هل دعاء الصالحين من دون الله تعالى كالحلف بغير الله من الشرك الأصغر؟

هل دعاء الصالحين من دون الله تعالى كالحلف بغير الله من الشرك الأصغر؟



 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛يستدلُّ المبتدعةُ على أن دعاء الصالحين من دون اللهِ تعالى من الشرك الأصغر، كالحلف بغير الله تعالى والطَّيرة.([1])
فالإجابة عن هذه الشبهة على أوجه:
أ- لا مساواة بين دعاءِ غير الله تعالى وبين الحلفِ بغيرِ الله تعالى والطَّيرة، فهناك فروق كثيرة بين الدعاء والحلف، كما أن هناك فرقًا بين الدعاء والطيرة، فالفروق التي بين الدعاء والحلف هي:
1- أن الدعاء من أَجَلِّ العبادات، وهو مأمورٌ به شرعًا، إما أمر وجوبٍ أو استحبابٍ، على ما مرَّ في حكمه.
وأما الحلف فلم يأمرنا اللهُ به، فهو ليس من العبادات المأمور بها، وإنما هو من المباح، وقد استُحِبَّ إذا كان هناك مصلحة راجحة في التأكيد بالحلف واليمين، ولهذا ورد في القرآن الكريم أَمرُ اللهِ نبيه بالقَسَمِ في أمر الساعة في ثلاثة مواضع([2])، ولم يأتِ في غير ذلك البتة([3]).
وهذه المواضع الثلاثة كلها فيما يتعلق بالتأكيد على بعث العباد ومعادهم، وأما في غير ما يتعلق بأمر المعاد فلم يَرِد في القرآن الكريم.
2- الدعاءُ يشتمل على الرغبة والرهبة والرجاء والخوف والتوكل، وغيرها من لوازم الدعاء، فمن دعا غيرَ اللهِ فقد أشرك في هذه الأنواع من العبادات وليس كذلك الحلف([4]).
ب- ويُقال لهذا القائل إنه شركٌ أصغر:
ما الفرق عندك بين السجود لغيرِ اللهِ تعالى وبين الدعاء لغيرِ اللهِ، حيث إن الأولَ شركٌ أكبر والثاني شركٌ أصغر عندك، مع أن كليهما قد جاء الأمرُ بطلبه من العباد، كما أن كليهما من أنواعِ العبادات، والعبادةُ صرفها لا يجوزُ لغيرِ اللهِ تعالى أيًّا كانت.
مع العلم بأن النهي عن دعاء غيرِ الله تعالى في القرآن أضعاف أضعاف النهي عن السجود لغيرِ الله تعالى؛ بل لا يُعلم نوعٌ من أنواعِ الكفر والردة وردَ فيه من النصوصِ مثل ما ورد في دعاءِ غيرِ اللهِ تعالى بالنهي عنه والتحذير من فعله والوعيد عليه([5]).
جـ- قد وقع([6]) النهيُ عن الشرك في الدعاء في أول الإسلام، وجاءت آياتٌ كثيرة جدًّا في التحذير عنه؛ لأن الدعاء لقضاء الحاجات وإغاثة اللهفان وشفاء المريض هو الذي عليه المشركون، وهو أصلُ شركِهم، والعكوفُ والذبحُ ونحوهما فروعٌ عنه.
فلهذا وقعَ النهيُ عنه في أول الإسلام بدون تأخير، وأما الحلف بغير الله فلم يَرِدْ في القرآن النهي عنه، إلا أنه ورد في الأحاديث بعد مدة طويلة، وليس في أول الإسلام، وقد وقع من بعض الصحابة، ومع ذلك لم يكفِّرْهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم، فقد حلف عمر بأبيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تَحْلِفُوا بآبائِكم))، وقال: ((مَنْ كانَ حالفًا فَلْيَحْلِف باللهِ أو ليصْمُت))([7]).
ويُقال([8]) في الطيرة مثل هذ الذي سبق، فإنها لم يقع النهيُ عنها في القرآن وفي أول الدعوة، كما أنها قد يقع شيءٌ منها في قلوب المؤمنين الموحدين، فقد ورد في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (الطيرةُ شركٌ، وما منا إلا ... ولكن اللهَ يُذْهِبُه بالتوكلِ)([9]).
فتبيَّن مما سبق الفرقُ الواضحُ بين من استغاثَ بغيرِ اللهِ في الشدائد مبتهلًا متضرعًا، وبين من حلف بغير الله يمينًا مجردةً لم يقصد تعظيمَه كتعظيمِ اللهِ، أو خطر في قلبِه شيءٌ من الطيرة، فالفرقُ شاسعٌ جدًّا ولا يخفى إلا على من طمس اللهُ بصيرتَه.
هذا وقد مال الأميرُ الصنعاني إلى أن الحلفَ بغيرِ اللهِ يُخرِجُ من الملةِ تمسكًا بظاهر الأدلة([10])، وذهب الجمهورُ إلى أنه شركٌ أصغر، هذا إذا لم يقصد تعظيمَه كتعظيمِ اللهِ، وإلا فقد اتفقوا على أنه شركٌ أكبر، وكذلك الطيرة قد تصلُ إلى الشركِ الأكبرِ إذا كان يرى المتطيرُ أن ذلك من عِلْمِ الغيب، وأن الطيرَ تخبرُه عما هو صائرٌ إليه في المستقبل أو أن الأفلاكَ تدبِّر أمرَ الخلائق([11]).
 
الهوامش

([1]) انظر عن هذه الشبهة: مفيد المستفيد، ابن عبد الوهاب، ص(306) و(297)، وفيه الرد على من زعم أنه قولٌ لابن القيم، ودرجات الصاعدين، محمد بن أحمد الحفظي، ص(52)، والنبذة الشريفة، حمد بن ناصر آل معمر، ص(592)، والدين الخالص، السبكي، (1/227).

([2]) وهذه المواضع الثلاثة هي قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ  قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس:53]، وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:3]، وقوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7].

([3]) النبذة الشريفة، حمد بن ناصر آل معمر، ص(611)، وانظر تفسير ابن كثير، (2/420) و(3/525) و(4/374).

([4]) النبذة الشريفة، حمد بن ناصر آل معمر، ص(612).

([5]) المصدر السابق، ص(601-602).

([6]) انظر: درجات الصاعدين، محمد بن أحمد الحفظي، ص(53)، والنبذة الشريفة، حمد بن ناصر آل معمر، ص(613)، والدين الخالص، السبكي، (1/227).

([7]) رواه البخاري، (2679)، ومسلم، (1646).

([8]) النبذة الشريفة، حمد بن ناصر آل معمر، ص(615).

([9]) رواه أحمد في مسنده، (438)، (440)، وأبو داود، (3910)، والترمذي، (1614)، وابن ماجه، (3538).

([10]) تطهير الاعتقاد، الصنعاني، ص(31)، وسبل السلام، الصنعاني، ص(4/1433).

([11]) انظر: النبذة الشريفة، حمد بن ناصر آل معمر، ص(616)، وتحفة الطالب، السمرقندي، ص(126).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
هل دعاء الصالحين من دون الله تعالى كالحلف بغير الله من الشرك الأصغر؟.doc doc
هل دعاء الصالحين من دون الله تعالى كالحلف بغير الله من الشرك الأصغر؟.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى