من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى تولى تبرئته عما ينسب إليه أعداؤه

من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى تولى تبرئته عما ينسب إليه أعداؤه





الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصحبِه وَمَنْ وَالَاه وَبَعد ... قالَ اللهُ تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 2-4].

      وَقالَ سبحانه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 1-4].

وَقالَ سبحانه: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69].

      بخلافِ سائرِ الأنبياءِ - عليهم الصلاةُ والسلام -، فقدْ كانوا يدافعون عنْ أنفسِهم، ويردُّون على سائرِ أعدائِهمظح كقولِ نوح - عليه السلام -: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 61].

وَقَالَ هود - عليه السلام -: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 67] ... وأشباه ذلك.

ومنْ خصائصِه - صلى اللهُ عليه وسلم - أنَّ اللهَ أَطْلَعَهُ على الجنةِ وَالنارِ:

روى الإمامُ البخاريُّ فِي صحيحِه، عنْ عمران بن حصين قالَ: ((قالَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -: اطَّلَعْتُ فِي الجنَّةِ فَرأَيتُ أَكثَرَ أهلِها الفقراءُ، وَاطَّلَعْتُ فِي النارِ فَرَأَيتُ أَكثَرَ أهلِها النساءُ))([1]).

وَروى الإمامُ مسلم وَابنُ حبان في صحيحيهِما، وَاللفظُ لابنِ حبان، عنْ أسامة بنِ زيدٍ - رضيَ اللهُ عنهما - قَالَ: ((قَالَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -: نَظَرْتُ إلى الجنَّةِ؛ فإذَا أكثر أهلِها المساكينُ، وَنَظَرْتُ فِي النارِ، فإذَا أَكثَر أهلِها النساءُ، وَإِذَا أهلُ الجَدٍّ([2]) مَحْبُوسُون، وَإِذَا الكفارُ قَدْ أُمِرَ بِهمْ إلى النَّارِ))([3]).

قَالَ ابنُ حبان في صحيحِه: (اطِّلَاعُه - صلى اللهُ عليه وسلم - إلى الجنةِ وَالنارِ معًا كَانَ بجسمِه، وَنَظَرُهُ العيان تَفَضُّلًا مِنَ اللهِ - جَلَّ وَعلا - عليه، وَفَرْقًا فَرَّقَ بِه بينَه وَبَيْنَ سائرِ الأنبياءِ - عليهم الصلاةُ وَالسلام -)([4]).

وَمِنْ خصائصِه - صلى اللهُ عليه وسلم - أَنَّه يرى مَنْ خلفَه فِي الصلاةِ:

روى الإمامُ البخاري فِي صحيحِه وَالإمامُ أحمد في مسندِه وَاللفظُ لأحمد، عنْ أنس بنِ مالك - رضيَ اللهُ عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((استَووا، استَووا، فواللهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنٍ خَلْفِي، كَمَا أراكُم مِنْ بينَ يدي))([5]).

      وروى الإمامُ البخاري في صحيحِه عنْ أنس - رضيَ اللهُ عنه - قَالَ: ((أُقِيمَتْ الصلاةُ فَأَقْبَلَ علينا رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - بوجهِه، فَقَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُم وَتَرَاصُّوا، فإنِّي أراكُم مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي))([6]).

قَالَ الحافظُ في الفتح: (وَالصوابُ المختارُ أَنَّ هذا الحديثَ محمولٌ على ظاهِرِه، وَأَنَّ هذا الإبصارَ إداركٌ حقيقيٌّ خَاصٌّ بِهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -، انخرَقَتْ لَهُ فيه العادةُ، وَعلى هذَا عملَ المُصَنِّفُ - أي الإمام البخاري -، فَأَخْرَجَ هذا الحديثَ فِي علاماتِ النبوةِ، وكَذا نقل عن الإمامِ أحمد وغيره)([7]).

ومِنْ خصائصِه - صلى اللهُ عليه وسلم - إيتاؤُه جوامعَ الكَلِمِ، وَمفاتيح خزائن الأرضِ:

روى الإمامُ البخاري وَمسلم في صحيحيهما عنْ أبي هريرة - رضيَ اللهُ عنه - قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((بُعِثْتُ بِجَوامِع الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبينا أَنَا نائمٌ رأيتُني أُتِيْتُ بمفاتحَ خزائن الأرضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي))، قَالَ أبو هريرة - رضيَ اللهُ عنه -: (فذَهَبَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - وأنتُم تَنثِلُونَهَا)([8]).

قَالَ الإمامُ الزهري: (بلغني أنَّ جوامعَ الكلمِ أنَّ اللهَ يجمعُ الأمورَ الكثيرةَ التي كانتْ تُكْتَبُ فِي الكتبِ قَبْلَه فِي الأمرِ الواحدِ، وَالأمرين أوْ نحو ذلك)([9]).

وَقَالَ الحافظُ في الفتح: (جوامعُ الكلمِ التي خُصَّ بها رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - أنَّه كانَ يتكلمُ بالقولِ الموجزِ القليلِ اللفظِ الكثيرِ المعاني)([10]).

وَقَالَ الحافظُ ابنُ كثير: (وَلَاشَكَّ أَنَّ العربَ أفصحُ الأممِ، وَكَانَ النبيُّ - صلى اللهُ عليه وسلم - أفصحَهم نطقًا، وَأجمع لكلِّ خُلُقٍ جَمِيلٍ مُطْلَقًا)([11]).


الهوامش:

([1]) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، (6546)، ورواه مسلم، من حديث ابن عباس - رضيَ اللهُ عنهما -، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، (2737).

([2]) قال الإمام النووي في شرح مسلم، (17/44): (الجَد: بفتح الجيم، قيلَ: المرادُ به أصحاب البخت والحظ والدنيا والغنى والوجاهة بها، وَقيلَ: المراد أصحاب الولايات، ومعناه: محبوسون للحساب).

([3]) رواه مسلم، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، (2736)، وابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره - صلى اللهُ عليه وسلم - عن مناقب الصحابة، باب وصف الجنة وأهلها، (7456).

([4]) انظر: صحيح ابن حبان، (16/495).

([5]) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، (418)، ورواه في كتاب الأذان، باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها، (717)، و(719)، ورواه أحمد في مسنده، (13838).

([7]) انظر: فتح الباري، ابن حجر، (2/72).

([8]) قال الحافظ في الفتح، (6/233): (تنثلونها: بوزن تفعلونها أي تستخرجونها)، والحديث رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((نُصِرْتُ بِالرعْبِ مسيرةَ شهرٍ))، (2977)، ورواه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((أُوتِيْتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ))، (7273)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، (523)، و(6).

([9]) انظر كلام الزهري في صحيح البخاري، كتاب التعبير، باب المفاتيح في اليد، بعد الحديث: (7013).

([10]) انظر: فتح الباري، ابن حجر، (15/172).

([11]) انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، (6/678).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى تولى تبرئته عما ينسب إليه أعداؤه.doc doc
من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى تولى تبرئته عما ينسب إليه أعداؤه.pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى