الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ أما بعد:شبهة إثبات وصف الإقرارِ بالألوهية لمن أقرَّ بالربوبية بحجة أن الرب هو الإله بعينه، مستدلِّين بسؤال المَلَكَيْن لمن في القبر: من ربك؟([1])، وفي تقرير هذه الشبهة يقول أحمد دحلان: »ومن المعلوم أن من أقرَّ لله تعالى بالربوبية؛ فقد أقرَّ له بالألوهية، إذ ليس الرب غير الإله، بل هو الإله بعينه؛ وفي الحديث: إن المَلَكَيْن يسألان العبدَ في قبره، فيقولان له: من ربك؟ ولم يقولا له: من إلهك؟ فدلَّ على أن توحيد الربوبية هو توحيد الألوهية« ([2]).
الرد:
أولًا: ذكرُ الألوهية حاصلٌ هنا بدلالة اللزوم؛ فالإشهاد على الربوبية والإقرار بها له لازم يجب أن لا ينفك عنه، وهو حصرُ استحقاقِ العبادة بالربِّ الخالق المالك وحده سبحانه دون سواه؛ قال الشيخ محمد بشير السهسواني: »إن الإقرار بتوحيد الربوبية مع لِحاظ قضية بَدَهية، وهي: أن غير الرب لا يستحق العبادة يقتضي الإقرار بتوحيد الألوهية عند من له عقلٌ سليم وفهمٌ مستقيم، فيكون الإقرار المذكور حجةً عليهم، كما احتجَّ اللهُ تعالى على المشركين بتوحيدِ الرازقِ ومالكِ السمعِ والأبصار... على وحدانية الألوهية« ([3]).
ثانيًا: لفظُ (الربَّ) و(الإله) يجتمعان في دلالة أحدهما على الآخر في نفس الأمر، فالربُّ هو المستحِق للألوهية، والإله الحق لابد وأن يكون خالقًا رازقًا، وهذا الأمر لا يكون إلا في حقِّ الله I، فقوله في الآية: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] دالٌّ على معنى الألوهية، إذ إفراده بالربوبية مستَلْزِم لإفراده بالعبادة، أما ما عُبِدَ من دون الله تعالى فيُسمَّى إلهًا باعتبار حصول تلك العبادة له، لا باعتبار استحقاقه لها أو حصول موجبها وهو الربوبية.
ثالثًا: أما قول: »من المعلوم أن من أقرَّ لله تعالى بالربوبية فقد أقرَّ له بالألوهية« مخالف للنصوص الكثيرة الصريحة بأن المشركين كانوا مقرِّين لله تعالى بالربوبية، وأنهم يعبدون هذه الآلهة لتقرِّبهم إلى الله تعالى زُلْفى.
رابعًا: الاستدلال بسؤال المَلَكَيْن للرجل في قبره: من ربك؟ ولا يقولان له: من إلهك، فهو لا يدلُّ على اتحاد الربوبية والألوهية في المعنى؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: »المقصود هنا بيان حال العبد المحضِّ لله الذي يعبده ويستعينه فيعمل له ويستعينه، ويحقِّق قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية، وإن كانت الإلهية تتضمن الربوبية، والربوبية تستلزم الإلهية، فإن أحدَهما إذا تضمَّن الآخر عند الانفراد، لم يمنع أن يختصَّ بمعناه عند الاقتران« ([4]).
خامسًا: قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -: »اعلم أن الربوبية والألوهية يجتمعان ويفترقان؛ كما في قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ} [الناس: 1 - 3].
وكما يُقال: (ربُّ العالمين وإله المرسلين)، وعند الإفراد يجتمعان كما في قول القائل: من رَّبك؟ إذا ثبت هذا فقول المَلَكَيْن للرجل في القبر: من ربك؟ معناه: من إلهك؟ لأن الربوبية التي أقرَّ بها المشركون ما يُمتحن أحد بها ... فالربوبية في هذا هي الألوهية، ليست قسيمةً لها، كما تكون قسيمةً لها عند الاقتران« ([5]).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.