الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ يخلطُ كثيرٌ من المبتدعة ما بين مفهومي الاستغاثةِ والتوسلِ، فقد جعلوا الاستغاثةَ بمعنى التوسلِ، وبذلك جعلوا الحكمَ في الاستغاثةِ هو عين الحكمِ في التوسلِ، ثم يستدلون على جوازِ التوسلِ إما بما لا يصح الاستدلالُ به، أو بما هو دالٌّ على التوسلِ المشروعِ، ويجعلون ذلك دليلًا على جوازِ الاستغاثةِ بالأمواتِ، وطلبِ الحوائج منهم.
الرد:
أولًا: هذا مخالفٌ للغةِ العربِ، فإن ما تفهمُه العربُ من الاستغاثةِ هو طلبُ الغوثِ من المستغاثِ به، فيكونُ هو الفاعلُ للإغاثةِ، وأما التوسلُ فهو سؤالٌ للمتوسَّلِ إليه بالمتوسَّلِ به، والتوسلُ إلى اللهِ تعالى بأحدٍ من خلقِه هو جعلُ ذلك الأحد سببًا في إجابةِ الدعاء، أما الاستغاثةُ بأحدٍ من الخلقِ فهو سؤالٌ له نفسه، وطلبٌ منه أن يقضي المطلوبَ بالسؤالِ.
ثانيًا: تغييرُ الأسماءِ، فتسميةُ المبتدعةِ الاستغاثةَ توسلًا لا يغير من حقيقةِ الأمرِ، وما هو إلا تسميةَ الشيءِ بغيرِ اسمه الدالِّ على معناه، وهذا ما قد فعله المشركون السابقون؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3].
ثالثًا: يقولُ الإمامُ أبو بكر بن العربي المالكي - رحمه الله -: »إن الأحكامَ تتعلقُ بمسمياتِ الأسماء لا بألقابها ولا بالتسمية«([1])، فالحكمُ على الاستغاثةِ بالأمواتِ والغائبين مستنده المعنى الصحيح المأخوذ من دلالةِ الشرعِ ووضعِ اللغة، أما ما يصيبُ الأفهامَ من تشوشٍ وغبشٍ فلا التفات إليه هنا، وإن فرحت به نفوسٌ لا تكادُ تُحْصَى كثرةً.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.