بين عرفه وحميثرة صورتان متضادتان

بين عرفه وحميثرة صورتان متضادتان






 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ (في مثل هذا الوقت من كل عام، ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك يستعد أكثر من مليون مواطن أغلبهم من الصعيد لزيارة محافظة البحر الأحمر تمهيداً للوقوف علي جبل «حميثرة»، حيث ضريح القطب الصوفي سيدي أبو الحسن الشاذلي، في اليوم نفسه الذي يوافق وقفة جبل عرفات.

تبدأ مراسم الزيارة باستقلال سيارات نقل يفترش سطحها الرجال والنساء والأطفال ومعهم طعامهم، ويعلو كابينة القيادة مكبرات صوت تردد التواشيح والأغاني الدينية، في شكل مهرجان ديني كبير، وتدق الطبول حتى تهون مشقة الطريق إلي صحراء «عيزاب» في وادي «حميثرة»، ليقف أولئك الذين لا تساعدهم ظروفهم المادية علي حج بيت الله الحرام علي جبل حميثرة، يتوجهون بقلوبهم إلى جبل عرفات ويقضون العيد في رحاب ساحة سيدي أبو الحسن الشاذلي، ويحرص مريدوه على زيارته من مختلف البلدان العربية، خاصة المغرب وتونس والجزائر، وتنحر الذبائح وتقدم النذور يوم المولد وتصل إلى 120 ألف رأس من الخراف والماعز والإبل. أما مكان الذبح فيوجد في قرية الشيخ الشاذلي، ويتم توزيع الأطعمة في أوقات الظهيرة، أو ليلاً في حلقات الذكر.)[1]

وزادت مجلة آخر ساعة الخبر تعليقا على زيارة العام الماضي:

أن كثيرين من أتباع الشيخ يأتون من مصر والسودان والمغرب ويمارسون شعائر تشبه الحج.. وأكد له الكثيرون أن هذه الزيارة بطقوسها قد تكفي عن أداء فريضة الحج.[2] انتهى

المسلمون في مكة يلبون، يخافون ويرجون وبعرفة يقفون يرفعون الأكف استجابة لنداء أبيهم إبراهيم عليه السلام {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج27]

يأتون زرافات ووحدانا راجلين وراكبين يؤمون النداء يرجون قوله صلى الله عليه وسلم ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )[3]

عمل مشروع وأجر موعود من الكريم سبحانه.

ساروا بهديهم وأشعروها متقربين بها إلى الله و {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } [الحج37]

وبينما هؤلاء في دعائهم وندائهم في تذللهم وتقربهم إذ بنا نسمع فئاماً من المسلمين شدوا رحالهم ولكن ليس للحرم الشريف، ووقفوا ولكن ليس بعرفة، وذبحوا ولكن لبشر من البشر.

إنها صورتان متضادتان

صورة التوحيد حينما يملأ الأنفس فتعبر عنه بـ ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك )

وصورة تمثل الولع بالمقبورين دعاء واستمدادا.

أولئك وقفوا يرجون الله جل وعلا.

وهؤلاء وقفوا بباب الشاذلي {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:13،14]

أولئك نحروا النحائر واعتقوا الرقاب لله.

وهؤلاء ساقوها آمّين الشاذلي.

أولئك جاءوا من كل فج عميق ملبين لله.

وهؤلاء استسهلوا مشقة الطريق لقبر الشاذلي.

أولئك تمثلوا قول الله تعالى {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ} الحج 30-31

وهؤلاء تعرضوا لنهي النبي صلى الله عليه وسلم (ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك).[4]

سار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حوله أصحابه ما بين راكب وماش، يحيطون به كما تحيط الهالة بالقمر، تنزل جبريل فقال (يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج)[5] فاهتزت الصحراء وتجاوبت بضجيج الملبين وهتافهم بتوحيد رب العالمين: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك .

أما هؤلاء فمن معهم ومن أمرهم ولمن لبوا وأي أرض وطئوا

الأرض غير الأرض، والسماء غير السماء ،والوقوف غير الوقوف، والدعاء غير الدعاء، والرجاء غير الرجاء‘إنها لحظة بائسة، ووقفة خاسرة وبدعة ظاهرة.

لقد لبى إبراهيم وموسى وهود وصالح ويونس ومحمد عليهم جميعا الصلاة والسلام نداء الله فحركوا ركابهم إلى البيت الحرام ووقفوا بعرفة وطلبوا الزلفى بمزدلفة

وهؤلاء حركوا ركابهم للشاذلي ووقفوا بحميثرة !

هل درى هؤلاء أنهم يقتبسون من الظلمات

إنها المأساة الحقيقية التي تعيشها أمتنا

إن هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم آمّين ذلك القبر ما أخرجهم من ديارهم وما شدوا رحالهم إلا لوجود ركام هائل من الآيات المؤولة على غير تنزيلها وإرث ضخم من الأحاديث الموضوعة وأئمة مظلّون من بين أيديهم ومن خلفهم، إتباع للأهواء والشهوات ،وعامية تميل بطبعها إلى الدجل والخرافة، وسكوت ممن أخذ عليهم العهد والميثاق.

كل ذلك يجعل المهمة ثقيلة والعبء ينوء به العصبة أولو القوة.

ولنقف قليلا مع بعض وقود الفتنة الشركية التي تقود إلى مهاوي الظلالة:

قد عرف صاحب طبقات الشاذلية الكبرى ابو الحسن الشاذلي بقوله ( القطب الفرد الجامع والنجم اللامع استاذ الوجود وكعبة أهل الشهود الهيكل الصمداني والبرزخ الرباني )[6]

قال فيه البوصيري: قطب الزمان وغوثه وامامه ***عين الوجود لسان سر الموجد [7]

ويقول ابو العباس المرسي الله ماذكرته في شده إلا انفرجت ) [8]

يقول محمد الحنفي ( من كانت له حاجة فليأت إلى قبري ويطلب حاجته أقضيها ) [9]

ويقول محمد الفرغل ( أنا من المتصرفين في قبورهم من كانت له حاجة فليأت قبالة وجهي ويذكرها أقضيها له ) [10]

بل يقول الباجوري في شرح جوهرة التوحيد – وهو متن في العقائد –(إن الله تعالى يوكل بقبرالولي ملكا يقضي حوائج الناس ) [11]

ومن الكذب الفاضح قول النبهاني عن يوسف بن عبد الله العجمي ( وجاء رجل إلى زيارة قبره فأوقف حمارته بباب الزاوية و دخل فزار وخرج فلم يجدها فعاد إليه وقال: جئتك للزيارة فتضيع عليَّ الحمارة، فانشق القبر وخرج منه إلى البرية وعاد ومعه الحمارة وقال: إذا جئتنا بعد اليوم فقيد حمارتك ولا تتعبنا وإلا فلا تأتنا ) [12] أنّا لمن ذاق حلاوة الإيمان أن يسلوه شفا جرف هار !

يقول أبو حامد الغزالي منظرا لهذا الشرك ( أما التقرب لمشاهد الأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام ،فإن المقصود منه الزيارة والاستمداد، من سؤال المغفرة وقضاء الحوائج من أرواح الأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام ) [13]ولا حول ولا قوة إلا بالله

{ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر 38]

إنه التقديس المحرم ((وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع هي التي أوقعت كثيراً من الأمم: إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك ؛ فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، وبتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب، ونحو ذلك، فلأن يُشْرَك بقبر الرجل الذي يعتقد نبوته أو صلاحه.. أعظم من أن يشرك بخشبة أو حجر على تمثاله ؛ ولهذا تجد أقواماً كثيرين يتضرعون عندها، ويتخشَّعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يعبدونها في المسجد، بل ولا في السّحَر.. )[14]

إن المتأمل لهذا الخبر يجد أنه اجتمعت فيه منكرات عدة منها:

أولا: الابتداع في دين الله بمضاهاة شعيرة من شعائره وهي الحج والوقوف بعرفه، ولا شك أن الاجتماع والتواصي على ذلك بدعة غليظة وهو من أعظم أنواع المحادة لدين الله تعالى

يقول الله تعالى { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى 21]

يقول ابن رجب –رحمه الله- فمن تقرَّب إلى الله بعمل، لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردودٌ عليه

ثانيا: شد الرحل والتكلف لطروق هذا القبر من الأماكن المتباعدة والعكوف عليها لا شك أنه بدعة شابه فيه هؤلاء أهل الجاهلية وساروا على خطة إبليسية

ولكن... أليس هذا قبر رجل صالح ترجى عنده الإجابة ؟

والجواب هو ما قاله أبو بصرة الغفاري لأبي هريرة حينما زار الطور قال له ( لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد) [15]

يقول ابن تيمية –رحمه الله- ( فقد فهم الصحابي الذي روى الحديث، أن الطور وأمثاله من مقامات الأنبياء مندرجة في العموم، وأنه لا يجوز السفر إليها، كما لا يجوز السفر إلى المساجد الثلاثة، وأيضا فإذا كان السفر إلى بيت من بيوت الله –غير الثلاثة- لا يجوز فالسفر إلى بيوت عباده أولى أن لا يجوز) [16]

و يقول علي محفوظ ( فيا عجبا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى ويطلبون منهم الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله ) ثم يقول ( وأعجب من هذا اطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم، ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية ) [17]

فأي محادة بعد هذه المحادة، وأي تجاوز بعد هذا التجاوز.

