الرد على مدح الفقر وذم الغنى عند الصوفية (1)

الرد على مدح الفقر وذم الغنى عند الصوفية (1)





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
أولا: يتبين من أقوال ومواقف شيوخ الصوفية في مدحهم للفقر وذمهم للغنى أن موقفهم هذا غير صحيح، لأنه مخالف للشرع والعقل والعلم، فلا يصح مدحها ولا ذمها مطلقا، لأن لكل منهما جانب إيجابي وآخر سلبي، فالمال مثلا هو قوم الحياة وعمادها، وطلبه مع إنفاقه في الحلال عبادة، ووسيلة تزكية وتطهير أيضا، قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: 5]، وقال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأنعام: 141]، وقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].
          ومن الأحاديث الصحيحة التي مدحت الغنى والأغنياء، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي"[1]. وقوله لسعد بن أبي وقاص:" أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرتها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك"[2].
          وقوله صلى الله عليه وسلم:" ما نفعني مال قط ما نفعن مال أبي بكر"[3].
          وقوله:" نعم المال الصالح للمرء الصالح"[4].
          ودعا لأن بن مالك رضي الله عنه بقوله:" اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته"[5].
          وكان الصحابي كعب بن مالك رضي الله عنه صاحب مال، فلما تاب الله عليه أراد أن ينخلع من ماله صدقة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" أمسك بعض مالك فهو خير لك"[6].
          علما بأن الشرع امتحن الناس بالفقر والغنى معا، فكل منهما يوصل إلى الجنة، أو إلى النار، وهذا الأمر ثابت بدليل القرآن والسنة، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اللهم فإني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، ومن شر فتنة الغنى ومن شر فتنة الفقر"[7].
          فواضح من تلك الأحاديث أن مدحها للغنى والأغنياء الصالحين هو من جهة أخرى ذم للفقر وتفضيل للأغنياء الأتقياء على الفقراء الأتقياء، وأنه على الفقراء أن يسعوا للتخلص من الفقر ولا يرضوا به، لأن الإيمان والعمل الصالح معن الغنى خير من الإيمان والعمل الصالح مع الفقر، ولا شك أن أي إنسان عاقل يخير بين الحالتين إلا وأختار الإيمان والصلاح والغنى، لكن مع ذلك فلا شك أن الإيمان والصالح مع الفقر خير من الإيمان والغنى مع عدم الصلاح، وخير من الكفر مع الغنى طبعا، بل وأن المؤمن الفقير الأتقى خير من المؤمن الغني الأقل صلاحا، لكن مع ذلك فإن الغنى في ذاته خير وافضل من الفقر في ذاته، وبه يطبق ركن من أركان الإسلام، وهو الزكاة، وبه يجاهد المسلمون في سبيل الله.
          وثانيا: فيما يخص ما ذكره الحارس المحاسبي، فإن الحديث الذي استشهد به ضعيف[8]، ومتنه منكر دون شك، فلا يصح أبدا ولا يعقل أن يصف النبي الفاجرين فهذا باطل قطعا، لأن الثابت أنه عليه الصلاة والسلام حث على جمع المال الحلال، ومدح الأغنياء الأتقياء كما سبق أن بيناه، ولا يمكن أن يقوله أيضا وطائفة من كبار الصحابة كانوا من الأغنياء، فلماذا لم يذمهم ولا نهاهم؟؟ بل ولماذا حثهم على جمعه وإنفاقه في سبيل الله؟؟؟
          وبما أن الشرع جعل المال قوام الحياة، وأمر بطلب الرزق وكسب المال الحلال وإخراج زكاته، فلا يصح تفضيل ترك كسب المال عن جمعه بدعوى التفرغ للعبادة، لأن طلب الرزق وكسب المال وإنفاقه في سبيل الله، هو من العبادة أيضا، وعليه فلا تصح الدعوة إلى ترك التكسب وعمارة الأرض بدعوى التفرغ للعبادة، فموقف الحارث المحاسبي مخالف للعبادة الشرعية، لكنه منسجم مع العبادة الصوفية، إنه موقف يدعو إلى السلبية والكسل والتواكل، بدعوى الزهد والإخلاص وتفريغ القلب للعبادة.
          وثالثا: إن قول المحاسبي فيه حق قليل وباطل كثير، وتضمن تهويلات وتغليظات وتلبيسات، ونسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس من كلامه، فالرجل لم يحرص على رواية الحديث الصحيح، ولا حقق الأحاديث التي استشهد بها، بل إنه تعمد نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع أنها لم تثبت أنها من كلامه، وهذا تصرف مرفوض من رجل محسوب من العلماء، مما يعني أن المحاسبي كانت غايته من تلك الأحاديث الانتصار للتصوف لا للشرع، لأن من يحرص على الانتصار للدين عن وعي وفهم عليه أن يتثبت من الأحاديث النبوية لميز بين صحيحها من سقيمها.
          ومن أخطأ المحاسبي أنه نهى عن جمع المال مطلقا، وفضل تركه عن جمعه، ثم هو يقول بأن الصحابة الذين جمعوا المال لم يجمعوه تكاثرا وشرفا وزينة، ومن يتهمهم بذلك فقد طعن فيهم، وهذا كلام فيه تغليط وتناقض، لأن المحاسبي ذم جمع المال مطلقا، ثم يعود ويقول بأن أغنياء الصحابة لم يجمعوه تكاثر، والصواب هو أن جمع المال لا يذم مطلقا، وإنما يبين أن جمع المال له جانب إيجابي وآخر سلبي، فمن جمعه بالحلال جانب محمود ومطلوب، ومن جمعه من أجل الدنيا والصد عن سبيل الله، فهذا جانب مذموم ويجب التخلص منه، لكن المحاسبي لم يفعل هذا وعمم حكمه انتصارا للعبادة الصوفية.
          علما بأن كثيرا من الصحابة جمعوا الأموال في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أن معظمهم أو كلهم جمعوا الأموال في زمن الخلافة الراشدة، فلماذا أغفل المحاسبي هذه الحقائق؟
          وليس صحيحا أن من فضل جمع المال الحلال عن تركه فقد ازدرى محمدا والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام ونسبهم إلى الجهل، إنه كلام باطل بدليل الشواهد الآتية: منها إن بعض الأنبياء كانوا من الأغنياء والملوك كداود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، ومنها إن الزهد في الدنيا لا يعني جمع المال ولا وتركه، فقد يكون الغني زاهدا في الدني والفقير ليس زاهدا فيها.
          ومنها: إن الأنبياء أصحاب رسالات إلهية كلفهم الله تعالى بأدائها وعليه فهم تفرغوا للدعوة لا لجمع المال، لكن الله تكفل لهم بتوفير حاجياتهم المادية، كما فعل مع خاتم أنبيائه: { وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8].
          وهذا غنى عام يشمل الماديات والمعنويات، لكنهم من جهة أخرى أمروا أتباعهم بجمع المال الحلال لعمارة الأرض وتطبيق شريعة الله، فلا يمكن تحقيق ذلك من دون جمع للمال.
          ومنها: إنه إذا كان كثير من الناس يضرهم الغنى وينفعهم الفقر، فإن العكس صحيح أيضا، فإن كثيرا منهم ينفعهم الغنى ويضرهم الفقر، وإذا كان بعض الأفراد تركهم لجمع المال أحسن لهم من جمعه، فإن جمع المال لمجموع الأمة أفضل وأحسن، بل وواجب عليها لأنه لا يمكن أن تقام دولة الإسلام، ولا الدعوة إليه والتصدي لأعدائه إلا بجمع الأموال وإعداد مختلف وسائل القوة.
          ومنها: إنه قد صحت الأحاديث بأن النبي صلى الله عليه وسلن قد مدح الغنى وحث عليه، وأثنى على الأغنياء الأتقياء كما سبق أن بيناه، وهذا يعني أن الذي مدح الفقر مطلقا كما فعل المحاسبي هو الذي انحرف عن الشرع، وخالف محمدا وأصحابه.
          ولا يصح الاستدلال على أفضلية ترك المال الحلال على جمعه بدعوى أن الأنبياء لم يطلبوه، فهذا استدلال مرفوض، وفيه تغليط وتلبيس، لأن هؤلاء أنبياء كلفهم الله بأداء الرسالة فهي مهمتهم، وليست مهمتهم جمع المال الحلال، ومن جهة أخرى فقد ضمن الله لهم الرزق، ومع هذا كان حرفيا، قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80].
          ولا شك أن من المهام التي كلفهم الله بها هي دعوة أقوامهم إلى كسب المال الحلال لعمارة الأرض والجهاد في سبيل الله وإقامة شريعته، وهذا الذي فعله خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60]، فهل يمكن الإعداد لذلك تطبيق هذا الأمر الإلهي دون جمع المال؟
          وليس صحيحا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جمع المال، وإنما نهى عن جمع المال الحرام وحث على الحلال، كما سبق أن بيناه، كقوله:" إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي"[9]، وقوله لسعد بن أبي وقاص:" أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت بها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك"[10].
          وقد كان أغنياء الصحابة رضي الله عنه يتاجرون ويمنون أموالهم ولم ينهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ومعنى هذا حسب زعم المحاسبي أن محمد صلى الله عليه وسلم غش أصحابه الأغنياء عندما لم يبين لهم أن حالهم ناقص، ومن الأحسن لهم أن يتخلوا عن أموالهم ليلتحقوا بفقراء الصحابة، ومعنى ذلك أيضا أن النبي صلى الله عيه وسلم غش أمته عندما مدح الغنى والحلال وأثنى على الأغنياء الأتقياء، ولم يبين لها أن الغنى وأهله مذمومون  في كل أحوالهم، ومعنى ذلك ايضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غش الصحابة الأغنياء عندما حثهم على الجهاد بأموالهم في سبيل الله، فمع أنهم جاهدوا بها، فكان من الأحسن لهم عدم امتلاكها، ولا الجهاد بها طبعا، لأن هذا لا يقدمهم على غير المنفقين يوم القيامة، وبما أن هذا كله بال، وحشا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يغش أصحابه وأمته إن هذا يعني قطعا أن موقف الحارث المحاسبي من المال غير صحيح.
          وليس صحيحا أن الله تعالى نهى عن جمع المال الحلال، فهذا افتراء على الله تعالى، والقرآن الكريم شاهد على أنه سبحانه جعل المال قوام الحياة: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: 5].
          وأخبرنا أنه بارك في الأرض بالخيرات والأموال وسخرها لنا وأمرنا باستغلالها وإنفاقها بالحلال، وفي كل أبواب الخير، وإلا لماذا أمرنا بإخراج الزكاة لو لم يكن جمع المال الحلال مطلوبا؟ ولماذا ا جعل إخراج الزكاة تطهيرا لنا لو لم كن جمع المال مطلوبا؟ قال سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [التوبة: 103]، فالله تعالى من على البشر بالخيرات والأموال وأمرهم بجمعها وإنفاقها واستهلاكها بالحلال، قال تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]، وقال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7].
          وبناء على ذلك فلا شك أن موقف الصوفية من المال مخالف للشرع ومعطل للإنسان من أداء مهمة تعمير الأرض بالمال الحلال، فلا عمارة للأرض بلا مال، وعدم طلبه هو تعطيل للدين والدنيا معا، والمال قوة وعزة بيد من يملكه، والمسلم التقي أولى من غيره بأن يملك المال الحلال ليمتلك القوة ويحقق بها قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
          وأما قوله بإن الاحتجاج بمال الصحابة هو من الشيطان، فهو قول باطل لا يصدق على الصحابة ومن سار على نهجهم، إنما يصدق على من جمع المال من حرام، وأما مال الصحابة رضي الله عنهم فكان ن حلال، وبمسمع ومرأى وتشجيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم قدوتنا في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
          قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 115]، وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 100].
          وعليه فإن عدم جمع المال الحلال والإكثار منه لبناء الفرد المسلم والدولة المسلمة، والدعوة به إلى الإسلام والتصدي به لأعداء المسلمين هو الذي من الشيطان، وليس العكس، مما يعني أن موقف المحاسبي وأصحابه من المال هو هدم للدين والدنيا، وإفقار للمسلمين وحكم عليهم بالضعف ليكونوا لقمة صائغة لأعدائهم.
          ثم إن المحاسبي ذكر حديثا مفاده أن الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني رأيت الجنة فرأيت فقراء المهاجرين والمسلمين يدخلون سعيا ولم أر أحدا من الأغنياء يدخلها معهم إلا عبد الرحمن بن عوف يدخلها معهم حبوا" وقال أيضا:" بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف :" إما إنك أول من يدخل الجنة من أغنياء أمتي وما كدت أن تدخلها إلا حبوا"[11].
          وأقول: الحديثان لا يصحان إسنادا ولا متنا، الأول في إسناده عبد الله بن شبيب وهو ضعيف[12].
          والثاني ضعفه الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث الإحياء[13]، فالرجل ذكر الحديثين من دون أي حرص ولا اهتمام بتحقيقهما، لأن هما كان في تعضيد التصوف والانتصار له، وليس في البحث عن صحيح السنة للاعتماد عليها والابتعاد عن الضعيف، فهذا أمر لم يهتم به المحاسبي، بل لم يهتم به كل الصوفية، لأنهم يعلمون أنهم لو اهتموا به ما قامت للتصوف قائمة باسم الشرع.
          والمتن منكر ولا يصح، لأن المال في الإسلام ليس ذنبا وإنما هو كنز من الكنوز التي تدخل الجنة، لمن طلبه بالحلال وأنفقه في الحلال، ولأن الثابت أن ابن عوف رضي الله عنه هو من السابقين الذين ذكرهم الله بقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 100] فعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من هؤلاء الأخيار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وشهد لهم بدخول الجنة، وجعلهم قدوة لغيرهم، وبما أنه كذلك فهو يدخل الجنة مع هؤلاء السابقين وليس مع أغنياء أمته، فالله تعالى شهد للسابقين  منهم بدخول الجنة دون تمييز بينهم بين الغني والفقير.
          بل إن الثابت أن أبا بكر رضي الله عنه كان من أغنياء الصحابة الذين بذلوا أموالهم في سبيل الله، وهو أفضل الصحابة على الإطلاق، وفيه وفي ماله قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر"[14].
          وشهد له القرآن الكريم بالفضل والصحبة، بقوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 40].
          ومتى كان الغنى عيبا ونقصا لمجرد الغنى؟ إنه يكون كذلك إذا كان من حرام، وأما إن كان من حلال وفي سبيل الله فهو عز وكنز من كنوز الدنيا، الموصلة إلى الجنة، ومتى كان الفقر المادي عزا وفخرا وقوة؟ إنه قد يكون كذلك بالنسبة لبعض الناس، لكنه قد يكون ذلا وهوانا وضعفا وكفرا لأناس آخرين، والفقر ينفع صاحبه إذا كان مؤمن تقيا، وغير قادر على جمع المال فصبر واحتسب، لكنه قد يكون هو السبب في ضلال كثير من الناس وفساد أخلاقهم، فيسرقون أموال غيرهم، ويأكلون من الحرام، فيكون الفقر سببا في هلاكهم كما كان الغنى سببا في خلاك من طلبه بالحرام، وأنفقه في الحرام، ولا شك ن المسلم التقي الغني القوي بإيمانه وماله، أحسن من المسلم التقي الفقير الغني بإيمانه والضعيف بفقره.
          وليس صحيحا أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، لأن الله تعالى امتحن الناس بالفقر والغنى، وكل منهما طريق يوصل إلى الجنة، وإلى النار، والحكم هنا هو الميزان الإلهي، وليس الغنى ولا الفقر، قال سبحانه: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10].
          وقال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 6 - 11].
          وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35].
          وعليه فإن المؤمن الغني الصابر على فتنة المال قد يدخل الجنة بماله، قبل المؤمن الفقير، لأن الأول عمل الحسنات أكثر منه بماله، وكان تقيا مثله وفعل ما كان يفعل الثاني، فكانت حسنات المؤمن الغني أكثر من حسنات المؤمن الفقير، وقد يحدث العكس.
          ومما يبطل ذلك أيضا أنه من الثابت تاريخيا أن كل الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا فقراء وعاشوا إلى زمن الخلافة الراشدة من السابقين والمتأخرين تحسنت أحوالهم المادية وأصبحوا أغنياء، أو ميسورين، ولم يبق فيهم واحد فقيرا، وبما أن الأعمال بالخواتيم، وهؤلاء لم يموتوا فقراء، فأين هؤلاء الفقراء من الصحابة الذين ذكرهم الحديث، ويدخل معهم ابن عوف الجنة؟
          وأما قول المحاسبي:" وقد بلغنا أنهم كانوا إذا أقبت الدنيا عليهم حزنوا، وقالوا ذنب عجلت عقوبته من الله، وإذا رأوا الفقر مقبلا قالوا: مرحبا بشعار الصالحين، وبلغنا أن بعضهم كان إذا أصبح وعند عياله شيء أصبح كئيبا حزينا، وإذا لم يكن عندم شيء أصبح فراحا مسرورا، فقيل له إن الناس إذا لم يكن عندهم شيء حزنوا وإذا كان عندهم شيء فرحوا"[15].
          فبالنسبة لخبره الأول، فقد رود في حديث مفاده:" وفي الخبر رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته"، ضعفه الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث الإحياء[16]، والخبر الثاني لم أجد له أصلا، فهو موضوع، وهذا الرجل أكثر من ذكر المرويات ولم يهتم أصلا بالتثبت وتحقيق الأخبار، لأن هدفه منها هو تعضيد التصوف والانتصار له، وليس البحث عن الحديث الصحيح ليتخذه دينا، فلو كان هو وأصحابه حريصين على الالتزام بالشرع، والبحث عن صحيح السنة النبوية، لاهتموا بتحقيق المرويات الحديثة والتاريخية لتمييز صحيحها من سقيمها، ليكون تصوفهم صحيحا موافقا للشرع.
          وقوله السابق شاهد دامغ على أنه تلكم بلا علم وافترى على الشرع والتاريخ الصحيح عند تعمد، لأنه لم يهتم بالتحقيق وهو يعلم أن في الأحاديث الصحيح والضعيف والموضوع، والشواهد الآتية تثبت ما أقول:
          أولها: إنه صحح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدخر الطعام.
          والشاهد الثاني: مفاده لا شك أن أغنياء الصحابة رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار كانت عندهم أموال طائلة، وأنفقوها في سبيل الله ولم يتحرجوا منها، ولا ندموا على امتلاكها ثم في زمن الخلافة الراشدة أصبحوا كلهم أغنياء، أو ميسورين بما فتح الله به عليهم بسبب الفتوحات، ثم ماتوا وتركوا أمورا كثيرة من بعدهم كالزبير بن العوام، وعلي ابن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم، فلو فرحوا بالفقر، وندموا وحزنوا على الغنى ما كان ذلك حالهم.
          والقرآن الكريم يشهد بأن الفقراء من المهاجرين في المدينة كانت عندهم أموال فلما هاجروا تركوا واستجابوا لله ورسوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } [الحشر: 8]، وكذلك الله تعالى ذكر جانبا من فقرهم ثم ذكرهم بأنه رزقهم وأخرجهم منه فقال سبحانه: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26]، فليس صحيحا أن الصحابة كانوا يفرحون بالفقر ويحزنون بالغنى، فلو كانوا كذلك ما كانت عندهم الأموال، وما ماتوا وتركوها من بعدهم.
          ثم إن المحاسبي استشهد بحديث آخر على أن الفقر أفضل من الغنى، مضمونه:" اللهم أحيني مسكينا، وحشرني في زمرة المساكين، ولا تحشرني في زمرة الأغنياء"[17].
          وأقول: هذا لا حديث لم يذكر له المحاسبي إسنادا ولا حققه، وقد عثرت عليه من طريقين:
          الأول: قال الترمذي:" حدثنا عبد الأعلى بن واصل الكوفي، حدثنا ثابت بن محمد العابد الكوفي حدثنا الحارث بن النعمان الليثي عن أنس أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا، وحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة" فقالت عائشة رضي الله عنها: لم يا رسول الله؟ قال:" إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا، يا عائشة لا تردي المسكين ولو بشق تمرة، يا عائشة أحبي المساكين وقربيهم فإن الله يقربك يوم القيامة"، قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب"[18].
          وإسناده لا يصح، لأن من رجاله:
          ثابت بن محمد العابد الكوفي أبو إسماعيل الشيباني ويقال الكناني، قيل فيه: صدوق، ثقة، ليس بالقوي، لا يضبط، يخطئ في أحاديث كثيرة[19]، فالرجل ضعيف من جهة ضبطه.
          والراوي الثاني:  الحارث بن النعمان بن سالم الليثي، منكر الحديث، ليس بالقوي[20].
          والطريق الثاني: قال ابن ماجه:" حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن سعيد قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر عن يزيد بن سنان عن أبي المبارك عن أبي سعيد الخدري قال: أحبوا المساكين فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه:" اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين"[21].
          وإسناده لا يصح، لأن من رواته: سليمان بن حيان الأزدي أبو خالد الأحمر الكوفي، صدوق يخطئ، ليس بحجة، ثقة، يغلط[22].
          ويزيد بن سنان بن يزيد التميمي الجزري أبو فروة الرهاوي، ضعيف، له مناكير، ليس بشيء، ليس بثقة، لا يحتج به، محله الصدق[23].
          والراوي الثالث: أبو المبارك، مجهول[24].
          وأما متنه فلا يصح أيضا، بدليل الشواهد الآتية:
          أولها: إن المسكنة المذكورة في الحديث لا تتعلق بالجانب الروحي، لأن كل المسلمين بل كل البشر فقراء إلى الله تعالى، لقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15]، وإنما يتعلقان بالجانب المادي، وبما أن الأمر كذلك، فإن الحديث يخالف أصلا أساسيا من أصول دين الإسلام المتعلقة بالجزاء الإلهي في الآخرة، ومفاده أن فلاح الإنسان وخسرانه لا علاقة لهما بالفقر ولا بالغنى، وإنما هما يتعلقان أساسا بالإيمان والعمل الصالح، فكم من غني أدخله غناه الجنة، وكم من فقير أدخله فقره جهنم، والعكس صحيح، فالمسكنة المذكورة في الحديث، هي دليل على عدم صحته، لأن دخول الجنة لا يتم إلا بها.
          والشاهد الثاني: مفاده أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن مسكينا ولا فقيرا، لأن الله تعالى أغناه وهيأ له ما يكفيه ليتفرغ للدعوة، بدليل قوله تعالى: { وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 8 - 11]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :"ما نفعني ما قط ما نفعني مال أبي بكر"[25].
          ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان الصحابي سعد بن عبادة الأنصاري يبعث إليه كل يوم جفنة من ثريد اللحم أو ثريد بلبن أو غيره، فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه[26].
          وعندما بدأت الغنائم تتدفق على المسلمين كان للنبي صلى الله عليه وسلم منها، فقد روى عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: " كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم"[27].
          وهذا النخل كان مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب[28].
          وعليه فهل يعقل أن الله تعالى من على رسوله صلى الله عليه وسلم وتفضل عليه بأن وجده عائلا فأغناه، ثم يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ويدعو الله بدعاء مخالف لما تفضل الله به عليه، بأن يعيده فقيرا ومسكينا؟؟؟ طبعا لا، وألف لا.
          والشاهد الثالث: بما أن الفقر المادي عجز ونقص، وليس فضلا ولا شرفا ولا قوة، وهذا ينطبق على الأفاد والجماعات والدول، فلا يعقل، ولا يصح أن يتمناه النبي صلى الله عليه وسلم ويدعوا الله أن يميته مسكينا أو فقيرا، وقد صح عنه أنه كن يتعوذ من الفقر، بقوله: اللهم فإني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، ومن شر فتنة الغنى ومن شر فتنة الفقر"[29].
          بل وكان يحث أصحابه على العمل وأنه خير لهم من أن يسألوا الناس، ونهاهم أيضا عن السؤال إلا عند الضرورة في حالات محددة[30]، فهل يعقل بعد هذا أن يدعو الله أن يميته مسكينا أو فقيرا؟
          والشاهد الرابع والأخير: إنه لا يصح أن ينسب ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه يعني أنه يرفض أن يحشر مع كبار الصحابة من الأولين: كأبي بكر، وعمر، وعلي، وعثمان، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم، وهؤلاء منهم من كان غنيا منذ العهد المكي كعثمان، وأبي بكر، وقد سجل القرآن أن المهاجرين تركوا أموالهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8].
          والباقي أصبحوا أغنياء ميسورين، ولم يبقوا فقراء في عهد الخلافة عندما كثرت الفتوح والغنائم، وكان عمر رضي الله عنه قد فضل المهاجرين عن غيرهم بالعطاء الوفير[31].
          فهل يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يرفض أن يحشر مع أصحابه الأوائل كأبي بكر وعمر، وعثمان وعلي، وطلحة بن الزبير؟
          وهل يعقل أن فقراء المسلمين الذين ماتوا فقراء، يتقدمون على معظم الصحابة في دخولهم إلى الجنة، بحكم أن معظم الصحابة لم يموتوا بأموالهم وأنفسهم يتأخرون في دخول الجنة، ويسبقهم إليه الفقراء المسلمون لمجرد أنهم فقراء؟ إن ذلك لا يعقل ولا يصح قطعا. 

الهوامش

[1] مسلم، الصحيح، (8/214)، رقم (7621).

[2] أبو داود: السنن (2/438)،  رقم(654)، والألباني: صحيح أبي داود، (2/553)، رقم(2490).

[3] الألباني: صحيح الجامع الصغير، وزياداته (3/314)، رقم (5808).

[4] الألباني: صحيح الأدب المفرد (127) (299).

[5] البخاري: الصحيح (8/73)، رقم (6334).

[6] مسلم: الصحيح، (8/105)، رقم (7192).

[7] مسلم: الصحيح، (8/75).

[8] الغزالي، إحياء علوم الدين (3/265).

[9] مسلم، الصحيح، (8/214)، رقم(7621).

[10] أبو داود، السنن، (2/438)، رقم(654)، والألباني (553)، رقم(2490).

[11] سبق تخريجه.

[12] الهيثمي: مجمع الزوائد (9/227).

[13] الغزالي، الإحياء (3/266).

[14] سبق تخريجه.   

[15] سبق تخريجه.

[16] الغزالي: إحياء علوم الدين، (4/196).

[17] سبق تخريجه.

[18] الترمذي، السنن (4/310)، رقم (2352).

[19] ابن حجر، تهذيب التهذيب (1/9)، رقم (21).

[20] المرجع السابق (1/106).

[21] ابن ماجه: السنن (2/1382)، رقم (4126).

[22] ابن حجر: تهذيب التهذيب (3/121).

[23] المرجع السابق (10/237).

[24] المرجع السابق (11/141).

[25] الألباني، صحيح الجامع الصغير، (3/314)، رقم (5808).

[26] الذهبي: السير (1/232، 236).

[27] البخاري: الصحيح، (7/63)، رقم (5357).

[28] أبو داواد: السنن، (3/39)، رقم (21)، والألباني: صحيح أبي داود (2/573)، رقم (2569).

[29] سبق تخريجه .

[30] مسلم: الصحيح (8/75).

[31] ابن الأثير، الكامل في التاريخ (1/350)، وما بعدها.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
الرد على مدح الفقر وذم الغنى عند الصوفية.doc doc
الرد على مدح الفقر وذم الغنى عند الصوفية.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى