قال ابن القيم في التبيان: قال ابن وهب: أخبرني مسلم بن علي، عن الأوزاعي، قال: "كان السلف إذا طلع الفجر أو قبله كأنما على رؤسهم الطير مقبلين على أنفسهم، حتى لو أن حبيباً لأحدهما غاب عنه حيناً ثم قَدِم لما التفت إليه، فلا يزالون كذلك إلى طلوع الشمس، ثم يقوم بعضهم إلى بعض فيتخلفون بأول ما يقتضون فيه أمر معادهم وما هم صائرون إليه ثم يأخذون في الفقه"[1].
قال أبو محمد: روينا في صحيح مسلم من طريق شعبة، عن زيد بن محمد، قال: سمعت نافعاً، يحدث عن ابن عمر، عن حفصة - رضي الله عنها -، قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طلع الفجر، لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين"[2].
فهديه عليه الصلاة والسلام المستقر في هذا الوقت هو صلاة ركعتي الصبح، وتخفيفهما، وعدم الزيادة عليهما، والاشتغال بالذكر حتى يصلي صلاة الصبح.
واختلف الناس في وقت النهي عن الصلاة، هل يبدأ بطلوع الفجر أو بفراغه من صلاة الصبح على قولين، والصحيح الثاني، وهو الذي دلت عليه الأخبار الصحيحة.
فقد روينا في صحيح البخاري من طريق شعبة، عن عبد الملك، سمعت قزعة، مولى زياد، قال: سمعت أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه -، يحدث بأربع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأعجبنني وآنقنني قال: "لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم في يومين: الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد صلاتين بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب ولا تشد الرحال، إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام، ومسجد الأقصى ومسجدي"[3].
وهو نص صريح في بيان معنى الصبح الواقع في الأحاديث الأخرى، وأن المراد فعل الصلاة لا طلوع الفجر.
نعم دلت السنة على ترك التنفل بعد طلوع الصبح كما تقدم، لكن لم يثبت نهي عن ذلك، والأخبار في النهي عن ذلك كلها معلولة، وإنما النهي بعد الفراغ من الفريضة.
ولهذا قال أبو العباس: "النهي معلق بالفعل فإنه قال: بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولم يقل الفجر، ولو كان النهي من حين طلوع الفجر لاستثنى الركعتين بل استثنى الفرض والنفل، وهذه ألفاظ الرسول، فإنه نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، كما نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.
ومعلوم أنه لو أراد الوقت لاستثنى ركعتي الفجر والفرض، كما ورد استثناء ذلك في ما نهى عنه حيث قال: "لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين".
فلما لم يذكر ذلك في الأحاديث علم أنه أراد فعل الصلاة كما جاء مفسرا في أحاديث صحيحة.
ولأنه يمتنع أن تكون أوقات الصلاة المكتوبة فرضها وسنتها وقت نهي وما بعد الفجر وقت صلاة الفجر سنتها وفرضها فكيف يجوز أن يقال: إن هذا وقت نهي؟ وهل يكون وقت نهي سن فيه الصلاة دائما بلا سبب؟ وأمر بتحري الصلاة فيه؟ هذا تناقض"[4].
وقال من الجزء نفسه ما نصه: "السنة أن يصلي بعد طلوع الفجر ركعتين سنة، والفريضة ركعتان، وليس بين طلوع الفجر والفريضة سنة إلا ركعتان، والفريضة تسمى صلاة الفجر، وصلاة الغداة وكذلك السنة تسمى سنة الفجر وسنة الصبح وركعتي الفجر ونحو ذلك والله أعلم" [5]
وقال في المغني: "وعن أحمد رواية أخرى، أن النهي متعلق بفعل الصلاة أيضا كالعصر.
وروي نحو ذلك عن الحسن، والشافعي؛ لما روى أبو سعيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس". رواه مسلم.
وروى أبو داود حديث عمر بهذا اللفظ. وفي حديث عمرو بن عبسة قال: "صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة، كذا" رواه مسلم. وفي رواية أبي داود قال: "قلت يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت، فإن الصلاة مكتوبة مشهودة حتى تصلي الصبح، ثم أقصر حتى تطلع الشمس، فترتفع قدر رمح أو رمحين". ولأن لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - في العصر علق على الصلاة دون وقتها، فكذلك الفجر .. "[6].
الهوامش:
[1] التبيان في أقسام القرآن(1/425).
[2] صحيح مسلم(723).
[3] صحيح البخاري(1197).
[4] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية(23/202).
[5] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية(23/264).
[6] المغني لابن قدامه(2/86).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.