الحقيقة المحمدية في الفكر الصوفي

 الحقيقة المحمدية في الفكر الصوفي





الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: من النصوص التالية سنعرف ماذا تعني: الحقيقة المحمدية، وسنعرف أن الصوفية يؤمنون بها، وذلك باستعراض أقوال زعمائهم الذين ينتسبون إليهم فلنقرأ ماذا يقولون:
يقول الحلاج: طس، سراجٌ من نور الغيب بدا وعاد، وجاوز السراج وساد...ما أخبر إلا عن بصيرته، ولا أمر بسنته إلا عن حق سيرته، حَضَرَ فأحضر، وأبصر فخبّر.. أنوار النبوة من نوره برزتْ، وأنوارهم من نوره ظهرتْ، وليس في الأنوار نورٌ أنْوَرُ، وأظهر وأقدم من القدم سوى نور صاحب الكرم...همته سبقت الهمم، ووجوده سبق العدم، واسمه سبق القلم، لأنه كان قبل الأمم، ما كان في الآفاق وراء الآفاق ودون الآفاق، أظرف وأشرف وأعرف وأنصف وأرأف وأخوف وأعطف من صاحب هذه القضية، وهو سيد البرية، الذي اسمه أحمد، ونعته أوحد، وأمره أوكد، وذاته أوجد، وصفته أمجد، وهمته أفرد...يا عجباً ما أظهره وأنظره وأكبره وأشهره وأنوره وأقدره وأبصره، لم يزل، كان مشهوراً قبل الحوادث والكوائن والأكوان، ولم يزل، كان مذكوراً قبل القبل وبعد البعد والجواهر والألوان...هو الدليل وهو المدلول... بالحق موصول غير مفصول، ولا خارج عن المعقول...العلوم كلها قطرة من بحره.. الأزمان كلها ساعة من دهره، هو الحق وبه الحقيقة، هو الأول في الوصلة، وهو الآخر في النبوة، والباطن بالحقيقة، والظاهر بالمعرفة...الحق ما أسلمه إلى خلقه، لأنه هو، وإني هو، وهو هو([1])...
* الملحوظات:
نرى في هذا النص ما يلي:
1- ينكر الوحي، ويجعل الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالرسالة من ذاته وبصيرته، ونرى هذا في الجمل (ما أخبر إلا عن بصيرته...حتى: وأبصر فخبر).
2- يجعل محمداً صلى الله عليه وسلم هو الله، وله جميع صفاته الحسنى.
ويقول محيي الدين ابن عربي:
...ثم تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق، بأنه عين السمع والبصر واليد([2])..
- قول ابن عربي هنا مختصر مفيد، فمحمد صلى الله عليه وسلم جامع للكل...
ويقول أبو طالب المكي:
قال بعض أهل المعرفة: خلق الله الجنة بما فيها من نور المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلما اشتاقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان شوقها إلى المعدن والأصل، وصار شوق المشتاقين إلى الجنة شوقهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها من نوره خُلقت([3]).
ويقول البوصيري في البردة:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةُ مَن         لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
دع ما ادعته النصارى في نبيهم      واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
فإن مِن جودك الدنيا وضرَّتَها           ومِن علومك علمَ اللوحِ والقلم
- أي: أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي أوجد الدنيا والآخرة.
ويقول محمد بن سليمان الجزولي في كتابه الذائع الصيت: دلائل الخيرات، وفيه الكفاية عن غيره:
اللهم صل على سيدنا محمد بحرِ أنوارك...إنسانِ عين الوجود، والسبب في كل موجود، عين أعيان خلقك المتقدم من نور ضيائك([4])...
- اللهم صل على محمد الذي هو قطب الجلالة([5])...
- اللهم صل على سيدنا محمد نور الذات وسرِّه الساري في جميع الأسماء والصفات([6]).
ويقول عبد السلام بن بشيش:
...اللهم صل على مَن منه انشقَّت الأسرار وانفلقت الأنوار، وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق...وحياضُ الجبروت بفيض أنواره متدفقة، ولا شيء إلا وهو به منوط...اللهم إنه سرك الجامعُ الدال عليك، وحجابُك الأعظم القائم لك بين يديك([7])...
ويقول سيدي محمد الفاسي الشاذلي:
فهو الياقوتة المنطوية عليها أصداف مكنوناتك، والغيهوبة المنْتَخَبُ منها معلوماتُك، فكان غيباً من غيبك، وبدلاً من سر ربوبيتك، حتى صار بذلك مَظْهراً نستدل به عليك، فكيف لا يكون كذلك، وقد أخبرتنا بذلك في محكم كتابك بقولك: ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ)) [الفتح:10]، فقد زال عنا بذلك الريب، وحصل الانتباه([8])...
- إذن، فمعلومات الله، جل وعلا، منتخبة من غيهوبة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو بدل سر ربوبية الله، وهو مظهره، وقد أخبرنا الله تعالى في محكم كتابه أن محمداً هو الله، بقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ)) [الفتح:10].
ويقول عبد الكريم الجيلي:
أوجُ التعاظم مركزُ العز الذي               لِرحى العلا من حوله دورانه
مَلِكٌ وفوق الحضرة العليا على الـ          ـعرش المكين مثبَّتٌ إمكانه
ليس الوجود بأسره إن حققوا               إلا حباباً طفّحته دنانه
الكل فيه ومنه كان وعنده                   تفنى الدهور ولم تزل أزمانه
فالخلق تحت سما علاه كخردلٍ               والأمرُ يُبْرمُه هناك لسانه
والكون أجمعه لديه كخاتم                    في إصبع منه، أجل أكوانه
والملك والملكوت في تياره                كالقطر بل من فوق ذاك مكانه
وتُطيعُه الأملاك من فوق السما              واللوح يُنْفِذُ ما قضاه بنانه
اعلم حفظك الله أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره، وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين، ثم له تنوعٌ في ملابس، ويظهر في كنائس، فيسمى به باعتبار لباسٍ، ولا يسمَّى به باعتبار لباسٍ آخر، فاسمُه الأصلي الذي هو له محمد، وكنيته أبو القاسم، ووصفه عبد الله، ولقبه شمس الدين....واعلم أن الإنسان الكامل مقابل لجميع الحقائق الوجودية بنفسه، فيقابل الحقائق العلوية بلطافته، ويقابل الحقائق السفلية بكثافته.. ثم اعلم أن الإنسان الكامل هو الذي يستحق الأسماء الذاتية والصفات الإلهية استحقاق الأصالة والملك بحكم المقْتَضَى الذاتي، فإنه المعبر عن حقيقته بتلك العبارات، والمشار إلى لطيفته بتلك الإشارات، ليس لها مستند في الوجود إلا الإنسان الكامل، فمثاله للحق مثال المرآة التي لا يرى الشخص صورته إلا فيها، وإلا فلا يمكنه أن يرى صورة نفسه إلا بمرآة الاسم (الله) فهو مرآته، والإنسان الكامل أيضاً مرآته([9])...
 الحقيقة المحمدية في أدعية مشايخ الصوفية:
وهذه بعض الصلوات التعبدية التي اخترعها مشايخ الصوفية، وهي تحتوي على بدع وشركيات وخرافات وقد يظن القارئ الكريم أنها مجرد أدعية لا غبار عليها، لكن الفاحص الدقيق، يعرف ما تتضمنه هذه الأدعية من زخرف القول وزوراً.. فلنلفت أنظارنا إلى بعض تلك الأدعية والصلوات كما يدعون..
صلاة الإمام الغزالي، وقيل: إنها لعبد القادر الجيلاني:
اللهم اجعل أفضل صلواتك أبداً...على أشرف الخلائق الإنسانية، ومجمع الحقائق الإيمانية، وطور التجليات الإحسانية، ومهبط الأسرار الرحمانية...ومالك أزمة المجد الأسنى، شاهد أسرار الأزل، ومشاهد أنوار السوابق الأول، وترجمان لسان القدم...مظهر سر الجود الجزئي والكلي، وإنسان عين الوجود العلوي والسفلي، روح جسد الكونين، وعين حياة الدارين([10])...
- يقول العارف يوسف النبهاني، معلقاً على هذه الصلوات: قال سيدي أحمد الصاوي في شرح ورد الدردير: إن هذه الصلاة نقلها حجة الإسلام الغزالي عن القطب العيدروس...
وبالرجوع إلى كتاب: الأسرار الربانية والفيوضات الرحمانية على الصلوات الدرديرية، للإمام الهمام...أحمد الصاوي، نقرأ الجملة: هذه الصلاة نقلها...إلخ بحرفيتها([11]). ولم أقف على قطب معاصر للغزالي أو سابق له يعرف بالعيدروس، وأول قطب من عائلة العيدروس هو عبد الله بن أبي بكر، وقد وجد بعد الغزالي بثلاثة قرون.
