الكاتب/ محمد بن عبد الله المقدي
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
لقب أهل السنة والجماعة يتركب من مفردين: الأول السُّنة، والثاني الجماعة، ولتعريف المركب لا بد من تعريف مفردَيْه، فالسنة في اللغة الطريقة وهي هنا الأخذ بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا، في القول، والعمل، والاعتقاد.
الجماعة في اللغة:
عددُ كل شيءٍ وكثْرَتُه، وتنوقعت عبارات أهل العلم في معنى الجماعة على أقوال:
- فقيل: هم السواد الأعظم من أهل الاسلام المجتمعون على إمام يحكم بالشرع، ويجانب الهوى والبدعة، يدل عليه رواية (كلها في النار إلا السواد الأعظم) [1]
- وقيل: هم الصحابة؛ فإنهم أقاموا الدين وأرسوا أوتاده، وهم الذين لايجتمعون على ضلالة يدل عليه رواية: (ما أنا عليه وأصحابي). [2]
- وقيل: أهل العلم، قال الإمام الترمذي: "وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم أهل الفقه والعلم والحديث".[3]
- وقيل: الجماعة ما وافق الحق، ولو قل المتمسكون به، كما قال ابن مسعود: "الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك".[4]، وقال نعيم بن حماد: "إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة".[5]
وكل هذه المعاني متقاربة واختلافها اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد فالجماعة، هم الصحابة رضوان الله عليهم بما تمثّلوه من منهج الإسلام الحق، وهم العلماء والفقهاء؛ كونهم حجة الله على الخلق، والناس تبعٌ لهم في أمر الدين، وهي جماعة المسلمين المنضوية تحت راية إمام يحكم بشرع الله ويقيم حدوده.
خلاصة الأقوال:
وقد لَخَّصَ الحافظ ابن حزم هذه الأقوال وجمعها في قوله: "وأهل السنة الذين نذكرهم أهل الحق، ومَن عداهم فأهل البدعة؛ فإنهم الصحابة رضي الله عنهم، وكلُّ مَن سَلَكَ نهجهم من خيار التابعين رحمهم الله تعالى، ثم أصحاب الحديث، ومَن اتَّبعهم من الفقهاء، جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، ومَن اقتدى بهم من العوامِّ في شرق الأرض وغربها..". [6]
"والجماعة ترجع إلى أمرين: أحدهما: أن الجماعة هم الذين اجتمعوا على أمير على مقتضى الشرع،فيجب لزوم هذه الجماعة، ويحرم الخروج عليها وعلى أميرها.
الثاني: أن الجماعة ماعليه أهل السنة من الاتباع وترك الابتداع، وهو المذهب الحق الواجب اتباعه والسير على منهاجه، وهذا معنى تفسير الجماعة بالصحابة أو أهل العلم بالحديث، أو الاجتماع، أو السواد الأعظم"[7]
وعليه فأهل السنة والجماعة هم سَلَفُ هذه الأُمة من الصحابة والتابعين، ومن تَبعهُم بإِحسان إِلى يوم الدِّين؛ الذين اجتمعُوا على الكتاب والسَنَة، وساروا على ما كان عليه رسول اللّه- صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم- ظاهرًا وباطنًا.
ومدار هذا الوصف على اتِّباع السنة، وموافقة ما جاء بها من الاعتقاد والعبادة والهدي والسلوك والأخلاق، وملازمة جماعة المسلمين، وبهذا لا يخرج تعريف أَهل السُّنّة والجماعة عن تعريف السلف، وقد عرفنا أَنَّ السلف هم العاملون بالكتاب المتمسكون بالسنَّة؛ إِذن فالسلف هم أَهل السنة الذين عناهم النبي- صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم- وأَهل السنة هم السلف الصالح ومن سار على نهجهم.
يقول ابن رجب الحنبلي –رحمه الله – معرّفًا السنة بأنها: "طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها هو وأصحابه السالمة من الشبهات والشهوات، ثم صار معنى السنة في عرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم: عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك في مسائل القدر وفضائل الصحابة..إلخ". [8]
تنبيه:
وأنبه هنا إلى أن الجماعة هي "ما وافق الحق ولو كنت وحدك " يقول الحافظ ابن حزم - رحمه الله-: "والجماعة هم أهل الحق ولو لم يكن في الأرض منهم إلا واحد فهو الجماعة وقد أسلم أبو بكر وخديجة رضي الله عنهما فقط فكانا هم الجماعة وكان سائر أهل الأرض غيرهما وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشذوذ وفرقة"[9]
في غالب جولات الصراع بين الحق والباطل لم يكن الحق أقوى من الباطل عددا ولا عُدة لكن في الحق قوة ذاتية هي سر بقائه وظهوره، "الحق ظل ظليل، والباطل منقطع قليل، وحقٌّ مغلوب خيرٌ من باطل غالب"
وعلى هذا المعنى الأخص لأَهل السنة والجماعة؛ يخرج كل طوائف المبتدعة وأَهل الأَهواء، كالخوارج، والجهمية، والقدرية، والمعتزلة، والمرجئة، والشيعة.. وغيرهم من أَهل البدع ممن سلكوا مسلكهم.
فالسنَّة هنا تقابل البدعة، والجماعة تُقابل الفرقة، وهو المقصود في الأَحاديث التي وردت في لزوم الجماعة والنهي عن التفرق. يقول محمود الآلوسي مبينًا على من يُطلق هذا اللقب أيضًا: (وتُطلق -السنة- على ما كان عليه السلف الصالح في مسائل الإمامة والتفضيل، والكفّ عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).[10]
يقول أبو حنيفة – رحمه الله– معرفًا الجماعة بقوله: (الجماعة أن تفضّل أبا بكر وعمر وعليا وعثمان، ولا تنتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم..).[11]
وعليه فَأهلُ السُّنَّةِ والجماعة هم:
هم المتمسكون بسُنٌة النَّبِيِّ- صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم- وأَصحابه ومَن تبعهم وسلكَ سبيلهم في الاعتقاد والقول والعمل، والذين استقاموا على الاتباع، وجانبوا الابتداع، وهم باقون ظاهرون منصورون إِلى يوم القيامة فاتَباعُهم هُدى، وخِلافهم ضَلال. [12]
وأهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة، واجتمعوا عليها، في الأمور العلمية العقدية، وفي الأمور العملية الحُكمية، ولهذا سُموا أهل السنة؛ لأنهم متمسكون بها، وسُموا أهل الجماعة لأنهم مجتمعون عليها.
وإذ تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي، مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة. [13]
وأنبه هنا إلى أن (لفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الشيعة وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول إن القرآن غير مخلوق وإن الله يرى في الآخرة ويثبت القدر وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة)[14]
وعلى هذا يكون لمصطلح أهل السنة معنيان:
1- معنى عام يدخل فيه من عدا الشيعة، طالما انتسبوا للسنة،فيدخل في هذا عوام الصوفية ونحوهم.
2- معنى خاص وهم أهل السنة المحضة كما تقدم قريبا.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "والسنة: هي الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة، ولهذا كان السلف قديما لا يطلقون اسم السنة إلا على ما يشمل ذلك كله"[15]
الهوامش:
[1] أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ص 1/103 قال محققه سنده ضعيف. مرجع سابق
[2] رواه الترمذي، كتاب الايمان، باب ماجاء في افتراق هذه الامة، 2641 وحسنه الالباني.
[3] رواه الترمذي، أبواب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في لزوم الجماعة، (4/ 466)، ح(2167) وصححه الألباني.
[4] أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، البداية والنهاية، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي، 1408، هـ - 1988 م، تحقيق علي شيري، (ج10/ص22).
[5] أورده البيهقي في كتاب المدخل ص15، وابن القيم في إغاثة اللهفان 1/70.
[6] أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة الخانجي – القاهرة، ص(2/271).
[7] عبد الرحمن بن صالح بن صالح المحمود، موقف ابن تيمية من الأشاعرة، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد – الرياض، 1415 هـ / 1995م، ص 1/31.
[8] زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، كشف الكربة في وصف أهل الغربة، الطبعة الثانية، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، 1424 هـ - 2003م، تحقيق: أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني، ص11.
[9] أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، دار الآفاق الجديدة، بيروت، تحقيق أحمد محمد شاكر، ص (5/ 87)
[10] أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي، غاية الأماني في الرد على النبهاني، الطبعة: الأولى، مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1422هـ- 2001م، تحقيق أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي، ص (1/428).
[11] أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي،الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء مالك والشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم، دار الكتب العلمية - بيروت، ص163.
[12] عبد الله بن عبد الحميد الأثري، الوجيز في عقيدة السلف الصالح (أهل السنة والجماعة)، مراجعة وتقديم صالح بن عبد العزيز آل الشيخ،الطبعة: الأولى،1422هـ، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، ص29.
[13] محمد بن صالح بن محمد العثيمين، مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الطبعة الأخيرة، دار الوطن - دار الثريا، 1413 ه، جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، (ج/1 ص 37).
[14] تقي الدين أبو العباس أحمد بن محمد ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ص (2/ 132) مرجع سابق
[15] زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، ص(2/ 120) مرجع سابق
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.