الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فيسن بين يدي صلاة المغرب أن يصلي ركعتين، قال الحافظ: "ومجموع الأدلة يرشد إلى تخفيفهما، كما في ركعتي الفجر"[1]. كذا قال. قال البخاري في صحيحه: "باب الصلاة قبل المغرب"، ثم قال: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، عن الحسين، عن عبد الله بن بريدة، قال: حدثني عبد الله المزني - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلوا قبل صلاة المغرب»، قال في الثالثة: «لمن شاء» كراهية أن يتخذها الناس سنة[2].
وأخرج البخاري من طريق شعبة، قال: سمعت عمرو بن عامر الأنصاري، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يبتدرون السواري، حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم كذلك، يصلون الركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء»، قال عثمان بن جبلة، وأبو داود عن شعبة: «لم يكن بينهما إلا قليل»[3].
قال في طرح التثريب ما نصه: فائدة استحباب ركعتين بعد أذان المغرب وقبل الصلاة (الخامسة عشر) وفيه أيضا استحباب ركعتين بعد أذان المغرب وقبل الصلاة أيضا، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وصححه النووي.
وقد ثبت في البخاري من حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلوا قبل المغرب» قال في الثالثة «لمن شاء»، وله من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - «كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» وله في حديث أنس - رضي الله عنه - «رأيت كبار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبتدرون السواري عند المغرب».
وقال مسلم: «فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري، فركعوا ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما» وفي رواية له «كنا نصلي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين بعد غروب الشمس قبل المغرب «فقيل له: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاها؟ قال: «كان يرانا نصليها، فلم يأمرنا، ولم ينهنا».
قال في المرعاة ما نصه: "قال السندي في حاشية النسائي: وهذا الحديث وأمثاله يدل على جواز الركعتين قبل صلاة المغرب بل ندبهما.
قلت: أراد بأمثاله ما روي في ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة.
منها حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - الذي ذكرنا لفظه، وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان.
ومنها حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - - أخرجه أيضا الشيخان - قال: «كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يبتدرون السواري حتى يخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم كذلك، يصلون الركعتين قبل المغرب». زاد مسلم: «حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة صليت، من كثرة من يصليها».
ومنها حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أخرجه البخاري عن مرثد بن عبد الله اليزني، قال: أتيت عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - فقلت: ألا أعجبك من أبي تميم يركع ركعتين قبل صلاة المغرب، فقال: «إنا كنا نفعله على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -»، قلت: فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل».
ومنها حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - أيضا: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى قبل المغرب ركعتين»، أخرجه ابن حبان في صحيحه، وأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل بلفظ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى قبل المغرب ركعتين، ثم قال: «صلوا قبل المغرب ركعتين»، ثم قال عند الثالثة: «لمن شاء»، خاف أن يحسبها الناس سنة.
قال العلامة أحمد بن علي المقريزي في مختصر قيام الليل: هذا إسناده صحيح على شرط مسلم، وقد صح في ابن حبان حديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين قبل المغرب. انتهى.
وقد روى محمد بن نصر عن جماعة من الصحابة والتابعين: أنهم كانوا يصلون الركعتين.
فهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة وآثار الصحابة والتابعين تدل على استحباب الركعتين بعد أذان المغرب وقبل صلاته، وهو الحق. وترد على الحنفية والمالكية ومن وافقهم"[4].
قال أبو محمد: ثبتت السنة القولية والتقريرية في هاتين الركعتين، أما السنة الفعلية منه عليه الصلاة والسلام فلم تثبت، وقد أخرجها ابن حبان في صحيحه مصححاً لخبرها، وهو خبر شاذ غير محفوظ.
قال ابن حبان في صحيحه: أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا أبي، حدثني أبي، حدثنا حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، أن عبد الله المزني - رضي الله عنه - حدثه: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى قبل المغرب ركعتين «ثم قال: «صلوا قبل المغرب ركعتين»، ثم قال عند الثالثة: «لمن شاء» «خاف أن يحسبها الناس سنة[5]وزيادة» أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى قبل المغرب ركعتين لا تثبت[6].
ولذا قال شيخ الإسلام ما نصه: وقد صح أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يصلون بين أذان المغرب وإقامتها ركعتين والنبي - صلى الله عليه وسلم - يراهم فلا ينهاهم ولم يكن يفعل ذلك، فمثل هذه الصلوات حسنة ليست سنة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره أن تتخذ سنة. ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل العصر وقبل المغرب وقبل العشاء، فلا تتخذ سنة، ولا يكره أن يصلى فيها، بخلاف ما فعله ورغب فيه، فإن ذلك أوكد من هذا [7].
وقال أيضا في الفتاوى الكبرى ما نصه: "والصلاة مع المكتوبة ثلاث درجات:
إحداها: سنة الفجر والوتر: فهاتان أَمَرَ بهما النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يأمر بغيرهما، وهما سنة باتفاق الأئمة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصليهما في السفر والحضر، ولم يجعل مالك سنة راتبة غيرهما.
والثانية: ما كان يصليه مع المكتوبة في الحضر: وهو عشر ركعات، وثلاث عشرة ركعة، وقد أثبت أبو حنيفة والشافعي وأحمد مع المكتوبات سنة مقدرة بخلاف مالك.
والثالثة: التطوع الجائز في هذا الوقت من غير أن يجعل سنة؛ لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يداوم عليه ولا قدر فيه عدداً: والصلاة قبل العصر والمغرب والعشاء من هذا الباب، وقريبا من ذلك صلاة الضحى، والله أعلم" [8].
الهوامش:
الهوامش:
[1] فتح الباري(2/109).
[2] صحيح البخاري (1183). وأبو معمر هو: عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، واسمه ميسرة التميمي المنقري، مولاهم، المقعد البصري، ثقة روى له الجماعة. وفي الرواة من يكنى بأبي معمر وهو: عبد الله بن سخبرة الأزدي، تابعي يروي عن ابن مسعود، وصحابي هذا الخبر هو: عبد الله بن مغفل رضي الله عنه
[3] طرح التثريب(2/60).
[4] المرعاة(2/368).
[5] صحيح ابن حبان(1588).
[6] فقد تفرد بها عبد الصمد بن عبد الوارث، وخالفه أبو معمر المنقري عند البخاري، وعبيد الله بن عمر القواريري عند أبي داود والدارقطني، وعفان بن مسلم عند أحمد، ومحمد بن عبيد الغبري وحسين بن محمد بن بهرام - فرووه دون زيادة أنه كان يصليهما عليه الصلاة والسلام
[7] مجموع الفتاوى (23/24).
[8] الفتاوى الكبرى(2/258).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.