وقت خروج المغرب بغياب الشفق

وقت خروج المغرب بغياب الشفق





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد، فإن غاب الشفق فقد خرج وقت صلاة المغرب، فقد أخرج مسلم في صحيحه من طريق همام، حدثنا قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «... ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق...» [1].
قال ابن رجب في فتح الباري: "وممن ذهب إلى أن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق: الحسن بن حي والثوري وأبو حنيفة ومالك في الموطأ، والشافعي في قول له، رجحه طائفة من أصحابه، وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره.
وخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا صليتم المغرب، فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق».
وفي رواية له أيضا: «وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق».
وفي رواية له أيضا: «وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق».
وقد اختلف في رفعه ووقفه.
وخرج مسلم أيضا من حديث بريدة - رضي الله عنه - أن سائلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مواقيت الصلاة، فذكر الحديث بطوله .. وفيه: أنه صلى في اليوم الأول المغرب حين وجبت الشمس، وفي اليوم الثاني صلى قبل أن يقع الشفق، وقال: «ما بين ما رأيت وقت».
وخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن للصلاة أولاً وآخِرا»، فذكر الحديث .. ، وفيه: «وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق».
وله علة، وهي أن جماعة رووه عن الأعمش، عن مجاهد، قال: كان يقال ذلك.
وهذا هو الصحيح عند ابن معين والبخاري والترمذي وأبي حاتم والبزار والعقيلي والدارقطني وغيرهم.
وذهب طائفة إلى أن للمغرب وقتاً واحداً حين تغرب الشمس، ويتوضأ ويصلي ثلاث ركعات، وهو قول ابن المبارك، ومالك في المشهور عنه، والأوزاعي، والشافعي في ظاهر مذهبه.
واستدلوا: بأن جبريل صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - المغرب في اليومين في وقت واحد، وصلى به سائر الصلوات في وقتين.
وزعم الأثرم أن هذه الأحاديث أثبت، وبها يعمل.
ومن قال: يمتد وقتها، قال: قد صح حديث بريدة، وكان ذلك من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، فهو متأخر عن أحاديث صلاة جبريل.
وفي حديث عبد الله بن عمرو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين ذلك بقوله، وهو أبلغ من بيانه بفعله.
ويعضده: عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -: «إنما التفريط في اليقظة، أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى»، خرج من عموم ذلك الصبح بالنصوص والإجماع، بقي ما عداها داخلا في العموم.
ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من حضره العشاء بتقديمه على الصلاة، ولولا اتساع وقت المغرب لكان تقديم العشاء تفويتا للمغرب عن وقتها للأكل، وهو غير جائز.
ولأن الجمع بين المغرب والعشاء جائز في وقت المغرب؛ للعذر بالاتفاق من القائلين: بأن وقتها واحد، ولا يمكن الجمع بينهما في وقت المغرب إلا مع امتداد وقتها واتساعه لوقوع الصلاتين.
ولعل البخاري إنما صدر الباب بقول عطاء: يجمع المريض بين المغرب والعشاء - لهذا المعنى الذي أشرنا إليه. والله أعلم.
ومتى غاب الشفق، فات وقت المغرب بإجماع من سمينا ذكره.
وروي عن عطاء وطاوس: لا يفوت حتى يفوت العشاء بطلوع الفجر، وحكي رواية عن مالك أيضا، والأحاديث المذكورة ترد ذلك.
واختلفوا في الشفق الذي يفوت وقت المغرب بمغيبه: هل هو الحمرة؟ أو البياض؟ على قولين.
ومذهب الثوري ومالك والشافعي: أنه الحمرة.
ومذهب أبي حنيفة والمزني: أنه البياض. واختلف قول أحمد وأصحابه في ذلك،
وقال: "وقد اختلف العلماء في الشفق الذي يدخل به وقت العشاء: هل هو البياض؟ أو الحمرة؟
فقال طائفة: هو الحمرة، وهو قول ابن عمر، وأبي هريرة، وابن عباس، وروي عن عمر وعلي وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس، وقول كثير من التابعين، ومذهب الثوري والأوزاعي والحسن بن حي ومالك والشافعي وإسحاق وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور.
ورواه عتيق بن يعقوب، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا.
خرجه الدارقطني وغيره، ورفعه وهم.
وقال البيهقي في كتاب المعرفة: لا يصح فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء.
وفي صحيح ابن خزيمةفي حديث عبد الله بن عمرو المرفوع: «ووقت المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق».
وقد أعلت هذه اللفظة بتفرد محمد بن يزيد الواسطي بها عن سائر أصحاب شعبة.
وقال طائفة: الشفق البياض الباقي بعد الحمرة.
وروي عن عمر بن عبد العزيز، وقو قول أبي حنيفة، وزفر، والمزني، وروي أيضا عن الثوري والأوزاعي.
وأما الإمام أحمد فالمشهور عند القاضي أبي يعلي ومن بعده من أصحابه أن مذهبه أن الشفق الحمرة حضرا وسفرا، وقد نص أحمد في رواية الأثرم فيمن صلى العشاء في الحضر قبل مغيب البياض: يجزئه، ولكن أحب إلي أن لا يصلي في الحضر حتى يغيب البياض، ونقل عنه جمهور أصحابه: أن الشفق في الحضر البياض، وفي السفر الحمرة وهو الذي ذكره الخرقي في كتابه، قال: لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فيواريها الجدران، فيظن أنها قد غابت، فإذا غاب البياض فقد تيقن، وحمل القاضي ومن بعده هذا على مجرد الاحتياط والاستحباب دون الوجوب.
ومن الأصحاب من حكى رواية أخرى عن أحمد: أن الشفق البياض في السفر والحضر، ولا يكاد يثبت عنه.
وقال ابن أبي موسى: لم يختلف قول أحمد: أن الشفق الحمرة في السفر، واختلف قوله في الحضر على روايتين.
ونقل ابن منصور في (مسائله)، قال: قلت لأحمد: ما الشفق؟ قال: في الحضر البياض، وفي السفر أرجو أن يكون الحمرة؛ لأن في السفر يجمع بين الصلاتين جد به السير أو لم يجد، فإذا جمع بينهما فلا يبالي متى صلاها"[2]
وقال في المغني نصه: "فمتى ذهبت الحمرة وغابت، دخل وقت العشاء، وإن كان في مكان يستتر عنه الأفق بالجدران والجبال استظهر حتى يغيب البياض، ليستدل بغيبته على مغيب الحمرة، فيعتبر غيبة البياض؛ لدلالته على مغيب الحمرة لا لنفسه"[3].
والمقصود أن الشفق هو الحمرة في أصح الأقوال وبغيابه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء، وهو كما ترى وقت واسع والمشروع البدار بصلاة المغرب في أول وقتها.
ولهذا قال ابن عبد البر في التمهيد ما نصه: "وقد أجمع المسلمون على تفضيل تعجيل المغرب، من قال: إن وقتها ممدود إلى مغيب الشفق، ومن قال: إنه ليس لها إلا وقت واحد، كلهم يرى تعجيلها أفضل"[4].

الهوامش:
[1] صحيح مسلم(612).
[2] فتح الباري لابن رجب(4/385).
[3] المغني (1/278).
[4] التمهيد(4/342).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
وقت خروج المغرب بغياب الشفق doc
وقت خروج المغرب بغياب الشفق pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى