إباحة التنزه والانتجاع وما يصلح النفس ويعدل المزاج مع ملازمة التقوى

إباحة التنزه والانتجاع وما يصلح النفس ويعدل المزاج مع ملازمة التقوى






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فلا ينبغي للعبد ترك ما يصلح نفسه ويعدل مزاجه ويعينه على الخير من الانتجاع في أوقات الربيع والبدو إلى أماكن الخضرة، مع ملازمة التقوى ونفع الخلق وتعليم الجهال، وإن أطعم الجياع وكسى العراة فذاك غاية الإحسان. والله المستعان.
قال ابن حجر في شرح البخاري ما نصه: " فأما الخروج إلى البادية أحيانا للتنزه ونحوه في أوقات الربيع وما أشبهه: فقد ورد فيه رخصة، ففي سنن أبي داود عن المقدام بن شريح، عن أبيه أنه قال أنه سأل عائشة - رضي الله عنها - هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبدو؟ فقالت: "نعم إلى هذه التلاع، ولقد بدا مرة فأتى بناقة مخرمة فقال: "اركبيها يا عائشة وارفقي؛ فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نزع منه إلا شانه"، وخرج مسلم آخر الحديث دون أوله.
وورد النهي عنه، ففي المسند عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هلاك أمتي في اللبن"، قيل: يا رسول الله! ما اللبن؟ قال: "تحبون اللبن وتدعون الجماعات والجمع وتبدون".
وفي إسناده: ابن لهيعة. وإن صح فيحمل على إطالة المقام بالبادية مدة أيام كثرة اللبن كلها، وهي مدة طويلة، يدعون فيها الجمع والجماعات.
وعن أبي عبد الله الجدلي قال: فضل أهل الأمصار على أهل القرى كفضل الرجال على النساء، وفضل أهل القرى على أهل الكفور كفضل الأحياء على الأموات، وسكان الكفور كسكان القبور، وإن اللبن والعشب ليأكلان إيمان العبد كما تأكل النار الحطب. خرجه حميد بن زنجويه، وروى في إسناده عن مكحول معنى أوله.
ونص أحمد في رواية مهنا على كراهية الخروج إلى البادية لشرب اللبن ونحوه تنزها؛ لما به من ترك الجماعة، إلا أن يخرج لعلة، يعني: إنه إذا خرج تداويا لعلة به جاز، كما أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للعرنيين لما اجتووا المدينة أن يخرجوا إلى البادية ليشربوا من ألبان الإبل وأبوالها.
قال أبو بكر الأثرم: النهي عن التبدي محمول على سكنى البادية والإقامة بها، فأما التبدي ساعة أو يوما ونحوه فجائز. انتهى.
وقد كان السلف كثير منهم يخرج إلى البادية أيام الثمار واللبن. قال الجريري: كان الناس يبدون ها هنا في الثمار - ثمار قصيرة -، وذكر منهم عبد الله بن شقيق وغيره. وكان علقمة يتبدى إلى ظهر النجف.
وقال النخعي: كانت البداوة إلى أرض السواد أحب إليهم من البداوة إلى أرض البادية. يعني أن الخروج إلى القرى أهون من الخروج إلى البوادي.
وكان بعضهم يمتنع من ذلك لشهود الجماعة، فروى أبو نعيم بإسناده، عن أبي حرملة قال: اشتكى سعيد بن المسيب عينه فقيل له: يا أبا محمد! لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة ووجدت ريح البرية لنفع ذلك بصرك، فقال سعيد: وكيف أصنع بشهود العتمة والصبح؟
وما ذكره الأثرم من التفريق بين قصر المدة وطولها حسن؛ لكنه حد القليل باليوم ونحوه؛ وفيه نظر.
وفي مراسيل أبي داود من رواية معمر، عن موسى بن شيبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من بدا أكثر من شهرين فهي أعرابية".
وروى حميد بن زنجويه بإسناده، عن خلف بن خليفة، عن أبي هاشم قال: بلغني أن من نزل السواد أربعين ليلة كتب عليها الجفا. وعن معاوية بن قرة قال: البداوة شهران فما زاد فهو تعرب"[1].

الهوامش:
[1] فتح الباري لابن حجر، (1/116).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
إباحة التنزه والانتجاع وما يصلح النفس ويعدل المزاج مع ملازمة التقوى doc
إباحة التنزه والانتجاع وما يصلح النفس ويعدل المزاج مع ملازمة التقوى pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى