الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصحبِه وَمَنْ وَالَاه وَبَعْد ... تعد الولاية الصوفية من غايات التصوف، وقد اهتم بها الصوفية اهتماما كبيرا لأنها تعد عندهم خطوة عملية أولى لدخول بداية الفناء في الله حسب زعمهم، وقد صرح بعضهم بتفضيل الولاية الصوفية على النبوة، فكان هذا دليلا كاشفا لحقيقة الولاية عندهم، وبطلان قولهم بها.
فمن ذلك مثلا ما ذكره الحارث المحاسبي أن إبراهيم بن أدهم قال لأخ له في الله:" إن كنت تحب أن تكون وليا لله هو لك محبا فدع الدنيا والآخرة ولا ترغبن فيهما، فرغ نفسك منهما وأقبل بوجهك على الله يقبل الله بوجهه عليك ويلطف بك"[1].
وذكر الحافظ الذهبي أن الصوفي أحمد بن أبي الحواري:" شهد عليه قوم أنه يفضل الأولياء على الأنبياء وبذلوا الخطوط عليه، فهرب من دمشق إلى مكة، وجاور حتى كتب إليه السلطان، يسأله أن يرجع، فرجع" ثم قال الذهبي:" إن صحت الحكاية فهذا من كذبهم على أحمد، هو كان أعلم بالله من أن يقول ذلك"[2].
ويعد الصوفي محمد بن علي بن الحسن بن بشير الترمذي المؤذن المعروف بالحكيم الترمذي من أشهر الذين قالوا بتفضيل الولاية الصوفية على النبوة، فأنكر الناس عليه ذلك وهجروه بترمذ في آخر عمره بسبب تصنيفه كتاب ختم الولاية وعلل الشريعة، وكان يحتج على موقفه بحديث"يغبط به النبيون" فقال: لو لم يكونوا أفضل لما غبطوهم، وذكر ابن العدين أن هذا الصوفي:" ملأ كتبه الفظيعة بالأحاديث الموضوعة وحشاها بالأخبار التي ليست بمروية ولا مسموعة"[3].
وقال عبد القادر الجيلاني:" قال الله تعالى في بعض كتبه:" يا ابن آدم أنا الله الذي لا إله إلا أنا أقول للشيء كن فيكون، أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون" وقد فعل ذلك بكثير من أنبيائه وأوليائه وخواصه من بني آدم"[4].
وأشير هنا إلى أن الصوفية اهتموا كثيرا بحديث الولي ووجدوا فيه مدخلا للقول بالولاية الصوفية التي هي مدخل وأول خطوة إلى القول بالفناء الصوفي، والحديث كما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته"[5].
[1] أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء (10/82).
[2] الذهبي: السير،(12/93).
[3] ابن حجر: الميزان (5/242).
[4] عبد القادر الجيلاني: فتوح الغيب، المقالة السادسة عشر.
[5] البخاري: الصحيح، (8/105).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.