وطبعاً نحن أمام الكشف الذي يعرضون عليه السمع والألفاظ الواردة، كما يقول الغزالي، فما شأننا؟!
* من صلاة لأحمد الرفاعي (جوهرة الأسرار):
اللهم صل وسلم وبارك على نورك الأسبق... الذي أبرزته رحمة شاملة لوجودك...نقطة مركز الباء الدائرة الأولية، وسر أسرار الألف القطبانية، الذي فتقت به رتق الوجود...فهو سرك القديم الساري، وماء جوهر الجوهرية الجاري، الذي أحييت به الموجودات، من معدن وحيوان ونبات، قلب القلوب، وروح الأرواح، وإعلام الكلمات الطيبات، القلم الأعلى، والعرش المحيط، روح جسد الكونين، وبرزخ البحرين([12])...
* صلاة لأحمد البدوي:
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد شجرة الأصل النورانية، ولمعة القبضة الرحمانية...ومعدن الأسرار الربانية، وخزائن العلوم الاصطفائية، صاحب القبض الأصلية...مَن اندرجت النبيون تحت لوائه، فهم منه وإليه([13])...
- لننتبه إلى عبارة: القبضة الأصلية، التي تعني: القبضة التي قبضها الله سبحانه من نور وجهه، وقال لها: كوني محمداً (كما يفترون).
* صلاة لمحيي الدين بن عربي:
اللهم أفض صلة صلواتك...على أول التعينات المفاضة من العماء الرباني، وآخر التنزلات المضافة إلى النوع الإنساني، المهاجر من مكة (كان الله ولم يكن معه شيء ثان)، إلى مدينة (وهو الآن على ما عليه كان)، مُحْصي عوالم الحضرات الإلهية الخمس في وجوده: ((وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)) [يس:12]...نقطة البسملة الجامعة لما يكون ولما كان، ونقطة الأمر الجوالة بدوائر الأكوان، سر الهوية التي في كل شيء سارية، وعن كل شيء مجردة وعارية...كلمة الاسم الأعظم، وفاتحة الكنز المطلسم، المظهر الأتم الجامع بين العبودية والربوبية، والنفس الرحماني الساري بمواد الكلمات التامات، الفيض الأقدس الذاتي الذي تعينت به الأعيان واستعداداتها، والفيض المقدس الصفاتي الذي تكوتت به الأكوان واستمداداتها، مطع شمس الذات في سماء الأسماء والصفات...خط الوحدة بين قوسي الأحدية والواحدية...ومركز إحاطة الباطن والظاهر...اللهم يا رب يا من ليس حجابه إلا النور، ولا خفاؤه إلا شدة الظهور، أسألك بك...أن تصلي على سيدنا محمد صلاة تكمل بها بصيرتي...لأشهد فناء ما لم يكن وبقاء ما لم يزل، وأرى الأشياء كما هي في أصلها معدومة مفقودة، وكونها لم تشم رائحة الوجود فضلاً عن كونها موجودة([14])...
* صلاة لفخر الدين الرازي:
اللهم حيد وجرد في هذا الوقت وفي هذه الساعة من صلواتك التامات، وتحياتك الزاكيات...إلى أكمل عبد لك في هذا العالم، من بني آدم، الذي جعلته لك ظلاً، ولحوائج خلقك قبلة ومحلاً...وأظهرته بصورتك، واخترته مستوى لتجليك، ومنزلاً لتنفيذ أوامرك ونواهيك، في أرضك وسماواتك، وواسطة بينك وبين مكوناتك([15]).
* صلاة النور الذاتي لأبي الحسن الشاذلي:
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النور الذاتي والسر الساري في سائر الأسماء والصفات([16]).
* صلاة الشيخ محمد أبي المواهب الشاذلي:
اللهم صل على هذه الحضرة النبوية...يا سيدنا يا رسول الله أنت المقصود من الوجود.. وأنت الجوهرة اليتيمة التي دارت على أصناف المكونات، وأنت النور الذي ملأ إشراقه الأرضين والسماوات...يا أول يا آخر يا باطن يا ظاهر...الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، الأملاك تشفعت بك عند الله، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، الأنبياء والرسل ممدودون من مددك الذي خصصت به من الله...قد نزلنا بحيك واستجرنا بجنابك وأقسمنا بحياتك على الله([17])...
* الصلاة المعروفة بالصلوات البكرية:
اللهم إني أسألك بنيِّر هدايتك الأعظم، وسر إرادتك المكنون من نورك المطلسم، مختارك منك لك قبل كل شيء، ونورك المجرد بين مسالك اللقِيْ، كنزك الذي لم يحط به سواك، وأشرف خلقك الذي بحكم إرادتك كونت من نوره أجرام الأفلاك وهياكل الأملاك، فطافت به الصافون حول عرشك تعظيماً وتكريماً، وأمرتنا بالصلاة والسلام عليه...وزجيت به في نور ألوهيتك العظمى، خليفتك بمحض الكرم على سائر مخلوقاتك، وشيدت به قوائم عرشك المحوط بحيطتك الكبرى... بحر فيضك المتلاطم بأمواج الأسرار([18])....
* الصلاة المسماة بالصلوات الزاهرة:
اللهم صل وسلم على الجمال الأنفس، والنور الأقدس، والحبيب من حيث الهوية، والمراد في اللاهوتية، مترجم كتاب الأزل، والمتعالي بالحقيقة عن حقيقة الأثر حتى كأنه المثل، الجلس الأعلى، والمخصوص الأولى، والحكمة السارية في كل موجود...روح صور الأسرار الملكوتية...محمدك وأحمدك وتر العدد، ولسان الأبد، العرش القائم بتحمل كلمة الاستواء الذاتي فلا عارض، المتجلي بسلطان قهرك على ظلل ظلم الأغيار لمحق كل معارض، النقطة التي عليها مدار حروف الموجودات بجميع الاعتبارات،...لوح الأسرار، ونور الأنوار...ومظهر أنوار اللاهوت في ناسوت المثل، القائم بكل حقيقة سرياناً وتحكيماً... المتجلي بملابس الحقائق الفردانية...الحافظ على الأشياء قواها بقوتك، الممد لذرات الكائنات بما به برزت من العدم إلى الوجود بقدرتك، كعبة الاختصاص الرحماني، محج التعين الصمداني، قيوم المعاهد التي سجدت لها جباه العقول، أقنوم الوحدة ولا أقنوم، إنما نورك بنورك موصول... منتهى كمال النقطة المفروضة في دوائر الانفعال، ومبدأ ما يصح أن يشمله اسم الوجود القابل لتنوعات القضاء والقدر، على ما سواك من حيث أنت أنت بما شئت من فيوضاتك العلية...وسر سرائر الكنز الأحدي الصمدي([19]).
- لننتبه إلى عبارة: مدار حروف الموجودات بجميع الاعتبارات، والتي تحمل نفس معنى: (وما الكلب والخنزير إلا إلهنا) و(اجتمع فيه النجو مع الورد).. وغيرها..
* الصلاة السقافية لسيدي عبد الله السقاف:
اللهم صل وسلم على سلم الأسرار الإلهية، المنطوية في الحروف القرآنية، مهبط الرقائق الربانية، النازلة في الحضرة العلية...صاحب اللطيفة القدسية، المكسوة بالأكسية النورانية، السارية في المراتب الإلهية المتكملة بالأسماء والصفات الأزلية، والمفيضة أنوارها على الأرواح الملكوتية، المتوجهة في الحقائق الحقية، النافية لظلمات الأكوان العدمية المعنوية، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد الكاشف عن المسمى بالوحدة الذاتية...صاحب الصورة المقدسة، المنزلة من سماء قدس غيهب الهوية الباطنة، الفاتحة بمفتاحها الإلهي لأبواب الوجود القائم بها من مطلع ظهورها القديم، إلى استواء إظهارها للكلمات التامات، اللهم صل وسلم على حقيقة الصلوات وروح الكلمات، قوام المعاني الذاتيات، وحقيقة الحروف القدسيات، وصور الحقائق الفرقانية التفصيليات...موصل الأرواح بعد عدمها إلى نهايات غايات الوجود والنور([20])...
* صلاة (يتعبد بها كل الصوفية):
اللهم صل على طامة الحقائق الكبرى، سر الخلوة الإلهية ليلة الإسراء...ينبوع الحقائق الوجودية، بصر الوجود، وسر بصيرة الشهود، حق الحقيقة العينية، وهوية المشاهد الغيبية، تفصيل الإجمال الكلي...نفس الأنفاس الروحية، كلية الأجسام الصورية، عرش العروش الذاتية، كتابك المكنون...يا فاتحة الموجودات، يا جامع بحري الحقائق الأزليات والأبديات...يا نقطة مركز جميع التجليات، يا عين حياة الحُسن الذي طارت منه رشاشات، فاقتسمتها بحكم المشيئة الإلهية جميع المبدعات([21])...
* الصلاة الكبرى لسيدنا عبد القادر الجيلاني:
...اللهم صل وسلم وأفلح وأنجح وأتم وأصلح وزك وأربح وأوف وأرجح، أفضل الصلاة وأجزل المنن والتحيات، على عبدك ونبيك ورسولك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو فلق صبح أنوار الوحدانية، وطلعة شمس الأسرار الربانية، وبهجة قمر الحقائق الصمدانية، وحضرة عرش الحضرات الرحمانية، نور كل رسول وسناه...سر كل نبي وهداه...السيد الكامل الفاتح الخاتم، حاءُ الرحمة، وميم الملك، ودال الدوام، بحر أنوارك، ومعدن أسرارك، ولسان حجتك، وعروس مملكتك، وعين أعيان خلقك، وإمام الحضرة، وأمين المملكة، وكنز الحقيقة، طلسم الفلك الأطلس في بطون {كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف} طاوُس الملك المقدس في ظهور {فخلقت خلقاً فتعرفت إليهم فبي عرفوني} ...اللهم صل وسلم صلاة ذاتك على حضرة صفاتك الجامع لكل الكمال، المتصف بصفات الجلال والجمال، من تنزه عن المخلوقين في المثال، ينبوع المعارف الربانية، وحيطة الأسرار الإلهية، غاية منتهى السائلين...مظهر سر الجود الجزئي والكلي، وإنسان عين الوجود العلوي والسفلي، روح جسد الكونين، وعين حياة الدارَين...اللهم إنا نتوسل إليك بنوره الساري في الوجود أن تحيي قلوبنا بنور حياة قلبه الواسع لكل شيء...وتسري سرائره فينا بلوامع أنوارك حتى تغيبنا عنا في حق حقيقته فيكون هو الحي القيوم فينا بقيوميتك السرمدية، فنعيش بروحه عيش الحياة الأبدية...اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد جمال لطفك وحنان عطفك وجلال مُلكك وكمال قدسك، النور المطلق بسر المعية التي لا تتقيد، الباطن معنىً في غيبك، الظاهر حقاً في شهادتك، شمس الأسرار الربانية، ومجلس حضرة الحضرات الرحمانية...الذي خلقته من نور ذاتك، وحققته بأسمائك وصفاتك، وخلقت من نوره الأنبياء والمرسلين...اللهم صل وسلم على بهجة الكمال وتاج الجلال...وحياة كل موجود، عز جلال سلطنتك، وجلال عز مملكتك، ومليك صنع قدرتك...سر الله الأعظم...والظاهر في ملكك، والغائب في ملكوتك، والمتخلق بصفاتك...الحضرة الرحمانية، والبردة الجلالية([22])...
- هذه الصلاة الكبرى للشيخ عبد القادر الجيلاني شرحها الشيخ عبد الغني النابلسي، ونقلها يوسف النبهاني من ذلك الشرح، وكلهم أقطاب مكاشفون عارفون يعلمون علم اليقين!
* ومن الأوراد التجانية (الصلاة الغيبية في الحقيقة الأحمدية)، فإنها برزت من الغيب من غير إنشاء أحد، وهي:
اللهم صل وسلم على عين ذاتك العلية، بأنواع كمالاتك البهية، في حضرة ذاتك الأبدية، على عبدك القائم بك منك لك إليك، بأتم الصلوات الزكية، المصلي في محراب عين هاء الهوية، التالي السبع المثاني بصفاتك النفسية...الداعي بك لك بإذنك لكافة شئونك العلمية...المفيض على كافة من أوجدته بقيومة سرك، المدد الساري في كلية أجزاء موهبة فضلك، المتجلي عليه في محراب قدسك وأنسك، بكمال ألوهيتك في عوالمك وبرك وبحرك([23])...
* ومن الصلوات الأحمدية الإدريسية (الصلاة الخامسة): اللهم صل على الذات الكنه، قبلة وجوه تجليات الكنه، عين الكنه في الكنه، الجامع لحقائق كمال كنه الكنه([24])...
* ومنها (الصلاة السادسة):
اللهم صل على أم الكتاب، كمالات كنه الذات، عين الوجود المطلق الجامع لسائر التقييدات، صورة ناسوت الخلق، معاني لاهوت الحق، الناظر بالكل في الكل من الكل للكليات والجزئيات، كوثر سبيل منهل حوض مشارب جميع التجليات، الملتذ بصورة نفسه في جنة فردوس ذاته بنظره به منه إليه فيه، بحر قاموس الجمع المطمطم، وطراز رداء الكبرياء المطلسم، وراء الوراء، ودون الدون بلا دون([25])...
- قوله: (وراء الوراء)، إشارة إلى قوله تعالى: ((وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ)) [البروج:20]، ومحمد
وراء الوراء، أي (هومن وراء الله محيط)!!
ومما يقوله محمد بهاء الدين البيطار، في شرحه على الصلوات الأحمدية الإدريسية:
...وللقوم رضوان الله عليهم في الحقيقة المحمدية أقاويل كثيرة، من أحسنها قول العارف أفضل الدين، تلميذ سيدي علي الخواص رضي الله عنهما: الحقيقة المحمدية هي سر وجوب الوجود الذاتي، الممدة لحقائق الممكنات الأسمائية والصفاتية من عالم البطون إلى عالم الظهور، بالتدريج القابل لتفصيل المظاهر الكونية وتفصيل حقائقها الإنسانية([26]).
* للعلم: الصلوات الأحمدية الإدريسية هي من أوراد الطريقة الرشيدية، والميرغنية، والختمية...وغيرها، مع العلم أيضاً أن أكثر أصحاب الطرق- إن لم يكن كلهم- يستعملون جميع الأوراد الموجودة في جميع الطرق، أو أكثرها، ومن الأدلة على ذلك: الأوراد الدرديرية، وكتاب: دلائل الخيرات.
ومما يقوله الوارث المحمدي الجامع الغوث محمد مهدي الصيادي الرواس:
وبويعت في الحضرة، على الإيمان بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، بل وبحياة جميع النبيين والمرسلين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الموت بالانتقال من هذه الدار إلى دار الآخرة، ورد الله عليه روحه، فهو في حضرة القرب عند مليكٍ مقتدر، يفعل بإذن الله في فلك الله ما يريد، وله التصرف المحض بأمر الله تعالى في ملك الله وملكوته، وهو شرارة الأزل والأبد...وعليه تعرض الأعمال وإليه تنتهي الأحوال([27])...
- الجواب: هو أولاً سؤال: هل الرؤى الشيطانية التي يشاهدها المتصوفة في حالة غيبوبة هلوسية([28]) تنسخ آيات الله وقرآنه؟!
- والجواب ثانياً هو من كتاب الله: ((مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) [الكهف:26]، ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)) [آل عمران:128]، ((قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا)) [الجن:21].
- والجواب ثالثاً: هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم..}.
- والجواب رابعاً: إن ما يذكره الرواس من رؤياه الهذيانية منقول بدون تغيير من عقيدة النصارى بالمسيح عيسى صلوات الله عليه، وكل ما فعله الرواس هو تبديل الاسم بالاسم، ولنتذكر توجيهه للآية الذي مر معنا: ((أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ)) [يونس:53]، وكيف جعلها تعني: الله هو (أي: محمد) قل إي وربي إنه الله!
ولعلهم لم يكتفوا بالحقيقة المحمدية، فأضافت بعض الطرق إليها الحقيقة العلوية، فمن أقوال جلال الدين الرومي (الطريقة المولوية):
منذ كانت صورة تركيب العالم: كان علي.
منذ نقشت الأرض وكان الزمان: كان علي.
ذلك الفاتح الذي انتزع باب خيبر بحملة واحدة: كان علي.
كلما تأملت في الآفاق ونظرت فيها أيقنت بأنه في الموجودات: كان علي.
إن سر العالمين الظاهر والباطن الذي بدا في شمس تبريز: كان علي([29]).
- أما الطريقة البريلوية والطريقة البكتاشية فقد أحرزتا قصب السبق في تأليه علي بن أبي طالب، ومن أدعيتهما الرئيسية والأساسية، دعاء السيف: (ناد علياً مظهر العجائب، تجده عوناً لك في النوائب، كل هم وغم سينجلي بولايتك يا علي يا علي).
ومن جهة أخرى، أحرزت البكتاشية أيضاً قصبة السبق بإعلان التثليث، فصارت الأقانيم عندهم ثلاثة: صورة الله، محمد، علي.
والبكتاشيون يعترفون بخطاياهم أمام مشايخهم فيغفرونها لهم، ويحللون الخمر، ويعتقدون تناسخ الأرواح([30]).
ويقول آية الله الخميني:
...وبالمشيئة ظهر الوجود، وهي اسم الله الأعظم...وهي الحبل المتين بين سماء الإلهية والأراضي الخلقية، والعروة الوثقى المتدلية من سماء الواحدية، والمتحقق بمقامها الذي أفقه أفقها هو السبب المتصل بين السماء، وبه فتح الله وبه يختم، وهو الحقيقة المحمدية والعلوية صلوات الله عليه، وخليفة الله على أعيان المهيات، ومقام الواحدية المطلقة والإضافة الإشراقية([31])...
ويقول مصطفى بن محيي الدين نجا، في شرحه (على الممزوجة بصلاة ابن بشيش):
اللهم إنه سرك الجامع لكل الأسرار، ونورك الواسع لجميع الأنوار.
(إنه) أي: المصطفى صلى الله عليه وسلم.
(سرك) أمرك الخفي الذي لا يحيط به غيرك.
(الجامع لكل الأسرار) أي: لجميع حقائق الوجود بحقيقته التي هي مادة كل موجود،
(ونورك) أي وإنه مظهرك الأتم الذي نشأ من حضرتك بدون واسطة. (الواسع لجميع الأنوار) أي المملوء بأنوارك القدسية التي سرت بك منه إلى سائر المظاهر الكونية، أو الذي وسع صور الكائنات كلها لاندراجها في حقيقته، وانطوائها في عين ماهيته انطواء الأشعة في الضياء؛ والنور من أسمائه([32])...
(وأصير بها مجلاه) أي: محلاً لظهور كمالاته العلية ومحاسنه السنية، فيكون من رآني كأنما رآه، لأن الكاملين هم مرايا للكمال المحمدي، وهو مرآة للكمال الإلهي، ولا يكون التكميل لكل كامل إلا من الحضرة المحمدية([33])...
...والحاصل أن الله تبارك وتعالى جعل الحقيقة المحمدية واسطة الإيجاد لمخلوقاته تفضلاً منه وإحساناً، فالأرواح التي لا تشاهد ذلك ولا تدرك أنه صلى الله عليه وسلم روحها وعين حياتها كأنها أموات([34])... (الله منه بدئ الأمر) أي الشأن الكلي الجامع لكل الشئون، وهو النور المحمدي الشريف، وهو أول صادر عنه سبحانه...ويسمى بالقلم الأعلى، وبالدوة البيضاء، وبالعقل الأول، وبروح الأرواح، وبالأب الأكبر، وبإنسان عين الوجود، وبالإنسان الكامل، وغير ذلك من الأسماء المشهورة عند العارفين([35]).
- الرجاء أن يلاحظ القارئ في هذه النصوص: الكذب على الله ورسوله، والشرك الأعظم، واليونانيات (العقل الأول).
* وملخص أقوالهم هو: إن الله (سبحانه وتعالى عما يصفون) عندما أراد أن يجعل قسماً من ذاته متعيناً بشكل مخلوقات، كان أول شيء فعله هو أنه قبض قبضة من نور وجهه وقال لها: كوني محمداً، فكان محمد هو أول التعينات. وهذه القبضة من النور هي التي يطلقون عليها اسم (الذات المحمدية). ومن هذه الذات المحمدية انبثقت السماوات والأرض، والدنيا والآخرة، التي يسمونها فيما يسمونها (تعينات) فهي كلها تصدر عن الذات المحمدية ثم تعود إليها. وهذا هو ما يسمونه (الحقيقة المحمدية).
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
 
 
الهوامش

([1]) أخبار الحلاج (طاسين السراج)، (ص:82، وما بعدها).
([2]) فصوص الحكم، (ص:110).
([3]) علم القلوب، (ص:30، 31).
([4]) دلائل الخيرات، (ص:100).
([5]) دلائل الخيرات، (ص:214).
([6]) دلائل الخيرات، (ص:233).
([7]) النفحة العلية، (ص:15، 16).
([8]) النفحة العلية، (ص:33).

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى