطيل شريعته التزامًا بالعبادة الصوفية، لكن العالم الرباني هو الذي يرشدهم ويحثهم على حب الله وشكره، والالتزام بشريعته طاعة وعبادة له.
وبذلك يتبين أن الفارق كبير جدا بين العالم الرباني والعارف الصوفي، فالأول أفضل من الثاني، ومتفوق عليه منطلقًا، ومسلكًا، وغاية.
بل ولا تصح المقارنة بينهما، فشتان بين من يدعوا الناس إلى عبادة الله وفق شرعه، وبين من يدعوهم إلى عبادة الله بأهوائهم وهلوساتهم وشياطينهم.
وهذا خلاف ما أوراد أن يوهمنا به ابن عجيبة في تفضيله للعارف الصوفي على العالم.
وإنهاء لهذا المبحث يتبين أن المعرفة الصوفية هي من غايات التصوف، ومن أسراره التي حرص الصوفية على إخفاء حقيقتها عن المسلمين، فمع أنهم تكلموا فيها واحتجوا لها بأحاديث نبوية، فإن حقيقة الأمر ليست كذلك، فقد تبين أن أحاديثهم غير صحيحة، وتأويلاتهم في الجمع بين معرفتهم والعبادة الشرعية فاسدة، لكنهم فعلوا ذلك تقية وتسترا بالإسلام لإخفاء غاية المعرفة الصوفية التي هي الفناء في الله حسب المفهوم الصوفي للفناء.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.