وَمِنْ خصائِصِه صلى اللهُ عليه وسلم إقسامُ اللهِ تعالى بحياتِه فِي القرآنِ

وَمِنْ خصائِصِه صلى اللهُ عليه وسلم إقسامُ اللهِ تعالى بحياتِه فِي القرآنِ





الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاه وَبَعْد، لَمْ يُنَادِه في القرآنِ باسمِه وَحرَّمَ نداءَه باسمِه على الأمةِ:
وَمِنْ خصائِصِه - صلى اللهُ عليه وسلم - إقسامُ اللهِ تعالى بحياتِه فِي القرآنِ:
قَالَ اللهُ تَعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72].
قَالَ الإمامُ ابنُ جرير فِي تفسيرِ هذِهِ الآيةِ: (يقولُ تعالى لنبيِّه - صلى اللهُ عليه وَسلم -: وَحياتكَ يَا محمد، إنَّ قومَك مِنْ قُرَيْش {لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]، يَقُولُ: لَفِي ضَلَالَتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ يَتَرَدَّدُون)([1]).
وَقَالَ الحافظُ ابنُ كثير: (أَقْسَمَ تعالى بحياةِ نبيِّه - صلى اللهُ عليه وسلم -، وَفِي هذَا تشريفٌ عظيمُ، وَمقامٌ رَفيعٌ، وَجاهٌ عَريضٌ)([2]).
وَقَالَ القاضي عياض: (وَهَذِه نهايةُ التعظيمِ، وَغَايةُ البِرِّ وَالتشريفِ)([3]).
ورَوى ابنُ جرير فِي تفسيرِه عَنْ ابنِ عباس - رضيَ اللهُ عنهما - قَالَ: (مَا خَلَقَ اللهُ وَمَا ذَرَأَ وَمَا بَرَأَ نفسًا أَكرمَ عليه مِنْ مُحمد - صلى اللهُ عليه وَسلم -، وَمَا سمعتُ اللهَ أقسمَ بحياةِ أحدٍ غيرِه، قَالَ تَعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72].
يقولُ: (وَحَياتُك وَعَمْرُكَ وَبَقَاؤكَ فِي الدنيا؛ إنِّهم لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون)([4]).
وَمِنْ خصائصِه - صلى اللهُ عليه وَسلم - أنَّ اللهَ تعالى لَمْ ينادِه فِي القرآنِ باسمِه:
قَالَ اللهُ تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67].
وَقَالَ تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 70].
وَقَالَ تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الأحزاب: 1].
وَقَالَ تَعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64].
وَقَالَ تَعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 1-4].
وَقَالَ تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر} [المدثر: 1-7].
بِخِلافِ سائر الأنبياءِ - عليهم الصلاةُ وَالسلام -، فإنَّه سبحانه وتعالى خاطَبَهُم بأسمائِهم المجردة:
كَقولِه تعالى: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 19].
وَقَالَ تَعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف: 144].
وَقَالَ تَعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116].
وَقولِه تعالى: { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود: 48].
وَقَولِه تعالى: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: 76].
وَقَوْلِه تَعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].
وَقَوْلِه تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7].
وَقَوْلِه تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12].
وَمِنْ خَصَائِصِه - صلى اللهُ عليه وسلم - تحريمُ ندائِه باسمِه على الأمةِ:
بِخِلاف سائر الأنبياءِ - عليهم الصلاة والسلام -، فإنَّ أُمَمَهُم كانتْ تخاطبُهم بأسمائِهم.
قَال تعالى حكايةً عنهم: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138].
وَقالَ سبحانه عنهم: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 112].
وَقَالَ - سبحانه وتعالى - لهذهِ الأمة: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
قَالَ الحافظُ ابنُ كثير: (وَهَذَا كلُّه مِنْ بابِ الأدبِ فِي مخاطبةِ النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلم - وَالكلامِ مَعهُ)([5]).
وَقَالَ سعيد بن جبير وَمجاهد بن جبر - رحمهما اللهُ -: (وَالمعنى؛ قولوا: يا رسولَ اللهِ، فِي رِفْقٍ وَلِيْن، وَلَا تقولوا: يَا مُحمد)([6]).
الهوامش:

([1]) انظر: تفسر الطبري، (7/526).

([2]) انظر: تفسير ابن كثير، (4/542).

([3]) انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض، (1/37).

([4]) انظر: تفسير ابن جرير الطبري، (7/526).

([5]) انظر: تفسير ابن كثير، (6/89).

([6]) انظر: تفسير القرطبي، (15/360).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
وَمِنْ خصائِصِه صلى اللهُ عليه وسلم إقسامُ اللهِ تعالى بحياتِه فِي القرآنِ .doc doc
وَمِنْ خصائِصِه صلى اللهُ عليه وسلم إقسامُ اللهِ تعالى بحياتِه فِي القرآنِ .pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى