الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصَحْبِه وَمَنْ وَالَاه وبعد ...
فإنَّ المتأملَ فِي الكتابِ وَالسنةِ يجدُ أَنَّ اللهَ قرنَ بينَ الإيمانِ وَالعملِ، وأنَّه لا يكفي فِي الدينِ مجردُ الدعوى، بلْ لابدَّ مِنَ العملِ؛ قَالَ اللهُ تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، يخبرُ اللهُ أنَّ مَنْ يرجو رؤيتَه وَثوابَه، وَيخافُ المصيرَ إليه؛ يعملُ العملَ الصالحَ وَيجتنب الشركَ، وَالعملُ الصالحُ هوَ مَا كانَ لوجهِ اللهِ خالصًا موافقًا لسُنةِ نبيِّه - صلى اللهُ عليه وسلم -.
وَهوَ الإحسانُ كَمَا قَالَ تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112]؛ فقدْ أخبرَ اللهُ تعالى أنَّه مَنْ أخلصَ قصدَه للهِ وَكانَ محسنًا فِي عملِه فإنَّه مستحقٌّ للثوابِ سالمٌ مِنَ العقابِ، ثمَّ هذا هو تحقيقُ الشهادتين: شهادة أنْ لَا إلَه إلَّا الله وَشهادة أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، ففِي الأولى أنْ لا نَعْبُدَ إلا إياه، وَفِي الثانيةِ أنَّ محمدًا هوَ رسولُه المُبلغُ عنه، فعلينا أنْ نصدقَ خبرَه وُنطيعَ أمرَه([1]).
وَيقولُ اللهُ سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218]، فربطَ اللهُ فِي هذه الآيةِ بينَ الرجاءِ وَهذه الأعمال الثلاثةِ، موضِّحًا أنَّ المتصفين بها هم الراجون رحمةَ اللهِ فِي الحقيقةِ، لأنهم أتوا بمنزلةِ مَنْ يرجو وجودَ الغَلَّةِ بلا بذرٍ وَسَقْي، وَيرجو وجودَ وَلَدْ بلا نكاحٍ([2]).
وَكَمَا أنَّ اللهَ ذمَّ المشركين الذين يتمتعونَ فِي هذه الدنيا، فيأكلونَ وَيُلهِهِم الأملُ عَنْ الأخذِ بحظِّهم مِنْ طاعةِ اللهِ فيها وَتزودِهم لمعادِهم منها؛ قَالَ تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3].
يقولُ شيخُ الإسلامِ - رحمهُ الله -: (فَلَابُدَّ - للعبدِ - مِنَ العملِ المأمورِ بِهِ، وَلَابُدَّ مِنْ رجاءِ رحمةِ اللهِ وَعفوهِ وَفضلِهِ، وَشهودِ العبدِ لتقصيرِه، وَلفقرِه إلى فضلِ ربِّه وَإحسانِ ربِّه إليه)([3]).
وَيقولُ الحسنُ البصري - رحمه الله -: (إنَّ أقوامًا ألهَتْهُم أماني المغفرةِ حتى خرجوا مِنَ الدنيا وَلَيْسَتْ لَهُم حسنةٌ، يقولُ: "إنِّي أحسنُ الظنَّ بربِّي" ... كَذِبَ!! وَلَوْ أَحْسَنَ الظنَّ بربِّه لأحسنَ العملَ)([4]).
وَعَنْ محمدٍ بنِ ثابت البناني قَالَ: (ذهبتُ أُلَقِّنُ أبي عندَ الموتِ، فقالَ: يابُني خَلِّ عنِّي، فإنِّي فِي وردِي السابع!)([5]).
وَعَنْ إبراهيم التيمي - رحمهُ الله - قَالَ: (مثَّلْتُ نفسِي فِي الجنةِ آكلُ ثمارَها، وَأشربُ مِنْ أنهارِها، وأُعَانِقُ أبكارَها، ثُمَّ مَثَّلْتُ نفسِي فِي النارِ آكلُ مِنْ زقومِها، وَأشربُ مِنْ صديدِها، وأُعَالِجُ سلاسلَها وَأغلالَها، فقلتُ لنفسِي: أي نفسي، أي شيءٍ تريدين؟! قالتْ: أريدُ أنْ أُرَدَّ إلى الدنيا فأعملَ صالحًا، قَالَ: قلتُ: فأنتِ فِي الأمينةِ فاعملي)([6]).
وَعَنْ هرم بن حيان - رحمهُ اللهُ - قَالَ: (لَوْ قيلَ لِي إنَّك مِنْ أهلِ النارِ، ما تركتُ العملَ)([7]).
وَمرَّ عمرُ بن عبد العزيز - رحمهُ اللهُ - برجلٍ فِي يدِه حصى يلعبُ بها وَيقولُ: (اللهمَّ زوجنِي الحورَ العين، فقامَ عليه عمرُ فقَالَ: بِئْسَ الخاطبُ أنتَ، ألَا ألقيتَ الحصى، وَأخلصتَ للهِ الدعاءَ)([8]).
وَعَنْ سعيد بن جبير - رحمهُ اللهُ -: (الغرورُ أَنْ يصرَّ العبدُ في معصيةِ اللهِ، وَيتمنى على اللهِ فِي ذلك المغفرة)([9]).
وَعَنْ الفضيل بن عياض قَالَ: (تسألُه الجنَّةَ وَتَأتِي ما يكرَهُ!! مَا رأيتُ أحدًا أقلَّ نظرًا منك لنفسِك)([10]).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.