وسطية أهل السنة والجماعة في باب الاعتقاد

وسطية أهل السنة والجماعة في باب الاعتقاد





الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد، فإن الإسلام وسط بين الأديان قال الله تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة: 143].

الوسط: العدول الخيار.

وسطية الإسلام بين الأديان:

أولًا: في توحيد الله وأسمائه وصفاته.

فاليهود: وصفوا الرب تبارك وتعالى بصفات النقص التي يختص بها المخلوق، وشبهوا الخالق بالمخلوق، فقالوا: (إنه بخيل، وأنه فقير)، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[المائدة: 64].

معنى (مغلولة): أي مقبوضة عن إدرار الرزق علينا كنوا به عن البخل تعالى الله عن ذلك.

وقال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[آل عمران: 181].

والنصارى: وصفوا المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها، وشبهوا المخلوق بالخالق، فقالوا: (إن الله هو المسيح، وإن الله ثالث ثلاثة).

قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[المائدة: 17].

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[المائدة: 72].

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[المائدة: 73].

أما المسلمون: فقد وحدوا الله عز وجل، ووصفوه بصفات الكمال، ونزهوه عن جميع صفات النقص، أو أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات، وقالوا: ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته.

ثانيًا: في باب أنبياء الله تعالى ورسوله عليهم السلام:

اليهود: قتلوا الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس ورموهم بالكبائر.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[آل عمران: 21].

والنصارى: غلوا فيهم، فزعموا أن المسيح عيسى عليه السلام ابن الله، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[التوبة: 30].

أما المسلمون: فأنزلوا الأنبياء والرسل عليهم السلام منازلهم، وصدقوهم ولم يكذبوهم وأحبوهم ولم يبغضوهم، وآمنوا بهم جميعًا عبيدًا لله تعالى ورسلًا مبشرين ومنذرين، ولم يبعدوهم أو يتخذوهم أربابًا من دون الله تعالى.

 وسطية أهل السنة والجماعة في باب الاعتقاد:

وسطية أهل السنة والجماعة هي امتداد لوسطية هذه الأمة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم وعدالتها وخيريتها، فكل خير وفضل وعدل ثبت لهذه الأمة فلأهل السنة والجماعة الحظ الأوفر منه، لأنهم يمثلون حقيقة الإسلام علمًا وعملًا.

ولما بينا وسطية الإسلام بين الأديان فنبين هنا وسطية السنة والجماعة بين فرق الأمة:

أولًا: في توحيد أسماء الله وصفاته:

فمن أصولهم التي يدينون بها: إثبات ما ورد في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء الله وصفاته، لا يفرقون بين أسماء الله وصفاته ولا بين بعض صفاته وبعض، بل قولهم في الجميع واحد فيثبتون جميع أسماء الله تعالى وصفاته على الوجه اللائق به سبحانه، فلا ينفون ولا يحرفون شيئًا منها، ولا يكيفون أو يمثلون شيئًا منها بصفات المخلوقين.

فهم وسط بين المعطلة الذين عطلوا صفات الخالق سبحانه وتعالى، وبين الممثلة الذين مثلوا صفات الخالق سبحانه وتعالى بصفات المخلوقين قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }[الشورى: 11].

ثانيًا: في الأسماء والأحكام

المراد بالأسماء: أسماء الدين التي تطلق على المكلفين، مثل (مؤمن، مسلم، كافر، فاسق).

المراد بالأحكام: ما يترتب على هذه الأسماء والأوصاف من الثواب والعقاب، وهذا مبني على تنازع الفرق في مرتكب الكبيرة[1]، (أهو مسلم أم كافر أو فاسق؟)، (وما حكمه في الدنيا، وما حكمه في الآخرة؟).

فالخوارج: يقولون بكفر مرتكب الكبيرة، وأنه في الآخرة خالد في النار.

والمعتزلة: يقولون إن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر، وهو في الآخرة خالد في النار.

والمرجئة: يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب، وفي الآخرة يدخل الجنة بإيمانه.

أما أهل السنة والجماعة: فيقولون في مرتكب الكبيرة: (مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته)، وحكمه في الآخرة إذا مات ولم يتب داخل تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له وأدخله الجنة دون عذاب، وإن شاء أدخله النار وعذبه بقدر ذنوبه، ثم إنه لا يخلد في النار كالكفار، بل لابد أن يخرج منها ويدخل الجنة، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}[النساء: 48].

 

الهوامش

[1] الكبيرة: كل ذنب توعد عليه بغضب أو لعن أو حد.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
وسطية أهل السنة والجماعة في باب الاعتقاد.doc doc
وسطية أهل السنة والجماعة في باب الاعتقاد.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى