هل يصح قياس الاستشفاع بالصالحين على طلب الدعاء منهم؟

هل يصح قياس الاستشفاع بالصالحين على طلب الدعاء منهم؟

يستدل المبتدعةُ بجوازِ الاستشفاعِ بالنبي صلى الله عليه وسلم بأن الاستشفاعَ بالصالحين هو طلبٌ للدعاءِ منهم، وهذا جائزٌ في حياتِهم، ومستمرٌّ لهم بعد موتِهم، ويستدلون لذلك بالنصوصِ الدالةِ على دعاءِ المؤمنين بعضِهم لبعضٍ، ومشروعيةِ طلبِ ذلك بعضهم من بعض.

يقولُ صاحبُ كتابِ "كشف الارتياب": «طلبُ الشفاعةِ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بل ومن آحادِ المؤمنين في دارِ الدنيا أحياءً وأمواتًا ليشفعوا في الدنيا في أمورِ الدنيا والآخرةِ، أو يوم القيامة جائزٌ لا محذورَ فيه؛ لأنه من قبيلِ الدعاء، فيرجع طلبُها إلى التماسه، وذلك جائزٌ من الأحياءِ بالاتفاق، أما طلبُ الدعاءِ من الأمواتِ فمَنَعَه ابنُ تيمية والوهابية، والحقُّ جوازه»^([1]).

الرد:

أولًا: إن هذه الشبهةُ مبنيةٌ على مقدمتين إحداهما صحيحةٌ والأخرى باطلةٌ:

o                  فالمقدمةُ الأولى: أن طلبَ الدعاءِ من الصالحين جائزٌ ومشروعٌ حالَ حياتهم.

والأدلةُ صريحةٌ في مشروعيتِها، ولا يخالفُ في ذلك أهلُّ السُنة، ولذلك فإن ما يسوقُه المبتدعةُ لتقريرِ هذه الشبهةِ هو ما دلَّ على هذه المقدمةِ، التي ليس الكلامُ فيها.

o                  والمقدمةُ الثانيةُ: أن ذلك مشروعٌ بعد وفاتهم.

فهذا فيه كلامٌ، لأنها من الأمورِ المحْدَثَة التي لم ترِد في الكتابِ ولا في السُنة، ولم يكن عليها سلفُ الأمةِ من الصحابةِ رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان.

ثانيًا: لم يُنقل عن سلفِ الأمةِ الأبرار من الصحابةِ والتابعين لهم بإحسان، وهم - ولا شك - أفقه الناسِ بسُنةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وأسبقُهم إليها، ولقد كان قبرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، فما كانوا يأتون إلى قبرِه يطلبونه أن يدعو الله تعالى، كما كانوا يستشفعون به في حياتِه، بل قد عدلوا إلى طلبِ الدعاءِ من غيرِه من الأحياء، كتوسلهم بالعباس رضي الله عنه.

ثالثًا: هذا يفضي إلى سؤالِ الميتِ الحاجات، وكشفِ الكربات، باعتبارِ أنه شافعٌ عند الله تعالى، ويفضي أيضًا إلى اعتقادات باطلةٍ، يُنسبُ فيها إلى الميتِ بعضُ صفات الربوبية، كعلمِ الغيبِ، والتصرفِّ في الكونِ، ونحو ذلك، فيصيرُ المرء إلى مناداته بطلبِ الدعاءِ من كلِّ مكان، من جوارِ قبرِه أو بعيدًا عنه^([2]).