الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ ما من ريب أن هذا الاحتفال من البدع المنكرة، فإذا لم يشرعْ الاحتفال بالمولد النبوي فلئن لا يشرع الاحتفال بمولد غيره من مشايخ الطرق وغيرهم من الناس من طريق الأولى.
سُئِلَ الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي - رحمه الله - ما نصه: في ليلة ميلاد عبد القادر الجيلاني يحتفل أكثر المسلمين في البيت ويذبحون الذبائح باسم الشيخ عبد القادر، وهذا حاصلٌ كل سنة، كذلك يذبحون باسم خواجة غريب نواز، وخواجة بنده نواز ... وغيرهم، فما حكم ذلك؟
فأجاب الشيخ - رحمه الله - بقوله: (لا يختلف اثنان من أهلِ العلمِ والدينِ، بل ذوي العقولِ والحجى، أن الاحتفالَ بمولدِ الشيخ عبد القادر رحمه الله وغيره، ممن عُرِفوا عند العوامِّ باسم الأولياء وباسم الصلاح، كمولد البدوي والرفاعي في مصرَ، والعيدروسي في عدن، والزيلعي في اليمن، لا يستريبُ عاقلٌ أنها من البدعِ والضلالات، ولم يقلْ أحدٌ من أهلِ العلمِ المحققين أن هذه بدعةٌ مستحسنةٌ، بل فيها من المحظورِ لما ذكرناه سالفًا من اختلاطِ النساءِ بالرجال، ودقِّ الطبول، ونشرِ الأعلام، وما يحصلُ من الفواحشِ والمنكرات ما يمجُّه كلُّ ذي طبعٍ سليم.
بل هذه الاحتفالاتُ التي تُقام باسمِ دينِ الإسلام، الإسلامُ يتبرأُ منها، وهي وصمةُ عارٍ في جبين المسلمين الذين يقيمون هذه الاحتفالات والذين يقرونها ولا ينكرونها، بل الواجبُ على العلماءِ أن ينكروا على هؤلاء، ويبينوا لهم أن تلك الأعمالَ التي يمارسونها منافيةٌ لدينِ الإسلام، بل لا يقرُّها ذوو العقولِ والأفهام.
وإن لم يتوبوا فقد دخلوا تحت لعنةِ اللهِ في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159-160].
ثم استطرد - رحمه الله - في بيان بدعة الاحتفال بالمولد النبوي على ما سبق ذكره، إلى أن قال: (وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية العشرة المبشَّرَة، وسائر أصحابِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، أحبُّ الناسِ إلى الرسولِ، وكانوا يحبون الرسولَ صلى الله عليه وسلم، وقد فدوه بأرواحِهم وأموالِهم، وقَتَلَ بعضُهم أخاه في الجهاد من أجلِ اللهِ ورسولِه وإعلاء دينه، واستأذن عبدُ الله بن أُبي بن سلول بأن يأتي برأسِ أبيه إلى رسولِ اللهِ لأن أباه كان منافقًا، فأرادَ حبًّا للهِ ورسولِه أن يقتلَ أباه، فهؤلاء الأصحاب الذين بلغَ حبُّهم هذه الدرجة العالية امتثالًا لقولِه صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والدِه وولدِه والناسِ أجمعين))([1]).
فإذا كان هؤلاء لم يعملوا له مولدًا مع هذا الحب العظيم، فما بالك بموالد الشيخِ عبد القادر الجيلاني الذي سألَ عنه السائلُ، ومولد خاجة أجمير، وخاجة غريب نواز، بل كلُّ هذه الموالد التي تُفعل في الهند وباكستان، وغيرهما مما يُفعل في مصرَ باسم مولد البدوي والدسوقي والرفاعي وغيرهم من سائرِ الصالحين، لا يستريبُ عاقلٌ أنها من البدعِ والضلالات)([2]).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.