الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ يستدلُّ المبتعدةُ على عدم كفر المستغيثين بالأولياء والصالحين، وأن ما قيل إن كفر هؤلاء المعتقدين في الأموات من الكفر العملي لا الكفر الجحودي، وقد قيل مثلُ ذلك في كفر تارك الصلاة، وكفر تارك الحج، وغير ذلك من النصوص التي وردت بالحكم بالكفر، وحملها العلماء على الكفر العملي ولم يحملوها على الكفر الاعتقادي الجحودي.
وذلك لأنهم مؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وباليوم الآخر، لكن زيَّن لهم الشيطانُ أن هؤلاء عباد الله الصالحون ينفعون ويشفعون ويضرون، فاعتقدوا ذلك جهلًا، كما اعتقد ذلك أهلُ الجاهلية في الأصنام، لكن هؤلاء مثبتون للتوحيد، لا يجعلون الأولياءَ آلهةً بخلاف الكفار.([1])
الجواب([2]) عن هذه الشبهة:
إننا نسلم أن الكفر ينقسم إلى قسمين: اعتقادي وعملي، ولكن دعوى أن ما يفعله هؤلاء القبوريون من الكفر العملي في غاية الفساد؛ وذلك للأمور الآتية:
1- لأن هذا القائل اعترف بكونه يتعلق بالاعتقاد، بقوله: هؤلاء المعتقدين في الأموات، وهذا من التناقض.
2- ثم ما هو الحامل لهؤلاء على دعاء الأموات والاستغاثة بهم وغير ذلك؟! هل هو مجرد اللعب والعبث من دون اعتقاد؟! فهذا لا يمكن أن يكون عن العقلاء، أم الباعث عليه الاعتقاد في الميت؟! وإذا ثبت أن الحامل على ذلك هو الاعتقاد فكيف يُقال إنه كفر عملي؟!
3- ثم إنه لا يُقبل الاعتذار عنهم بأن هذا الاعتقاد ناشئٌ عن الجهل وتزيين الشيطان، وذلك لأن طوائف الكفر وأهل الشرك قاطبةً إنما حملهم على الكفرِ ودفعِ الحق والبقاءِ على الباطل الاعتقادُ جهلًا، وهل يمكن أن يُقال: إن اعتقاد الكفار اعتقادُ علمٍ؟
4- قد ثبت أن هؤلاء القبوريين أشدُّ غلوًّا في الاعتقاد في الأموات من الكفار، وقد بينَّا ذلك فيما سبق.
5- ثم قد تقدَّم - بحمد الله تعالى وتوفيقه - بيانُ استلزام الدعاء للاعتقاد بصفات الربوبية والألوهية، وأنه لا يمكن تصور الدعاء بدون اعتقاد، وذكرنا الأدلةَ على ذلك بما لا يدع مجالًا للشك، لهذا فالقول بأن دعاءَ غيرِ اللهِ تعالى كفرٌ عملي يتنافى مع وضع الدعاء وحقيقته ومقتضى معناه، فهو قولٌ غير صحيح.
الهوامش
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.