يقول ابن تيمية –رحمه الله- (أما إذا قصد الرجل الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين، متبركا بالصلاة عند تلك البقعة، فهذا عين المحادة لله ورسوله، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله، فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أن الصلاة عند القبر - أي قبر كان- لا فضل فيها لذلك، ولا للصلاة في تلك البقعة مزية خير أصلا بل مزية شر ) [18]

ثالثا: النحر والنذر عند القبر، عند أبي داود عن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه- قال نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا: لا قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا: لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) [19]

يقول ابن تيمية - رحمه الله- وإذا كان تخصيص بقعة عيدهم محذورا فكيف نفس عيدهم ؟ )[20]

يقول العلامة حافظ الحكمي –رحمه الله – واصفا لمثل حال هؤلاء: ( إنهم إذا نابهم أمر، أو طلبوا حاجة، من شفاء مريض أو رد غائب، أو نحو ذلك، نحروا في أفنية القبور النحائر من الإبل والبقر والغنم و أكثرهم يَسمها للقبر من حين تولد، ويربيها له إلى أن تصلح للقربة في عرفهم ) [21]

قال الله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام 162

في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها- أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)[22]

يقول الصنعاني –رحمه الله- : (وأما النذور المعروفة في هذه الأزمنة على القبور والمشاهد والأموات، فلا كلام في تحريمها ؛ لأن الناذر يعتقد في صاحب القبر أنه ينفع ويضر، ويجلب الخير ويدفع الشر، ويعافي الأليم ويشفي السقيم، وهذا هو الذي كان يفعله عباد الأوثان بعينه، فيحرم كما يحرم النذر على الوثن، ويحرم قبضه لأنه تقرير على الشرك، ويجب النهي عنه، وإبانة أنه من أعظم المحرمات، وأنه الذي كان يفعله عباد الأصنام، لكن طال الأمد حتى صار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وصارت تعقد اللواءات لقابض النذور على الأموات ويجعل للقادمين إلى محل المبيت الضيافات، وينحر في بابه النحائر من الأنعام، وهذا هو بعينه الذي عليه عباد الأصنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون )[23]

ولابد لنا من وقفات هامة مع هذا الحدث:

الأولى: أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان لنشر الخير، والتواصي به ولردع ناشري الضلالة، سدنة القبور والمتآكلين من صناديق النذور قال الله تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} المائدة:78

فالأخذ على أيدي هؤلاء بنشر العلم تارة وبسطوة النهي عن المنكر تارة أخرى كفيل باضمحلال هذه البدعة، ولكنَّا نرى ويا للحسرة! تواصيا من المتنفذين على هذه البدعة، ودعما وتيسيرا وتشجيعا لأصحابها، فأمر بالمنكر ونهي عن المعروف وتشجع على البدع ببناء الأضرحة وترتيب مواردها ونصب قائمين عليها وصدق صلى الله عليه وسلم ( إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني 2229

إن إنكار هذه البدعة وأمثالها لا يجوز أن تلحقه حمحمة المصالح ولا جمجمة التوازنات إنما ينظر فيها لمرضاة الله وفق القدرة والطاقة.

يقول العلامة الشوكاني –رحمه الله- (فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن هذا الشرك البين واجبا

لقد أسمعت لو ناديت حيا... ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نارا نفخت بها أضاءت... ولكن أنت تنفخ في الرماد)[24]

إن أرادة تغيير المنكر هي إرادة صلبة متميزة يسطرها دائماً أولئك الشرفاء الغيارى.

الثانية: أهمية تعظيم شعائر الله ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) الحج32 فيجب تعظيم الشعائر الزمانية والمكانية، فالزمانية كشهر رمضان والأشهر الحرم، والمكانية كالمساجد الثلاثة والصفا والمروة ومنى وكل ماقد عظمه الله جل وعلا في شرعه، فتعظيم شعائر الله عن الشرك والبدعة والمعاصي الظاهرة، ومن تعظيمها الإكتفاء بها وعدم إحداث شعائر معظمة ليس عليها أثارة من كتاب أو سنة، ومن تعظيمها نبذ مالا يستحق التعظيم كالقبور والأضرحة والمزارات المحرمة ومن تعظيمها عدم إحداث الأزمان المبتدعة كالوقوف المحرم بحميثره والموالد البدعية ونحوها مما يوهن إتيانه تعظيم شعائر الله واستبدالها بشعائر مبتدعة قال صلى الله عليه وسلم (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشرة شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد الفرد وهو رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)[25]

