الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ فمقدار صلاة الليل: فإن أريد بالمقدار حد ينتهى إليه لا تجوز الزيادة عليه، فما علمت أحداً من السلف قال به، وهو قول شاذ نحى إليه بعض المتأخرين، وجعل الزيادة على إحدى عشرة ركعة كالقيام إلى ثالثة في الصبح، وهذا قول فاسد مطرح.
قال في الفتاوى الكبرى: "ويشبه ذلك من بعض الوجوه تنازع العلماء في مقدار القيام في رمضان، فإنه قد ثبت أن أُبي بن كعب - رضي الله عنه - كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان، ويوتر بثلاث.
فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار، ولم ينكره منكر.
واستحب آخرون: تسعة وثلاثين ركعة؛ بني على أنه عمل أهل المدينة القديم.
وقال طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة».
والصواب أن ذلك جميعه حسن، كما قد نص على ذلك الإمام أحمد - رضي الله عنه - وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقت فيها عددا، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها، بحسب طول القيام وقصره.
فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطيل القيام بالليل، حتى إنه قد ثبت عنه في الصحيح من حديث حذيفة: «أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة، والنساء، وآل عمران، فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات»، وأُبي بن كعب لما قام بهم - وهم جماعة واحدة - لم يمكن أن يطيل بهم القيام، فكثر الركعات؛ ليكون ذلك عوضاً عن طول القيام، وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته، فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كان الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام فكثروا الركعات حتى بلغت تسعا وثلاثين" [1].
وقال: «وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قيامه بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يصليها طوالاً».
فلما كان ذلك يشق على الناس قام بهم أبي بن كعب في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعة، يوتر بعدها، ويخفف فيها القيام، فكان تضعيف العدد عوضا عن طول القيام.
وكان بعض السلف يقوم أربعين ركعة، فيكون قيامها أخف، ويوتر بعدها بثلاث.
وكان بعضهم يقوم بست وثلاثين ركعة يوتر بعدها، وقيامهم المعروف عنهم بعد العشاء الآخرة"[2].
قال أبو محمد: ولا شك أن لزوم هديه - رضي الله عنه - كمّاً وكيفاً هو أفضل الطرق والمسالك، لا من يزعم أنه يلزم هديه فيصلي إحدى عشرة ركعة ينقرها نقرا.
قال ابن القيم: "مجموع ورده الراتب بالليل والنهار أربعين ركعة، كان يحافظ عليها دائما سبعة عشر فرضاً، وعشر ركعات، أو ثنتا عشرة سنة راتبةً، وإحدى عشرة، أو ثلاث عشرة ركعة قيامه بالليل، والمجموع أربعون ركعة.
وما زاد على ذلك فعارض غير راتب، كصلاة الفتح ثمان ركعات، وصلاة الضحى إذا قدم من سفر، وصلاته عند من يزوره وتحية المسجد ونحو ذلك.
فينبغي للعبد أن يواظب على هذا الورد دائما إلى الممات، فما أسرع الإجابة وأعجل فتح الباب لمن يقرعه كل يوم وليلة أربعين مرة. والله المستعان"[3].
الهوامش:
[1] الفتاوى الكبرى(2/250).
[2] الفتاوى الكبرى(2/255).
[3] زاد المعاد(1/316).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.