هل الآية {جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ} دليلٌ على الاستشفاع بالنبي؟
يستدلُ المبتدعةُ بجوازِ الاستشفاعِ بالنبي صلى الله عليه وسلم بقولِه تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64]، فقالوا إنَّ الآيةَ دالةٌ على مشروعيةِ إتيانِه وطلبِ الاستغفارِ منه، وليس فيها ما يخصص ذلك حالَ حياته([1]).
الرد:
أولًا: أن الآيةَ تابعةٌ لما قبلها، والمقصودُ بها أولئك الذين تحاكموا إلى الطاغوتِ وقد أُمروا أن يكفروا به، فالآيةُ متعلقةٌ بزمنِ حياتِه صلى الله عليه وسلم، فيكون العموم الذي تدلُّ عليه الآية هو في تلك الحال التي يدلُّ عليها ظاهرُ الآية، فالمجيءُ إليه صلى الله عليه وسلم في حياتِه والاستغفارُ عنده هو مدلولُ عمومِ الآية، فمن قال بذلك فالآيةُ حجة له، أما المجيءُ إليه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته طلبًا للاستغفارِ فليس مدلولًا ظاهرًا للآية.
ثانيًا: لو صحَّ الاستدلالُ بهذه الآيةِ على المجيءِ إليه في قبرِه طلبًا للاستغفارِ لصحَّ الاستدلالُ للمجيءِ إليه لمبايعتِه كما تدل عليه آيةُ مبايعةِ النساء، وهي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12]، الآية.
ثالثًا: أنه يلزمُ من ذلك أن يكونَ القبرُ أعظمَ أعيادِ المذنبين وأجلِّها، إذ أن ظلمَ النفسِ لا يسلم منه أحدٌ، وفي ذلك معارضةٌ لوصيةِ النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يُجعل قبرُه عيدًا.
رابعًا: أن الصحابةَ - رضوان تعالى عليهم - هم أفقه الناسِ بالتنزيل، ومع ذلك لم يفهموا من هذه الآيةِ المجيءَ إليه بعد موته صلى الله عليه وسلم بدليلِ أنهم لم يفعلوه، ولو كان مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه، لاسيما وقد ثبت استشفاعهم بغيره، ولكن حالَ الحياةِ، كما في استسقائِهم بالعباس - رضي الله عنهما -، وفي هذا دلالةٌ صريحةٌ على بطلان استدلالِ المبتدعةِ هنا.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.