مِنْ خصائصِه صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّ الدجالَ والطاعون لا يدخلُون بِبَلَدَيْه

مِنْ خصائصِه صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّ الدجالَ والطاعون لا يدخلُون بِبَلَدَيْه




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ فمِنْ خصائصِه - صلى اللهُ عليه وسلم - أَنَّ الدجالَ لا يدخلُ بِبَلَدَيْه
ِ،
روى الشيخان في صحيحيهما عنْ أنس بنِ مالك - رضيَ اللهُ عنه -: ((ليسَ مِنْ بَلَدٍ إلَّا سيطؤه الدجالُ، إلَّا مكة وَالمدينة، وليسَ نَقْبٌ مِنْ أنقابِها إلَّا عليه الملائكةُ صافين تحرُسُها، فينزلُ بالسبخة، فترجفُ المدينةُ ثلاثَ رجفاتٍ([1])، يخرجُ إليه منها كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ))([2]).

وَمِنْ خصائصِه - صلى اللهُ عليه وسلم - أَنَّ الطاعون لا يدخلُ مدينتَه

روى الشيخان في صحيحيهما عنْ أبي هريرة - رضيَ اللهُ عنه - قَالَ: ((قَالَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -: على أنقابِ المدينةِ ملائكةٌ، لا يدخُلُها الطاعونُ وَلا الدجالُ))([3]).

وروى الإمامُ أحمد في مسندِه بسندٍ صحيحٍ عَنْ أبي عسيب([4]) مولى رسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - قَالَ: ((قَالَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -: أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِالْحُمَّى وَالطَّاعُونِ، فَأَمْسَكْتُ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلْتُ الطَّاعُونَ إِلَى الشَّامِ، فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي، وَرَحْمَةٌ وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِينَ))([5]).

قالَ الحافظُ في الفتح: (والحكمةُ في إمساكِ الحُمى في المدينةِ وإرسالِ الطاعون، أنَّه - صلى اللهُ عليه وسلم - لَمَّا دخلَ المدينةَ كانَ في قلةٍ مِنْ أصحابِه عددًا ومددًا، وكانتْ المدينةُ وَبِئَةً، كَمَا في حديثِ عائشةَ - رضيَ اللهُ عنها – قالتْ: (... وَقَدِمْنَا المدينةَ وهي أوبأُ أرضِ اللهِ)([6])، فَخُيَّرَ النبيُّ - صلى اللهُ عليه وسلم - في أمرين يحصلُ بِكُلٍّ منهما الأجرُ الجزيلُ، فاختارَ الحمى حيئذٍ لقلةِ الموتِ بها غالبًا، بخلاف الطاعون.

ثُمَّ لَمَّا احتاجَ إلى جهادِ الكفارِ وَأُذِنَ له في القتالِ، كانتْ قضيةُ استمرارِ الحمى بالمدينةِ أَنْ تُضْعِفَ أجسادَ الذين يحتاجون إلى التقويةِ لأجلِ الجهادِ، فدعَا رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - بنقلِ الحمى مِنَ المدينةِ إلى الجحفة؛ كَمَا في حديثِ عائشةَ - رضيَ اللهُ عنها - المذكورِ، فعادَتْ المدينةُ أصحَّ بلادِ اللهِ بَعْدَ أَنْ كانتْ بخلافِ ذلكَ.

ثُمَّ كانوا مِنْ حينئذٍ مَنْ فاتَهُ الشهادةُ بالطاعون ربما حصلتْ له بالقتلِ في سبيلِ اللهِ، وَمَنْ فَاتَهُ ذلك حصلتْ له الحمى التي هي خظُّ المؤمنِ مِنَ النارِ([7])، ثُمَّ استمرَّ ذلك بالمدينةِ تمييزًا لها عنْ غيرِها لتحققِ إجابةِ دعوتِه - صلى اللهُ عليه وسلم - وظهور هذه المعجزةِ العظيمةِ بتصديقِ خَبَرِهِ هذه المدة المتطاولة، واللهُ أعلم)([8]).

 



([1]) قال الحافظ في الفتح، (4/583): (أي يحصل لها زلزلةٌ بعدَ أخرى ثُمَّ ثلاثة، حتى يخرجَ منا مَنْ ليسَ مخلصًا في إيمانِه، ويبقى بها المؤمنُ الخالصُ فلا يُسَلَّطُ عليه الدجال، ولا يُعَارِضُ هذا مَا في حديثِ أبي بكرة الذي رواه البخاري في صحيحه، (1879): أنَّه لا يدخلُ المدينةَ رعبُ الدجالِ؛ لأنَّ المرادَ بالرعبِ مَا يحدثُ مِنَ الفزعِ مِنْ ذِكْرِهِ وَالخوف من عتوه، لا الرجفة التي تقعُ بالزلزلة لإخراج مَنْ ليس بمخلصٍ.

([2]) رواه البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب لا يدخل الدجالُ المدينةَ، (1881)، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قصة الجساسة، (2943).

([3]) رواه البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب لا يدخل الدجالُ المدينةَ، (1880)، ومسلم، كتاب الحج، باب صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال إليها، (1379).

([4]) قال الحافظ في الفتح: عسيب بوزن عظيم.

([5]) رواه أحمد في مسنده، (20767).

([6]) رواه البخاري، كتاب فضائل المدينة، (1889).

([7]) روى الإمام أحمد في مسنده، (9676)، وابن ماجه في سننه، (3470)، بسند جيد عن أبي هريرة - رضيَ اللهُ عنه -، عنْ رسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - أنَّه عادَ مريضًا مِنْ وَعْكٍ كَانَ بِهِ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((أَبْشِرْ، فَإِنَّ اللهَ يقولُ: هي ناري - أي الحمى - أُسَلِّطُهَا على عبدي المؤمنِ في الدنيا، لتكونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ في الآخرةِ)).

الوعك: هو الحمى، انظر: النهاية، ابن الأثير، (5/179).

وروى الإمامُ مسلم، (2576)، عن جابر بن عبدِ اللهِ - رضيَ اللهُ عنهما -، أنَّ رسولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - دَخَلَ على أُمِّ السائب، أو أُمِّ المسيب، فقالَ لها: ((مَا لَكِ يَا أُمَّ السائب - أو أُمَّ المسيب – تزفزفين؟ قالتْ: الحمى، لا باركَ اللهُ فيها، فقالَ - صلى اللهُ عليه وسلم: لا تسبِّي الحمى، فإنَّها تُذْهِبُ خطايا بني آدمَ، كَمَا يُذْهِبُ الكيرُ خَبَثَ الحديدِ)).

قالَ الإمام النووي في شرح صحيح مسلم، (16/107): (تزفزفين: بزاءين معجمتين، وفاءين والتاء مضمومة، معناه: تتحركين حركة شديدة، أي: ترعدين).

([8]) انظر: فتح الباري، ابن حجر، (11/346-347).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
مِنْ خصائصِه صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّ الدجالَ والطاعون لا يدخلُون بِبَلَدَيْه.doc doc
مِنْ خصائصِه صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّ الدجالَ والطاعون لا يدخلُون بِبَلَدَيْه.pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى