الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛ فوقت صلاة المغرب ليس بالضيق، بل اتسع لقراءة سورة الأعراف وغيرها، كما ثبتت السنة بذلك، وذكر هذا ابن حزم في المحلى رداً على من زعم أن للمغرب وقتاً واحداً[1].
قال البخاري في صحيحه: "باب القراءة في المغرب"، ثم قال" حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، قال: قال لي زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: ما لك تقرأ في المغرب بقصار، «وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بطولى الطوليين»[2].
وعند أبي داود من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، حدثني ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، قال: قال لي زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل» وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بطولى الطوليين»، قال: قلت: ما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف والأخرى الأنعام، قال: وسألت أنا ابن أبي مليكة، فقال لي: من قبل نفسه: المائدة والأعراف.[3]
وأما الصلاة بعدها: فركعتان هما من السنن الراتبة، ولم يصح في الأخبار المرفوعة تحديد ما يقرأ فيهما.
وقال أحمد في مسنده: حدثنا ابن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد - رضي الله عنه - قال: أتى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بني عبد الأشهل فصلى بهم المغرب فلما سلم قال: «اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم»، قال أبو عبد الرحمن: قلت لأبي: إن رجلاً قال: من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد لم تجزه إلا أن يصليهما في بيته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «هذه من صلوات البيوت» قال: من قال هذا؟ قلت: محمد بن عبد الرحمن قال: ما أحسن ما قال: أو ما أحسن ما انتزع[4].
وروى البخاري في صحيحه من طريق: عبيد الله، قال: أخبرنا نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعد الظهر، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة، فأما المغرب والعشاء ففي بيته»[5].
وما روي من الثناء على من صلى ست ركعات بعد المغرب فلا يصح.
ولولا خشية الإطالة لذكرنا الأخبار في ذلك، وشرطي الاقتصاد في البيان، والله المستعان.
كراهة النوم قبل صلاة العشاء:
ويكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها، وسيأتي مزيد بيان لذلك، والمقصود هنا، أن النوم قد تفوت معه صلاة العشاء، وقد أخرج البخاري ومسلم من طريق: شعبة، أخبرني سيار بن سلامة، قال: سمعت أبي، يسأل أبا برزة - رضي الله عنه - عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: قلت: آنت سمعته؟ قال: فقال: كأنما أسمعك الساعة، قال: سمعت أبي يسأله عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «كان لا يبالي بعض تأخيرها - قال: يعني العشاء - إلى نصف الليل، ولا يحب النوم قبلها، ولا الحديث بعدها»، قال شعبة: ثم لقيته بعد فسألته، فقال: «وكان يصلي الظهر حين تزول الشمس، والعصر يذهب الرجل إلى أقصى المدينة والشمس حية»، قال: والمغرب لا أدري أي حين ذكر، قال: ثم لقيته بعد فسألته، فقال: «وكان يصلي الصبح فينصرف الرجل فينظر إلى وجه جليسه الذي يعرف فيعرفه»، قال: «وكان يقرأ فيها بالستين إلى المائة»[6].
وقد اختلف الناس في النوم قبل العشاء.
قال ابن رجب في شرح البخاري ما نصه: "قد أخذ بظاهر هذا الحديث طائفة من العلماء، وكرهوا النوم قبل العشاء بكل حال. قال ابن المبارك: أكثر الأحاديث على ذلك، ورويت الكراهة عن عمر، وابن عمر وابن عباس، وأبي هريرة، وعن مجاهد، وطاوس، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وعطاء، والنخعي، وهو قول أصحاب الشافعي، وحكي عن مالك وأبي حنيفة والشافعي، حكاه ابن عبد البر. وذكره ابن أبي موسى من أصحابنا مذهباً لنا، وهو قول الثوري.
وروي عن ابن عمر كراهة النوم قبل العشاء، وإن وكل به من يوقظه من رواية الفقير وغيره عنه.
وعن مجاهد: لأن أصلي صلاة العشاء قبل أن يغيب الشفق وحدي أحب إلي من أن أنام ثم أدركها مع الإمام. كذا رواه عبد الكريم البصري، عنه، وروى عنه - أيضا - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا نامت عين رجل نام قبل أن يصلي العشاء»، وعبد الكريم هذا، ضعيف.
وروى عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلي الطائفي، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «ما نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل العشاء الآخرة، ولا سمر بعدها» خرجه ابن ماجه. وعبد الله هذا، قال ابن معين: صويلح. وقال البخاري: مقارب الحديث. وقال الدارقطني: يعتبر به. وقال النسائي: ليس بالقوي.
وروى يحيى بن سليم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنه - قالت: «ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نائما قبل العشاء ولا متحدثا بعدها». ذكره الأثرم، وضعفه من أجل يحيى بن سليم، وقال: لم يروه غيره. كذا قاله.
وخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق جعفر بن سليمان، عن هشام، وخرجه البزار من طريق محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير - وهو متروك - عن ابن أبي مليكة، عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - وزاد فيه، في أوله: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «من نام قبل العشاء فلا أنام الله عينه». وهذا لا يثبت مرفوعا، وإنما روي عن عمر من قوله.
وروى ابن وهب في مسنده، قال: أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإنسان يرقد عن العشاء قبل أن يصلي؟ قال: «لا نامت عينه» ثلاث مرات. وخرجه بقي بن مخلد من طريقه. وهو منقطع بين بكير بن الأشج وعائشة. وخرجه بقي من وجه آخر ضعيف، عن عائشة، مرفوعا - بمعناه"[7].
الهوامش:
الهوامش:
[1] المحلى (2/208).
[2] صحيح البخاري(764).
[3] سنن أبي داود(812)، وأبو عاصم هو: الضحاك بن مخلد، المعروف بالنبيل، ما كان أحد يغتاب في مجلسه، ولا يقدر على ذلك، فرحمه الله.
[4] مسند أحمد (23628).
وأخرجه بنحوه ابن أبي شيبة (2/ 246)، وابن خزيمة (1200) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن ابن إسحاق، بهذا الإسناد، وهو إسناد جيد، وأبو عبد الرحمن هو: عبد الله بن أحمد، ابن الإمام، ومحمد بن عبد الرحمن هو: ابن أبي ليلى الفقيه المشهور، وفي حفظه شيء، وأبوه: عبد الرحمن بن أبي ليلى تابعي ثقة، وأبوه: أبو ليلى، صحابي مقل، رضي الله عنه
[5] صحيح البخاري(1172)، ورواه(1180)، من طريق أيوب عن نافع به سواء.
[6] البخاري(771)، ومسلم(647).
[7] فتح الباري لابن رجب(4/378).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.