ويحل حينئذ وقت الصلاة، وهو أول وقت صلاة الضحى، وأقلها ركعتان، ولا حد لأكثرها، وصفتها مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين، ولا يصح في خبر أنه سرد عليه الصلاة والسلام في النهار من النوافل أكثر من ركعتين، وأما ما أخرجه البخاري ومسلم من طريق مالك بن أنس، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب، أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب، تقول: ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه، فقال: "من هذه؟" فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال: "مرحبا بأم هانئ"، فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فلما انصرف، قلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ» قالت أم هانئ: وذاك ضحى[1].
لفظ البخاري - فالمراد يسلم من كل ركعتين كما روى أبو داود من طريق ابن وهب، حدثني عياض بن عبد الله، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، مولى ابن عباس، عن أم هانئ بنت أبي طالب - رضي الله عنها - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثماني ركعات، يسلم من كل ركعتين"[2].
قال في التمهيد ما نصه: "وروى ابن وهب عن أم هانئ هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الضحى ثماني ركعات أنه كان يسلم في كل اثنتين منها، وهذا إسناد احتج به أحمد بن حنبل، قال أبو بكر الأثرم: قيل لأبي عبد الله بن حنبل: قد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى قبل الظهر أربعا فقال: وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى ثماني ركعات أفتراه أم لم يسلم فيها، قال أبو عبد الله: هذا حديث أم هانئ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى ثمان ركعات حديث ثبت، قال أبو بكر: روي حديث أم هانئ من وجوه، لم يذكر فيها التسليم، ثم وجدته مفسرا على ما تأوله أبو عبد الله، حدثنا علي بن أحمد بن القاسم الباهلي، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عياض - يعني ابن عبد الله الفهري - عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس، عن أم هانئ بنت أبي طالب "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الضحى ثماني ركعات سلم من كل ركعتين"[3].
وهي مسنونة كل يوم على أصح الأقوال.
وفي الباب أدلة:
منها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وأبي الدرداء، وأبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصاهم بصلاة ركعتين في الضحى، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث: ركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر".
ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة "، قال: "ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى".
ومنها: حديث عمرو بن عبسة وفيه: "صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم ".
وقوله: مشهودة محضورة: أي تحضرها الملائكة، فهي أقرب إلى القبول وحصول الرحمة كما قال النووي[4].
قال أبو محمد: وهذا التعليل النبوي يقتضي استحباب المداومة عليها، وهذا ظاهر بحمد الله.
وأفضل أوقاتها: أن تؤخر حتى تسخن الأرض من حر الشمس؛ لما روينا في صحيح مسلم من طريق أيوب، عن القاسم الشيباني، أن زيد بن أرقم، رأى قوما يصلون من الضحى، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال"[5].
وكذا أخرجه أحمد وفي بعض ألفاظه عنده عن قتادة، عن القاسم الشيباني، عن زيد بن أرقم، أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على مسجد قباء، أو دخل مسجد قباء، بعدما أشرقت الشمس، فإذا هم يصلون فقال: "إن صلاة الأوابين كانوا يصلونها إذا رمضت الفصال"[6]
ورواه عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن القاسم الشيباني، عن زيد بن أرقم، أنه رأى قوما يصلون بعدما طلعت الشمس، فقال: "لو أدرك هؤلاء السلف الأول علموا أن غير هذه الصلاة خير منها صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال".
الهوامش:
[1] صحيح البخاري(357).
[2] سنن أبي داود(1290).
[3] التمهيد(13/187).
[4] شرح مسلم للنووي(6/116).
[5] صحيح مسلم (748).
[6] مسند أحمد (19347).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.