الكاتب/ محمد بن عبد الله المقدي
عُرف أهل السنة والجماعة بألقاب هي علامات على صفاتهم، وهي في مجملها مأخوذة من كَلم النبي صلى الله عليه وسلم، فمن تلك الألقاب:
1- الفرقة الناجية:
وهذا الوصف مأخوذ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأتيَنَّ على أُمَّتي ما أتى على بني إسرائيلَ حَذْوَ النعل بالنعل، حتى إن كان منهُم مَن أتى أُمَّه علانية؛ لكان في أُمَّتي مَن يصنع ذلك، وإنَّ بني إسرائيل تفرَّقت على ثنتين وسبعين ملَّة، وتفترق أُمَّتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلهم في النار؛ إلا ملة واحدة. قالوا: ومَن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي). [1]
ووجه الدلالة أنه وصف الفرق كلها بالهلاك إلا واحدة حازت صفة النجاة، واستبدت بها، وهي الجماعة التي اتصفت باتباع منهج السلف في الأقوال والأعمال والاعتقادات، قال ابن حجر - رحمه الله -: "ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد وأن يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولاً فأولاً، إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر الله "[2]
و"هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض"[3]
فالفرقة الناجية فرقة منهجية شرعية يجمعها سبيل المؤمنين أهل السنة والجماعة على تفرق بلدانهم وتباعد أعصارهم، فهم حملة الديانة، وبناة الأمة، ورواد الطريق، الصابرون على البلاء، المتفائلون في زمن اليأس، الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر، وأنبه هنا إلى أنه لايجوز شرعا أن يكون هذا الوصف سيفا مصلتا على من خالف في المسائل العلمية أو العملية، فيلمز لاجتهاده بالهلاك، أو أن يوصف به بلد بأجمعه أو عصر من العصور، أما من خالف نهج أهل السنة فهو متوعد بالعقاب محل للدعوة.
يقول ابن تيمية - رحمه الله -: "الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى الثنتين والسبعين لا بد له من دليل، فإن الله حرم القول بلا علم عموماً، وحرم القول عليه بلا علم خصوصاً" [4]، إن الفرقة الناجية ليست دواء مضادا للهلاك تفزع إليه الثلة المؤمنة من أجل الحفاظ على كينونتها بل هي حقيقة شرعية وتوصيف واقعي لحال الأمة بعد التفرق وعليه فعلى أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان استنبات الفئة المؤمنة التي تقوم بهذا المنهج لتنجو من غوائل الفرقة والهلاك، ولتنتقل الفرقة الناجية إلى الأمة الناجية بإشاعة علومها ورفع رايتها ولنصرة الله لها.
2- الطائفة المنصورة:
فهم ظاهرون على الحق، لا يضرهم خذلان من خذلهم؛ وهذا الوصف مأخوذ من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) [5]، وثبت ذات المعنى من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال ناس من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون). [6]
فالعاقبة لهم، والطائفة المنصورة وإن مرت بها مراحل استضعاف إلا أن مآلها إلى النصر والتمكين إن شاء الله، وهي تمتاز بثبات في وجه المخالفين والمخذلين قائمة بأمر الله لا تأخذها في الله لومة لائم، ومن نصرتهم: شُهرة مذهبهم وظهوره على سواه؛ فهم لا يكتمون الحق شيئًا، وهو داخل في مدلول قوله صلى الله عليه وسلم: (ظاهرين على الحق).[7]
كما أنهم منصورون على من عارضهم بالحجة والبرهان، أو بالسيف والسنان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين) [8]، فهي ناصرة للحق مدافعة عنه، والله مؤيد لهم ولا بد، وستكون الغلبة لهم [9]، والوصف بالنجاة والنصرة بينهما قدر مشترك حيث إن تحصيل سبل النجاة طريق للنصرة،والنصرة لاتكون إلا لأهل النجاة.
3- السلف الصالح:
وسُموا بذلك لاتباعهم نهج الصحابة رضوان الله عليهم وأئمة الهدى في القرون الثلاثة المفضلة التي زكاها النبي صلى الله عليه وسلم، وفضّلها في الجملة على سائر الأمة، فقال عليه الصلاة والسلام: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).[10]
وصف الإمام اللالكائي ما كان عليه السلف الصالح فقال: "فهلم الآن إلى تديُّن المتبعين، وسيرة المتمسكين، وسبيل المتقدمين بكتاب الله وسنته، والمنادين بشرايعه وحكمته الذين قالوا: آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، وتنكبوا سبيل المكذبين بصفات الله وتوحيد رب العالمين، فاتخذوا كتاب الله إمامًا وآياته فرقانًا، ونصبوا الحق بين أعينهم عيانًا، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم جُنّة وسلاحًا، واتخذوا طرقها منهاجًا وجعلوها برهانًا، فلُقُّوا الحكمة وَوُقوا من شر الهوى والبدعة؛ لامتثالهم أمر الله في اتباع الرسول وتركهم الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق".[11]
الهوامش:
[1] أخرجه الترمذي (2641)، وحسَّنه ابن العربي في أحكام القرآن (3/432) وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي.
[2] زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ص 13/295 مرجع سابق
[3] أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ص (13/ 67) مرجع سابق
[4] تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، مجموع الفتاوى، 3/346، مرجع سابق.
[5] رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» يقاتلون وهم أهل العلم ح(10)، ورواه مسلم، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم»(347).
[6] متفق عليه، أخرجه البخاري (39)، ومسلم بروايات متعددة، تراجع عند الأرقام(170-171-172-175-177)
[7] متفق عليه، أخرجه البخاري (39)، ومسلم بروايات متعددة، تراجع عند الأرقام(170-171-172-175-177)
[8] سنن ابن ماجه في مقدمة سننه، ح رقم (6) وصححه الألباني.
[9] إبراهيم بن محمد البريكان، الاختلاف في أصول الدين وأسبابه وأحكامه، ضمن مجلة البحوث الإسلامية، تصدرها وتشرف عليها الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، (ج 46، ص 362- 367) بتصرف واختصار.
[10] رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، (2/938، رقم 2651)، ورواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، (4/1964، رقم 2535).
[11] الشيخ هبة الله بن الحسن بن منصور،شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، ص(1/20). مرجع سابق
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.