عقيدة وحدة الوجود عند عبد الكريم الجيلي

عقيدة وحدة الوجود عند عبد الكريم الجيلي





 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: فهذا عبد الكريم الجيلي أحد شعراء الصوفية المبجلين الذي لاقت قصائده استحسان كثير من الصوفية، وهي تشتمل على خرافات وأساطير ما أنزل الله بها من سلطان، فلننظر في هذه الأسطر القليلة ما تحتويه بعض قصائده من القول بوحدة الوجود وغيرها من البدع والأفكار الخرافية.
يقول عبد الكريم الجيلي:
صفات الله فرقان            وذات الله قرآن
وفرق الجمع تحقيق          وجمع الفرق وجدان([1])
ومن هنا نعرف أن الصوفية يعنون بعبارة: (صفات الله، أو أسمائه) أنها هي المخلوقات بجميع أشكالها وأنواعها.
والجيلي هنا، يعني بكلمة (فرقان) أي مقام التفرقة، أو الفرق، وهو كما نعلم (التفريق بين الخالق والمخلوق). ويعني بكلمة (قرآن) مقام الجمع، وهو جمع الخالق والمخلوق في وحدة، هي الله، وحيثما وردت في كلام القوم عن الحقائق فيريدون بها هذا.
ويقول:
عجباً لذاك الحي كيف يهمه                 قحط السنين وأحمد نيسانه
أوج التعاظم مركز العز الذي               لِرحى العلا من حوله دورانه
ملك وفوق الحضرة العليا على الـ                   ـعرش المكين مثبثِ إمكانه
ليس الوجود بأسره إن حققوا               إلا حباباً طفحته دنانه
الكل فيه ومنه كان وعنده                   تفنى الدهور ولم تزل أزمانه
فالخلق تحت سما علاه كخردل               والأمر يبرمه هناك لسانه
والكون أجمعه لديه كخاتم                    في إصبع منه أجل أكوانه
والملك والملكوت في تياره                   كالقطر بل من فوق ذاك مكانه
وتطيعه الأفلاك من فوق السما              واللوح ينفذ ما قضاه بنانه
هو نقطة التحقيق وهو محيطه                 هو مركز التشريع وهو مكانه([2])
- يظهر في هذه الأبيات، وكأن الجيلي يجعل محمداً صلى الله عليه وسلم هو الله، ولكن حقيقة الأمر ليست كذلك؟ بل هي عقيدة يؤمن بها كل الصوفية دون استثناء! ويسمونها (الحقيقة المحمدية) ويقولون: إن محمداً هو المجلي الأعظم للذات الإلهية، وبتعبير أوضح: هو أعظم جزء في الذات الإلهية، والمسيطر على بقية الأجزاء، سبحانك اللهم.
وظن بعض الباحثين أن (الحقيقة المحمدية) هي عقيدة بعض الصوفية دون بعضهم الآخر، وأخطئوا، فكلهم يعتقدون نفس العقيدة! وسيأتي بيان ذلك، وهي عندهم جزء من عقيدة وحدة الوجود.
ويقول:
الواحدية مظهر للذات               تبدو مجمعة لفرق صفات
الكل فيها واحد متكثر               فاعجب لكثرة واحد بالذات
هذاك فيها عين ذا وكمثل ما                   نباك في حكم الحقيقة هاتي
فهي العبارة عن حقيقة كثرة                   في وحدة من غير ما أشتات
كل بها في حكم كل واحد           فالنفي في ذا الوجه كالإثبات
فرقان ذات الله صورة جمعه                    وتعدد الأوصاف كالآيات
فاتلوه واقرأ منك سر كتابه                    أنت المبين وفيك مكنوناتي([3])
ويقول (من العينية):
خبتني فكانت فن عني نيابة أجل عوضاً بل عين ما أنا واقع فكنت أنا هي، وهي كانت أنا وما لها في وجود مفرد من ينازع بقيت بها فيها ولا تاء بيننا وحالي بها ماض كذا ومضارع وشاهدتني حقاً بعين حقيقتي فلي في جبين الحسن تلك الطلائع فأوصافها وصفي وذاتي ذاتها وأخلاقها لي في الجمال مطالع واسمي حقاَ اسمها، واسم ذاتها لي اسم، ولي تلك النعوت توابع([4]). ومنها:
فما ثم من شيء سوى الله في الورى                   وما ثم مسموع وما ثم سامع
هو العرش والكرسي والمنظر العلي                    هو السدرة اللاتي إليها المراجع
هو الأصل حقاً والرسوم مع الهوى                   هو الفلك الدوار وهو الطبائع
هو النور والظلماء والماء والهوى            هو العنصر الناري وهو الطبائع
هو الشمس والبدر المنير مع السها                   هو الأفق وهو النجم وهو المواقع
هو المركز الحكمي والأرض والسما                  هو المظلم العتام وهو اللوامع
هو الدار وهو الحي والأثل والغضا                   هو الناس والسكان وهو المرابع
هو الحكم والتأثير والأمر والقضا           هو العزو والسلطان والمتواضع
هو اللفظ والمعنى وصورة كل ما            يجول من المعقول أو هو واقع
هو الجنس وهو النوع والفصل إنه                    هو الواجب الذاتي والمتمانع
هو العرض الطاري نعم وهو جوهر                   هو المعدن الصلدي وهو الموائع
هو الحيوان الحي وهو حياته                 هو الوحش والإنس وهو السواجع
هو القيس بل ليلى([5]) وهو بثينة             أجل نشرها، والخيف وهو الأجارع
هو العقل وهو النفس والقلب والحشا                هو الجسم وهو الروح والمتدافع
هو الموجد الأشيا وعين وجودها             وعين ذوات الكل وهو الموانع
حقائق ذات في مراتب حقه                  تسمى باسم الخلق والخلق واسع
ونزهه عن حكم الحلول فما له              سوى، وإلى توحيده الأمر راجع
فيا أحدي الذات في عين كثرة               ويا موجد الأشياء، ذاتك شائع
تجليت في الأشياء حين خلقتها                فها هي ميطت عنك فيها البراقع
قطعت الورى من ذات نفسك قطعة                  ولم يك موصولاً، ولا فصل قاطع
فأنت الورى حقاً وأنت إمامنا                وإنك ما يعلو وما هو واضع
وما الخلق في التمثال إلاكثلجة               وأنت بها الماء الذي هو نابع
فما الثلج في تحقيقنا غير مائه                 وغير انِ في حكم دعته الشرائع
ولكن يذوب الثلج يرفع حكمه             ويوضع حكم الماء والأمر واقع
تجمعت الأضداد في واحد البها              وفيه تلاشت فهو عنهن ساطع
فكل بهاء في ملاحة صورة                    على كل قدٍّ شابه الغصن يافع
وكل اسوداد في تصافيق طرة                وكل احمرار في الطلائع صانع
وكل كحيل الطرف يقتل صبه               بماضٍ كسيف الهند حالٌ مضارع
وكل اسمرار في القوائم كالقنا                عليه من الشعر الوسيم شرائع
وكل مليح بالملاحة قد زها                   وكل جميل بالمحاسن بازع
وكل لطيف جل أو دق حسنه               وكل جليل وهو باللطف صادع
محاسن مَنْ أنشاه ذلك كله                   فوحّد ولا تشرك به فهو واسع
وإياك لا تلفظ بغيرية البها                    فما ثم غير وهو بالحسن بادع
وأطلق عنان الحق في كل ما ترى            فتلك تجليات من هو صانع
وشاهده حقاً فيك منك فإنه                 هويتك اللاتي بها أنت دالع
ففي، أينما، حقاً، تولوا وجوهكم           فما ثم إلا الله، هل مَنْ يُطالع
ودع عنك أوصافاً بها كنت عارفاً           لنفسك فيها للإله ودائع
فقد صح في متن الحديث تخلقوا             بأخلاقه ما للحقيقة مانع
وها هو سمع بل لسان أجل بدا              لنا هكذا بالنقل أخبر شارع
فعم قوانا والجوارح كونه                    لساناً وسمعاً ثم رجلاً تسارع
ويكفيك ما قد جاء في الخلق أنه             على صورة الرحمن، آدم واقع([6])
في الأبيات الأخيرة، نرى كيف يفسرون الآية: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)) [البقرة:115]، والحديث: {تخلقوا بأخلاق الله}، وهو حديث موضوع، وكيف يفسرون الحديث: {...فإذا أحببته كنت سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به ويدَه التي يبطش بها...} كما نرى في الأبيات التي قبلها تقرير الشاعر أن كل شيء هو الله، ونرى استعمالهم لعبارة: دع عنك أوصافاً...أي: دع أوصافك...
ويقول: ثم كتب (أي: الحق سبحانه) على جناح الطير الأخضر، بقلم مداد الكبريت الأحمر، أما بعد؛ فإن العظمة نار، والعلم ماء، والقوى هواء، والحكمة تراب، عناصر بها يتحقق جوهرنا الفرد، ولهذا الجوهر عرضان؟ الأول: الأزل، والثاني: الأبد. وله وصفان؟ الوصف الأول: الحق، والوصف الثاني: الخلق، وله نعتان؟ النعت الأول: القِدَم، والنعت الثاني: الحدوث. وله اسمان، الاسم الأول: الرب، والاسم الثاني: العبد([7])...
ويقول: اعلم أن جميع حقائق الوجود، وحفظها في مراتبها، تسمى الألوهية، وأعني بحقائق الوجود: أحكم المظاهر مع الظاهر فيها، أعني الخلق والحق، فشمول المراتب الإلهية، وجميع المراتب الكونية، وعطاء كل حقه من مرتبة الوجود، هو معنى الألوهية([8])...
ويقول:.. واعلم أن الرب في كل موجود وجهٌ كامل، وذلك الوجه على صورة ذلك الموجود، وروح ذلك الوجود على صورة محسوسة وجسد، وهذا الأمر للرب أمر ذاتي...وإلى ذلك الإشارة في قوله: {خلق آدم على صورة الرحمن}، وقوله: {خلق آدم على صورته}، وهذان الحديثان، وإن كانا يقتضيان معاني قد تحدثنا عليها، فإن الكشف أعطانا أنهما على ظاهر اللفظ([9])...
 
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
 
اقتبس هذا المقال من كتاب: (الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ) للمؤلف: (محمود عبد الرؤوف القاسم).

الهوامش

([1]) الإنسان الكامل: (1/113).
([2]) الإنسان الكامل: (1/73).
([3]) الإنسان الكامل: (1/43).
([4]) الإنسان الكامل (1/61).
([5]) ليستقيم الوزن يجب أن تكون: (بل ليلاه).
([6]) فتوح الغيب، (ص:203- 207).
([7]) الإنسان الكامل: (1/24).
([8]) الإنسان الكامل: (1/37).
([9]) الإنسان الكامل: (2/6).

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى