بدعةُ الاحتفالِ بذكرى بَعْضِ العلماءِ

بدعةُ الاحتفالِ بذكرى بَعْضِ العلماءِ






الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصَحْبِه وَمَنْ وَالَاه وَبَعد ... مِنَ الأمورِ المُحْدثةِ التِي ظَهَرَتْ في بعضِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ الاحتفالُ بذكرى بعضِ الموتى، وَخاصةً العلماء، وَهذا الاحتفالُ يكونُ في التاريخِ الموافقِ لتاريخِ وفاةِ المُحْتَفَلِ بِذِكْرَاه، وَرُبَّمَا كانِ هذا الاحتفالُ بعدَ موتِه بسنةٍ أوْ أكثر.

الرد:

-        قالَ ابنُ الجوزي - رحمه اللهُ -: (وَكَانَ مِنْ هديِه صلى اللهُ عليه وَسلم تعزيةُ أهلِ الميتِ، وَلَمْ يكُنْ مِنْ هديِّه أنْ يجتمعَ للعزاءِ وَيقرأَ له القرآنَ، لا عِنْدَ قبرِه وَلَا عِنْدَ غيرِه، وَكُلُّ هذا بدعةٌ حادثةٌ مكروهةٌ)([1]).

-        وَقالَ علي محفوظ - رحمه اللهُ -: (فما يَعْمَلُهُ النَّاسُ اليومَ مِنَ اتخاذِ الأطعمةِ للمُعَزِّين، وَالنفقاتِ التِي تُنْفَقُ فِي ليالي المآتمِ، وَمَا يتبعُها مثلُ ليالِي الجُمَعِ وَالأربعين، كلُّه مِنَ البدعِ المذمومةِ، المخالفةِ لِمَا كانَ عليه رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَالسلفُ الصالحُ مِنْ بَعْدِه) ا.هـ([2]).

-        فهذا الاحتفالُ أمرٌ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ، لِمْ يُؤْثَرْ عَنْ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَلَا عنْ أصحابِه - رضيَ اللهُ عنهم -، وَلَا عَنْ السلفِ الصالحِ - رحمهم اللهُ -، وَالسُّنةُ فِي ذلكَ: أنْ يُصْنَعَ الطعامُ لأهلِ الميتِ وَيُرْسَلَ إليهم، لَا أنْ يصنعوه هُم وَيدعون الناسَ إليه، وَقَدْ قَالَ - عليه الصلاة والسلام – لمَّا جاءَه نعيُ جعفر بنِ أبي طالب - رضيَ اللهُ عنه -: ((اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَر طَعَامًا فَإِنَّه قَدْ جَاءَهُم مَا يَشْغَلُهُم))([3]).

-        وَقالَ جريرُ بن عبدِ اللهِ البجلي: (كنَّا نرى الاجتماعَ إلى أهلِ الميتِ وَصنعةَ الطعامِ مِنَ النياحةِ) ا.هـ([4]).

-        ليسَ فِي نشرِ كُتُبِ العالِمِ وَالكتابةِ فِي سيرتِه وَمنهجِه في التأليفِ وَطباعةِ كتبِه بأسٌ، بَلْ هذا مطلوبٌ إنْ كانَ يستحقُّ ذلك، وَلكِنْ لا يُخَصَّصُ ذلكَ بزمنٍ مُعينٍ، وَلَا يكون مصحوبًا باحتفالاتٍ وَمهرجاناتٍ خطابيةٍ وَنَحو ذلك، وَكذلك الملوكُ والحكَّامُ، فالاحتفالُ بذكرِى بعضِ الموتى؛ كالعلماءِ وَالحكامِ وَبعضِ العامةِ وَنحوهم، أمرٌ مُحْدثٌ مبتدعٌ، وَكَفَى بهذا ذمًّا له.

-        إنَّه لا أحدَ أوسع عِلْمًا منه - صلى اللهُ عليه وسلم -، وَلا أفضلَ طريقةً فِي الدعوةِ إلى الدينِ، وَلَا أشرفَ مُقَامًا، وَلَا أعظمَ منزلةً منه - عليه الصلاة والسلام -، فهوَ أفضلُ الخَلْقِ على الإطلاقِ، وَمَعْ ذلكَ لَمْ يحتفلْ الصحابةُ - رضوان اللهِ عليهم - بِذِكْرَاه - مَعْ أنَّه لا يمكنُ أنْ يُحِبَّ مخلوقٌ مخلوقًا كمحبةِ الصحابةِ - رضوان اللهِ عليهم - للرسولِ صلى اللهُ عليه وَسلم وَلَا التابعين، وَلَا تابعِيهم، وَلا السلفِ الصالحِ - رحمةُ اللهِ عليهم -، وَلَوْ كانَ فِي ذلك خيرٌ لسبقونا إليه، فتقديرُ العلماءِ لا يكونُ بالاحتفالِ بذكراهم، بلْ يكونُ بالحرصِ على الاستفادةِ ممَّا كتبوا وَأَلَّفُوا، عَنْ طريقِ النَّشْرِ وَالقراءةِ وَالتعليقِ وَالشروحِ، وَنحو ذلكَ.

-        أمَّا الاحتفالُ بِذِكْرَاهم، وَالتبرُّكُ بزواياهم وَآثارِهم، وَالطوافُ بقبورِهم، فكلُّ ذلك مِنَ البدعِ، التِي قَدْ يَصِلُ بعضُها إلى درجةِ الإشراكِ باللهِ - نعوذُ باللهِ مِنْ ذلكَ -، وَلَوْ أنَّ هؤلاء العلماء - الذين يُحتفلُ بِذِكْرَاهُم وَيُتَبَرَّكُ بزواياهم - أحياءُ لأنكرُوا على مَنْ يفعلُ هذه الأمورَ.


الهوامش

([1])  يُراجع: زاد المعاد، ابن القيم، (1/527).

([2]) يُراجع: الإبداع في مضار الابتداع، علي محفوظ، ص(230).

([3])  رواه أحمد في مسنده، (1/205)، ورواه أبو داود، كتاب الجنائز، (3132)، ورواه الترمذي، أبواب الجنائز، (1003)، وقال: حديث حسن، ورواه ابن ماجه، كتاب الجنائز، (1610)، ورواه الحاكم في المستدرك، (1/372)، كتاب الجنائز، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.

([4]) رواه ابن ماجه، كتاب الجنائز، (1612)، وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه، (2/53): (هذا إسناد صحيح، رجال الطريق الأولى على شرط البخاري، والطريق الثانية على شرط مسلم) ا.هـ.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
بدعةُ الاحتفالِ بذكرى بَعْضِ العلماءِ.doc doc
بدعةُ الاحتفالِ بذكرى بَعْضِ العلماءِ.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى