الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد.. فراتبة الظهر القبلية أربع ركعات بسلامين، وقد أخرج البخاري من طريق إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة"[1].
وأخرج مسلم من طريق عبد الله بن شقيق، قال: سألت عائشة - رضي الله عنها - عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن تطوعه؟ فقالت: "كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين "[2].
وكل الأحاديث التي فيها السرد في النافلة نهارا فلا يصح منها شيء، وإنما صح عن ابن عمر - رضي الله عنهما - سرده أربعا. قال عبد الرزاق في مصنفه: أخبرنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أنه كان يصلي بالليل مثنى مثنى، وبالنهار أربعا ثم يسلم"[3].
وقال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن نافع. والثوريُّ، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مثله [4].
والصحيح أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، سوى الوتر من صلاة الليل، كما سيأتي بيانه، إن شاء الله. وخبر علي البارقي عن ابن عمر - رضي الله عنهما – يرفعه "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" تفرد به علي عن سائر أصحاب ابن عمر، قيل: عددهم خمسة عشر نفسا، وهو خبر شاذ بهذه الزيادة، على أن البخاري صححه فيما رواه عنه البيهقي بسند صحيح.
قال البيهقي في سننه: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو محمد إسماعيل بن علي الحطبي ببغداد، قرأت عليه فأقر به، ثنا حسين بن فهم، ثنا يحيى بن معين، ثنا غندر، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء الأزدي، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى»، وكذلك رواه معاذ بن معاذ، عن شعبة، وكذلك رواه عبد الملك بن حسين، عن يعلى بن عطاء أنبأ أبو بكر الفارسي، أنبأ إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني ثنا محمد بن سليمان بن فارس قال: سئل أبو عبد الله يعني البخاري عن حديث يعلى: أصحيح هو؟ فقال: نعم"[5].
قضاء راتبة الظهر القبلية
فإن فاتت الأربع التي قبل الظهر استحب له قضاؤها بعد الظهر، وهل إباحة القضاء موقوفة على العذر أم لا؟ قولان.
قال في الشرح الممتع: "عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من نام عن صلاة، أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها» وهذا يعم الفريضة والنافلة، وهذا إذا تركها لعذر؛ كالنسيان والنوم، والانشغال بما هو أهم.
أما إذا تركها عمداً حتى فات وقتها فإنه لا يقضيها، ولو قضاها لم تصح منه راتبة؛ وذلك لأن الرواتب عبادات مؤقتة، والعبادات المؤقتة إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها لم تقبل منه.
ودليل ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، والعبادة المؤقتة إذا أخرتها عن وقتها عمداً فقد عملت عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله؛ لأن أمر الله ورسوله أن تصليها في هذا الوقت، فلا تكون مقبولة، وأيضا: فكما أنها لا تصح قبل الوقت فلا تصح كذلك بعده؛ لعدم وجود الفرق الصحيح بين أن تفعلها قبل دخول وقتها أو بعد خروج وقتها، إذا كان لغير عذر. إذاً قوله: "من فاته شيء منها سن له قضاؤه" يقيد بما إذا فاته لعذر" ا. هـ.
قال أبو محمد: وهذا متجه في فوات وقت الفريضة، وأما فيما نحن بخصوصه فلا بأس إذا فاتت قبل الصلاة أن يقضيها بعدها، وقد يقال إن للراتبة القبلية هنا وقتين: وقت اختيار (قبل أداء الفريضة)، ووقت كراهة تزول بالعذر (بعد الفريضة) وقبل خروج الوقت.
وقد أخرج ابن ماجه من طريق قيس بن الربيع، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فاتته الأربع قبل الظهر، صلاها بعد الركعتين بعد الظهر»[6]. قال أبو عبد الله: لم يحدث به إلا قيس عن شعبة.
وأخرجه الترمذي من وجه آخر من طريق عبد الله بن المبارك، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة - رضي الله عنها -، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها»، وقال: "هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث ابن المبارك من هذا الوجه، ورواه قيس بن الربيع، عن شعبة، عن خالد الحذاء نحو هذا، ولا نعلم أحداً رواه عن شعبة غير قيس بن الربيع، وقد روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا"[7].
قال أبو محمد: وفي خبر قيس زيادة، وهي اختصاص الراتبة البعدية بدبر الصلاة وهو سديد، وقيْسٌ على ما فيه من كلام إلا إنه يقبل في مثل هذا، وحتى لا تفوت البعدية حينئذ فيجمع بين فائتتين.
قال في نيل الأوطار في كلامه على الحديثين ما نصه: "والحديثان يدلان على مشروعية المحافظة على السنن التي قبل الفرائض، وعلى امتداد وقتها إلى آخر وقت الفريضة؛ وذلك لأنها لو كانت أوقاتها تخرج بفعل الفرائض لكان فعلها بعدها قضاء، وكانت مقدمة على فعل سنة الظهر.
وقد ثبت في حديث الباب أنها تفعل بعد ركعتي الظهر. ذكر معنى ذلك العراقي، قال: "وهو الصحيح عند الشافعية". وقال: "وقد يعكس هذا فيقال: لو كان وقت الأداء باقيا لقدمت على ركعتي الظهر"، وذكر أن الأوّل أوْلى"[8].
لا يصح حديث المداومة على أربع قبل الظهر وأربع بعدها
وأما حديث أم حبيبة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى قبل الظهر أربعاً، وبعدها أربعاً حرمه الله على النار" فغير محفوظ، قد أعله النسائي في سننه [9]، وأطال الدارقطني في ذكر طرقه كما في علله [10]، وأشار إلى أن طريق شعبة ومن تابعه هو الصحيح. ا. هـ.
قلت: فالقدر المحفوظ في حديث أم حبيبة - رضي الله عنها - في التطوع هو ما أخرجه مسلم في صحيحه: قال: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً، غير فريضة، إلا بنى الله له بيتاً في الجنة، أو إلا بُني له بيتٌ في الجنة» قالت أم حبيبة: فما برحت أصليهن بعد وقال عمرو: ما برحت أصليهن بعد، وقال النعمان: مثل ذلك[11].
الهوامش:
الهوامش:
[1] صحيح البخاري(1182).
[2] صحيح مسلم(730).
[3] مصنف عبد الرزاق(4226).
[4] مصنف عبد الرزاق(4227).
[5] السنن الكبرى للبيهقي(4248).
[6]الشرح الممتع(4/37).
[7] جامع الترمذي(426).
[8] نيل الأوطار(3/34).
[9] سنن النسائي(1817).
[10] علل الدارقطني(15/273).
[11] صحيح مسلم(1728).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.