الثالثة :أهمية التواصي بالحق وبث النصح بين الناس، وحراسة الحق والعدل، ولاشك أن من أعظم التواصي بالحق نشر العلم كي ينكشف به الجهل ولترتفع به راية السنة وتكون المعذرة عند الله { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}الأعراف 164 وقال تعالى {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } النساء 165 فالرسل وأتباعهم من الدعاة هم مبلغو حجة الله على عباده

وقال تعالى { وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} القصص 87{ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } الشورى 15{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } النحل 125 { وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ } الحج67 قال تعالى: { قُلْ هـَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يوسف: 108

 فهذه النصوص وغيرها تدل على إيجاب الدعوة والبذل لها والاستقامة عليها، وأنها هي الصراط المستقيم ولا شك أن من أعظم أنواع الدعوة دعوة الناس إلى توحيد الله ونبذ الشرك، وهي تبعة ثقيلة ولكن لا فكاك منها ( تبعة إقامة الحجة، وتبعة استنقاذ الناس من عذاب الآخرة وشقوة الدنيا لا تكون إلا بالتبليغ والأداء على ذات المنهج الذي بلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدى، فالرسالة هي الرسالة ،والناس هم الناس وهناك ضلالات وشبهات ولكن لابد من البلاغ ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [26]

يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله – عن حال يشبه حال هؤلاء ( فلو رأيتهم وقد ارتفعت أصواتهم بالضجيج، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج، ورأوا أنهم قد أربوا في الربح على الحجيج، فاستغاثوا بمن يبدي ولا يعيد، ونادوا ولكم من مكان ببعيد، فلغير الله، بل للشيطان ما يراق هنالك من العبرات، ويرتفع من الأصوات، ويطلب من الحاجات، ويسأل من تفريج الكربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومعافاة أولي العاهات والبليات، ثم انثنوا حول القبر طائفين، تشبيها له بالبيت الحرام، الذي جعله الله مباركا وهدي للعالمين، وقربوا لذلك الوثن القرابين وكانت صلاتهم ونسكهم لغير الله رب العالمين ) [27]

فهل يطيب العيش ونحن نرى تلك الجموع تروم الرضا من غير الله

إنها أمانة في عنق كل من يتبصر معنى التوحيد والشرك والسنة والبدعة، والحق والضلالة

وإلا فهي العقوبة التي تتعقب المخالفين ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) [28]

قد تبدو الصورة موجعة بعض الشيء ولكنها الحقيقة التي لا يجوز القفز عليها ولا تخطيها و{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد آية 11

 

Almagdy3@hotmail.com

الهوامش:

[1] انظر صحيفة الخليج 25/12/2006

جريدة المصري اليوم

http://www.almasry-alyoum.com/article.aspx?ArticleID=42631

وكالة الأنباء المغربية  28/12/2006  - الخميس

http://www.ana-news.com/threads_show.php?table_n=articles&id=11356&mode=full

[2]مجلة آخر ساعة العدد3145

[3] صحيح مسلم 2/983

[4] صحيح مسلم 1/377

[5] سنن النسائي 5/162 وابن ماجه 2/975وصححه الألباني صحيح ابن ماجه رقم الحديث 2382

[6] طبقات الشاذلية الكبرى 173

[7] انظر جامع الكرمات العليه في طبقات السادة الشاذلية لابي الحسن المغربي 20

[8] المصدر السابق 42

[9] الطبقات الكبرى 2/88

[10] المصدر السابق 2/96

[11] شرح جوهرة التوحيد لابراهيم الباجوري نقلا عن القبورية في اليمن

[12] جامع كرامات الأولياء 2/536

[13] انظر المضنون به على غير أهله 356

[14] اقتضاء الصراط المستقيم 1/334

[15] أخرجه مالك 1/108والنسائي 3/113وقال ابن حجر إسناده صحيح الإصابة 1/166 وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل 3/227

[16] اقتضاء الصراط المستقيم 2/671

[17] الإبداع 172

[18] اقتضاء الصراط المستقيم 2/674

[19] أخرجه ابو داود وصححه الألباني 3313

[20] اقتضاء الصراط المستقيم 1/440

[21] معارج القبول 1/407

[22] البخاري 1/110مسلم 1/375

[23] سبل السلام 4/1899

[24] نيل الأوطار 4/474

[25] البخاري (4385)، مسلم (1679) عن أبي بكرة.

[26] طريق الدعوة في ظلال القرآن 1/ 146 بتصرف يسير

[27] إغاثة اللهفان 1/949بتصرف

[28] البخاري مع الفتح 9/ 771رقم الحديث

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
بين عرفه وحميثرة صورتان متضادتان.doc doc
بين عرفه وحميثرة صورتان متضادتان.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى