وَمِنْ خصائصِه صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ اللهَ جمعَ له كُلَّ مراتب الوحي

وَمِنْ خصائصِه صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ اللهَ جمعَ له كُلَّ مراتب الوحي



وَمِنْ خصائصِه صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ اللهَ جمعَ له كُلَّ مراتب الوحي

الأولى:

الرؤيا الصالحةُ: روى الشيخان في صحيحيهما عَنْ عائشة - رضيَ اللهُ عنها - قالتْ: (كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ)([1]).

قالَ الحافظُ في الفتح: (المرادُ بفلقِ الصبحِ ضياؤُه، وَخُصَّ بالتشبِه لظهورِه الواضحِ الذي لا شَكَّ فيه)([2]).

الثانية:

مَا كانَ يلقيه المَلَكُ في روعِه([3]) وقلبِه مِنْ غيرِ أنْ يراه؛ فعنْ ابنِ مسعود - رضيَ اللهُ عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ: أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلا بِطَاعَتِهِ))([4]).

الثالثة:

أنَّه - صلى اللهُ عليه وسلم - كانَ يتمثلُ له المَلَكُ رجلًا، فيخاطبه حتى يعيَ عنه ما يقولُ له، وفي هذه المرتبةِ كانَ يراه الصحابةُ أحيانًا.

الرابعة:

أنَّه - صلى اللهُ عليه وسلم - كانَ يأتيه في مثلِ صلصلةِ الجرسِ، وكانَ أشده عليه، فيتلبسُ به المَلَكُ حتى إنَّ جبينَه - صلى اللهُ عليه وسلم - ليتفصدُ عرقًا في اليومِ الشديدِ البردِ، وحتى إنَّ ناقتَه لتبركُ به إلى الأرضِ إذا كانَ راكبها، ولقدْ جاءَه - صلى اللهُ عليه وسلم - كذلكَ وفخذُه على فخذِ زيد بن ثابت - رضيَ اللهُ عنه - فثقلتْ عليه حتى كادتْ ترضها.

روى الشيخان في صحيحيهما عنْ عائشة - رضيَ اللهُ عنها -، أنَّ الحارثَ بن هشام - رضيَ اللهُ عنه -، سألَ رسولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - فقالَ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ‏؟‏

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -‏:‏ أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ‏،‏ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -‏:‏ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا))([5]).

وفي روايةٍ أخرى عنها - رضيَ اللهُ عنها - أنها قالتْ: (فأخذَهُ - صلى اللهُ عليه وسلم - مَا كانَ يأخذُه مِنَ البرحاء عندَ الوحي، حتَّى إنَّه يتحدرُ منه مثلُ الجمانِ مِنَ العرقِ، في اليومِ الشاتِ مِنْ ثِقَلِ القولِ الذي أُنْزِلَ عليه)([6]).

الخامسة:

أنَّه يرى المَلَكَ في صورتِه التي خُلِقَ عليها، فيوحي إليه ما شاءَ اللهُ أَنْ يوحيه، وهذا وقعَ له - صلى اللهُ عليه وسلم – مرتين؛ قالَ اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 13-14].

روى الإمامُ مسلم عنْ عائشة - رضيَ اللهُ عنها - أنَّ النبيَّ - صلى اللهُ عليه وسلم - قالَ: ((إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنْ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ))([7]).

وروى الترمذي في جامعِه بسندٍ صحيحٍ عَنْ مسروق قالَ: قالتْ عائشةُ - رضيَ اللهُ عنها -: (لم يَرَهُ في صورتِه إلا مرتين: مرةً عندَ سدرةِ المنتهى، ومرةً في جيادٍ له ستمائة جناح قَدْ سَدَّ الأفقَ)([8]).

السادسة:

مَا أوحاه اللهُ إليه وهو فوقَ السماواتِ ليلةَ المعراجِ مِنْ فَرْضِ الصلاةِ وغيرها([9]).

وزادَ بعضُهم مرتبةً سابعةً:

وهي: تكليمُ اللهِ تعالى له في الإسراءِ والمعراجِ كفاحًا منْ غيرِ حجاب، وهذا على مذهبِ مَنْ يقولُ: أنَّه - صلى اللهُ عليه وسلم - رأى ربَّه تبارك وتعالى، وهيَ مسألةٌ بينَ السلفِ والخلفِ([10]).

قالَ الإمامُ البغوي - رحمهُ اللهُ -: الوحيُ مِنَ اللهِ - عزَّ وجلَّ - على أنبيائِه - عليهم السلامُ - أنواعٌ كَمَا قَالَ اللهُ تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51].

قالَ بعضُ أهلِ التفسيرِ:

الوحيُ الأول: ما أراهم في المنامِ، قالَ عبيدُ بن عمير: رؤيا الأنبياءِ وحيٌ، وَقَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102].

وقالَ غيرُ واحدٍ مِنْ أهلِ التفسيرِ فِي قولِه تعالى: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}: كَمَا كَلَّمَ موسى - عليه السلامُ - مِنْ وراءِ حجابٍ، حتَّى قالَ: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143]، وقولُه تعالى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}: فهوَ إرسالُ الروحِ الأمينِ؛ كَمَا قَالَ تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 192-193].

وَقَدْ كانَ لنبينا - صلى اللهُ عليه وسلم - جميعُ هذه الأنواع، فقالَ اللهُ - عزَّ وجلَّ - فِي رؤياه: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الفتح: 27].

 



([1]) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، (3)، وكتاب التفسير، (4923)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله - صلى اللهُ عليه وسلم -، (160).

([2]) انظر: فتح الباري، ابن حجر، (1/34).

([3]) الروع: بضم الراء هي النفس، انظر: النهاية، ابن الأثير، (2/252).

([4]) رواه الحاكم في المستدرك، كتاب البيوع، باب إن الله لا يُنَالُ فَضْلُهُ بمعصيتِه، (2181)، وأبو نعيم في الحلية، (10/26)، ورواه ابن ماجه، كتاب التجارات، باب الاقتصاد في طلب المعيشة، (2144)، وهو حديث صحيح.

([5]) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي إلى رسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -، (2)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب عرق النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلم - في البرد، (2333).

([6]) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور: 12]، (4750)، ومسلم، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك، (2770).

([7]) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب معنى قولِ اللهِ - عزَّ وجلَّ -: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 13، 14]، (177).

([8]) رواه الترمذي، كتاب التفسير، باب ومن سورة النجم، (3562).

([9]) الحديث: رواه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج، (3887)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - إلى السماواتِ وفرض الصلوات، (162).

([10]) انظر: زاد المعاد، ابن القيم، (1/79).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
وَمِنْ خصائصِه صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ اللهَ جمعَ له كُلَّ مراتب الوحي.doc doc
وَمِنْ خصائصِه صلى اللهُ عليه وسلم أنَّ اللهَ جمعَ له كُلَّ مراتب الوحي.pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى