علم غيب أم علم حضور

علم غيب أم علم حضور





الحمد لله الذي لا يطلع على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول، والصلاة والسلام على من أنزل عليه ربه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. (الأعراف: 188)، وبعد: فإن مما اشتهر وتواتر في كتب الصوفية أن مشايخهم يطلعون على الغيب ويعلمون ما خفي ويعلمون ما يكون من أمر الناس مستقبلا.

 وهذا أمر يتناقض مع صريح القرآن والسنة، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. (آل عمران: 179) وقال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}. (النمل: 65).

 ومما جاء في كتب الصوفية:

 قول أبي العباس المرسي: ((ما من وليّ كان أو هو كائن إلا أطلعني الله عليه وعلى اسمه ونسبه وحظه من الله تعالى))[1].

وقول ابن عطاء الله السكندري في كتابه[2] ما نصه: ((كل من كان مراعياً لحق الله تعالى، لا يُحدِثُ اللهُ حدثاً في المملكة إلا أعلمه. نظر بعضهم إلى جماعة فقال لهم: هل فيكم من إذا أحدث الله سبحانه وتعالى في المملكة حدثاً أعلمه.؟ قالوا: لا. فقال لهم: ابكوا على أنفسكم)).

 وجاء كتاب (كنوز السعادة الأبدية)[3] ما نصه: ((إن الشيخ عبد القادر الجيلاني رأى شخصاً يطوف بالكعبة على رجل واحدة، فقال من هذا الطائف على رجل.؟ فقالت له أنا إمرأة من بغداد جئت أطوف بالبيت وتركت بنتي نائمة على الرجل الأخرى، فتعجب من كونها في بغداد ولم يعلم بها، فقال لها: أنا أتصفح اللوح المحفوظ كل يوم كذا كذا مرة، وما رأيتك فيه.؟!! فقالت له: اللوح المحفوظ لك ولأمثالك وأما أنا فقبلك في أم الكتاب)).

 وجاء في كتاب (غرر البهاء الضوي)[4] عند كلامه عن مناقب الإمام علوي بن الفقيه المقدم. ما نصه[5]: ((فإنه رضي الله عنه اجتمع هو الشيخ عبد الله بن محمد عباد بمسجد تريم، فقال الشيخ عبد الله للشيخ علوي: أخبرني بما ظهر لك من الكرامات. فقال الشيخ علوي ظهر لي ثلاث خصال: أحيي وأميت بإذن الله، وأقول للشيء كن فيكون بإذن الله، وأعرف السعيد من الشقي بإذن الله)).

 وقال الشعراني في كتابه[6]: ((الشيخ شعبان المجذوب رضي الله عنه، كان من أهل التصريف بمصر المحروسة، وكان يخبر بوقائع الزمان المستقبل واخبرني سيدي علي الخواص رضي الله عنه أن الله تعالى يطلع الشيخ شعبان على ما يقع في كل سنة من رؤية هلالها، فكان إذا رأى الهلال عرف جميع ما فيه مكتوباً على العباد)). 

 ولبيان هذا الباطل أنقل لكم ما قاله العلامة المفسر ابن جُزي الكلبي رحمه الله[7]: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} أي لا يُطلع أحداً على علم الغيب إلا من ارتضى وهم الرسل فإنه يطلعهم على ما شاء من ذلك، و{مِنْ}، في قوله {مِنْ رَسُولٍ} لبيان الجنس، لا للتبعيض، والرسل هنا يحتمل أن يراد بهم الرسل من الملائكة، وعلى هذا حملها ابن عطية، أو الرسل من بني آدم، وعلى هذا حملها الزمخشري، واستُدل بها على نفي كرامات الأولياء الذين يدعون المكاشفات، فإن الله خص الاطلاع على الغيب بالرسل دون غيرهم .اهـ


الهوامش:

[1] (معراج التشوف لابن عجيبة: صفحة: 88)

[2] (تاج العروس: صفحة: 36) طبعة دار ابن القيم دمشق الطبعة الأولى سنة: (1999 م)

[3] (كنوز السعادة الأبدية" جمع وترتب محسن بن عبد الله علوي السقاف. صفحة: 152)

[4] غرر البهاء الضوي) لمحمد بن علي باعلوي، الطبعة الأولى، طبعة أحفاد المؤلف).

[5] صفحة: 373

[6] (الطبقات: 2 ـ185)

[7] العلامة المفسر ابن جُزي الكلبي رحمه الله، في تفسيره /2ـ155/

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
علم غيب أم علم حضور.doc doc
علم غيب أم علم حضور.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى