الحث على أذكار طرفي النهار

الحث على أذكار طرفي النهار





ينبغي الحرص على الإتيان بالأذكار الثابتة في الصبح، وهو: من طلوع الفجر إلى أول النهار؛ والمساء، وهو: من العصر إلى أول الليل على التحقيق، وبسطنا الكلام على ذلك في النتاج.
وهذه الأذكار هي زادك ومزادك فأين تذهب عنه وكيف تلهو عنها، وإنه ليطول عجبي من مسلم رضي بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد عليه الصلاة والسلام نبياً، كيف يلتفت إلى أسباب أخرى ضعيفة من عمل الخلق، وكثير منها سراب، ويبالغ في التعلق بها فيوكل إليها، ويغفل عن أعظم الأسباب وأقواها، وهو التوكل على الحي الذي لا يموت، ويغفل عن الإكثار من ذكره ودعائه واللجوء إليه!!
قال ابن القيم في الوابل الصيب في فضائل الذكر: "السابعة عشرة: أنه قوت القلب والروح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته.
وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إلي وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي .. أو كلاماً قريباً من هذا. وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر ... أو كلاماً هذا معناه"[1].
  • ما أخرجه أحمد من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا أصبح: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير"، وفي بعض ألفاظه: "وإذا أمسى" قال: "اللهم بك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور" [2].
ولفظ ابن ماجه من طريق عبد العزيز بن أبي حازم، عن سهيل به .. : "إذا أصبحتم فقولوا: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإذا أمسيتم فقولوا: اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير".
ولفظه في الأدب المفرد من طريق وهيب قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: «اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور، وإذا أمسى قال: اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير".
قال أبو محمد: وهو بهذا أصح، والأول فيه قلب. والله أعلم.
  • ما رواه البخاري ومسلم من طريق مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان، يومه ذلك، حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر". لفظ مسلم[3].
  • ما رواه مسلم من طريق سهيل، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة، بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه"[4].
  • ما رواه مسلم من طريق كريب، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن جويرية - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: "ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟" قالت: نعم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته"[5].
  • ما أخرجه مسلم من طريق يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص، عن خولة بنت حكيم السلمية أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا نزل أحدكم منزلا، فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه"[6].
ثم أتبعه بقوله: "قال يعقوب: وقال القعقاع بن حكيم: ذكوان أبي صالح، عن أبي هريرة سأنه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة، قال: "أما لو قلت، حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك"[7].
ووقع في رواية أحمد من طريق يزيد بن هارون عن هشام عن سهيل: "من قال إذا أمسى ثلاث مرات" فذكره ، وفيه قصة[8].
وفي مسند أبي يعلى الموصلي: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا عبيد الله عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد رجلا من أصحابه، ثم إنه لقيه فقال: "ما لي لم أرك؟" قال: ما بت البارحة، لدغتني عقرب، قال: "أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك". قال عبيد الله: ولا أعلمه إلا قال في الحديث يرفعه: "فمن قالها حين يمسي وحين يصبح لم تضره".[9]
وفيه التصريح بذكرها في الصباح، قال في المقصد العلي في زوائد الموصلي: قلت: هو في الصحيح وليس فيه: "حين يصبح"[10]
  • ما أخرجه أبو داود من طريق ابن أبي ذئب، عن أبي أسيد البراد، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه - رضي الله عنه - أنه قال: "خرجنا في ليلة مطر، وظلمة شديدة، نطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي لنا، فأدركناه، فقال:"أصليتم؟" فلم أقل شيئا، فقال: "قل" فلم أقل شيئا، ثم قال: "قل" فلم أقل شيئا، ثم قال: "قل" فقلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: "قل قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح، ثلاث مرات تكفيك من كل شيء"[11].
قال أبو محمد: والصحيح أن المعوذات من أذكار الصباح والمساء فالأخبار في ذلك أثبت.
  • ما أخرجه النسائي في الكبرى من طريق زيد بن الحباب، أخبرني عثمان بن موهب الهاشمي، سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة - رضي الله عنها -: "ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"[12].
  • ما أخرجه أحمد في مسنده من طريق إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن خالد بن معدان، عن أبي رهم السمعي، عن أبي أيوب الأنصاري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات، وحط الله عنه بها عشر سيئات، ورفعه الله بها عشر درجات، وكن له كعشر رقاب، وكن له مسلحة من أول النهار إلى آخره، ولم يعمل يومئذ عملا يقهرهن، فإن قال حين يمسي، فمثل ذلك"[13]
وللحديث شاهد من حديث أبي عياش - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال إذا أصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان له كعدل رقبة من ولد إسماعيل، وكتب له بها عشر حسنات، وحط عنه بها عشر سيئات، ورفعت له بها عشر درجات، وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي، وإذا أمسى مثل ذلك حتى يصبح"، قال: فرأى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم فقال: يا رسول الله، إن أبا عياش يروي عنك كذا وكذا، قال: "صدق أبو عياش"[14].
وشاهد آخر أخرجه الترمذي من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي ذر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كتبت له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك كله في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله". هذا حديث حسن صحيح غريب[15].
قلت: وفي إسناده اختلاف كثير، والصحيح أنه مرسل من مراسيل عبد الرحمن بن غنم.
وهنا تنبيهان:
أولهما: الصحيح أن هذا الذكر لا يثبت فيه "يحيي ويميت"، ولا تثبت في أي خبر، وقد قررت ذلك في نتاج الفكر.
وثانيهما: حديث أبي ذر - رضي الله عنه - المذكور أخيرا - والصحيح إرساله - الذي فيه تقييد الذكر بصلاة الصبح جاء له شواهد من حديث أبي أمامة وغيره، وكلها متكلم فيها، والذي أرى ما دام الأمر فيه مجرد التقييد فلا ينبغي التشديد في أحوال الرواة، وهذه طريقة في الجملة مسلوكة عند المتقدمين، قال في التمهيد ما نصه: "لم يخرج مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة في موطئه حكما، واستغنى عنه في الأحكام بالزهري ومثله، ولم يكن عنده إلا في عداد الشيوخ الثقات، وإنما ذكر عنه في موطئه من المسند حديثا واحدا "[16].
وقال أيضا:"هشام بن أبي هشام هذا هو هشام بن زياد، أبو المقدام، وفيه ضعف، ولكنه محتمل فيما يرويه من الفضائل " [17] وكذا صنع البخاري مع الأويسي لم يخرج له في الأحكام. وعلى كل حال من أتى بهذا الذكر بعد الصلاتين: الصبح والمغرب فقد عمل بالروايتين، والحمد لله رب العالمين.
 
 الهوامش
[1] الوابل الصيب(1/42).
[2] مسند أحمد (8649). وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (1199)، وأبو داود (5068)، وابن ماجه (3868)، والترمذي (3391)، والنسائي (564)، وابن حبان (965)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (35)، والبغوي (1325) من طرق عن سهيل بن أبي صالح، به.
[3] البخاري(6403)، ومسلم(2691).
[4] مسلم(2692).
[5] مسلم(2726).
[6] مسلم(2708).
[7] مسلم(2079)، وإنما سقت الطريق الأولى، لتتبين الطريق الأخرى الصريحة في كونه من أذكار المساء.
[8]مسند أحمد(7898).
[9] مسند أبي يعلي الموصلي(6688).
[10] المقصد العلي في زوائد الموصلي(1649).
[11] سنن أبي داود (5082)، وأخرجه النسائي (5430) من طريق عبد الله بن سليمان، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن أبيه، عن عقبة بن عامر الجهني بنحوه .. قال في الإصابة (4/ 65) في ترجمة عبد الله بن خبيب ما نصه: "وأخرجه البخاري في «التاريخ»، والنسائي من طريق زيد بن أسلم، عن معاذ، وأورده من وجهين عن معاذ بن عبد الله، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، وله عن عقبة طرق أخرى عند النسائي وغيره مطولا ومختصرا، ولا يبعد أن يكون الحديث محفوظا من الوجهين، فإنه جاء أيضا من حديث ابن عابس الجهني، ومن حديث جابر بن عبد الله الأنصاري"
[12] السنن الكبرى(10330)، وأخرجه البيهقي في الشعب(745)، والضياء في المختارة(2319)، من طريق زيد بن الحباب بن، وإسناده حسن كما قال في المختارة.
[13] مسند أحمد(23568)، وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير(3883)، وإسناده حسن، وإسماعيل بن عياش صدوق في رواته عن أهل الشام وشيخه شامي.
[14] أخرجه أحمد (16583)، والبخاري في التاريخ الكبير(3/381-382)، وأبو داود(5077)، والطبراني في الكبير(5141)، وفي الدعاء(331)، كلهم من طرق عن حماد بن سلمة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي عياش به.
[15] جامع الترمذي(3474).
[16] التمهيد(13/48).
[17] التمهيد(16/154).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الحث على أذكار طرفي النهار doc
الحث على أذكار طرفي النهار pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى