الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛ فحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال له: "فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، وفي رواية مسلم: "فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل"، فمعنى توحيد الألوهية هو: إفراد الله عز وجل بالعبادة، ومعنى (لا إله إلا الله): لا معبود بحق إلا الله.
(لا إله إلا الله) نفي وإثبات: (لا إله) نفي العبادة عما سوى الله تعالى، و(إلا الله) تثبت العبادة لله وحده، قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]، كذلك قول إبراهيم الخليل عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف: 26، 27].
و(لا إله إلا الله) لها شروط سبعة، لا تنفع قائلها إلا بتحقيقها واجتماعها، وقد سُئل وهب بن منبة رحمه الله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ فقال وهب: ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
إضافة إلى ذلك فهذه الشروط ثابتة من خلال تتبع العلماء واستقرائهم لنصوص الكتاب والسنة، والشروط مجموعة في البيت التالي:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها
شروط (لا إله إلا الله):
1) العلم بمعناها المراد منها وما تنفيه وما تثبته: كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة".
2) اليقين بأن يكون قائلها مستيقنًا بمدلولها يقينًا جازمًا لا شك فيه ولا ارتياب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة".
3) القبول لهذه الكلمة ولما اقتضته ظاهرًا وباطنًا، وضد القبول الرد، فإن الله تعالى قد أخبر بأن من رد هذه الكلمة – كبرًا وحسدًا – فهو من أهل الجحيم فقال سبحانه: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 22، 23] ثم ذكر سبحانه سبب هذا الوعيد بعد ذكر وصف حالهم فقال سبحانه: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات: 25، 26].
4) الانقياد لما دلت عليه كما جاء في قوله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [لقمان: 22]، ومعنى الآية: أن من انقاد وخضع لله سبحانه وتعالى – وهو مع ذلك محسن في عمله بأن يطيع الله في شرعه – فقد حقق الاستمساك بالعروة الوثقى، وهي (لا إله إلا الله).
5) الصدق وهو أن يقولها صادقًا من قلبه، فيطابق قلبه لسانه، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صادقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار".
6) الإخلاص وهو إفراد الله تعالى بتصفية العمل من جميع شوائب الشرك، كالرياء والسمعة، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: "فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله".
7) المحبة لهذه الكلمة وما تدل عليه، ولأهلها العاملين بها، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: 165] فأهل لا إله إلا الله يحبون الله حبًا خالصًا، وأهل الشرك يحبون أصنامهم مثل محبتهم لله، وهذا شرك ينافي لا إله إلا الله.
وأخيرًا ليس المراد من هذه الشروط مجرد حفظها، فكم من إنسان اجتمعت فيه والتزمها بفطرته، ولو قيل له عددها لم يحسن ذلك، وكم من حافظ لألفاظها وتراه يقع كثيرًا فيما يناقضها، والتوفيق بيد الله تعالى.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.