الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ مما أُحْدِثَ في هذا الباب ما يلي:
1-بدعة ذكر الغاسل ذكرًا من الأذكار عند كل عضوٍّ يغسله:
لم يرِدْ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح رضي الله عنهم ذكرٌ مخصوص عند غسل الميت، وما يفعله البعض من ذكر أو قراءة على الميت عند غسل عضوٍ بدعة منكرة في الدين؛ قال الإمام ابن النحاس - رحمه الله - في فصلٍ في بدع الجنائز: (ومنها: ما أحدث له الغسالُ من القراءةِ والأذكارِ على الميتِ عند كلِّ عضوٍ، وذلك بدعة لم ترِدْ عن السلفِ، مع أنك ترى الغاسلَ يقرأُ القرآنَ بلسانِه ويده تباشرُ إزالة النجاسةِ عن بدنِ الميت، وفي ذلك ما فيه)([1]).
2-بدعة المغالاة في الكفن:
لا يجوز المغالاة في الكفن، ولا الزيادة فيه على الثلاثة، لأنه خلاف ما كُفِّنَ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإضاعة للمال، لأنه لا ينتفع به الميت، ولا يعود نفعه على الحي مع أنه أولى بذلك، وفي الحديث: ((إن اللهَ كَرِهَ لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المالِ، وكثرة السؤالِ))([2]).
قال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله -: (ومن البدعِ المذمومةِ التي تخالفُ الشرعَ الشريفَ، وتنافي قوانين الاقتصادِ: المغالاةُ في الكفنِ، فيبتاعون منه ما غلا ثمنُه ودقَّت صنعتُه، ويتسلون في هذا الإسرافِ الذميمِ بقولِهم: ذهب الغالي فلا أسفَ على الرخيصِ، وتلك حجةٌ داحضةٌ واهيةٌ لا يحتاج في إدحاضِها إلى تفكيرٍ.
السنة في الكفنِ أن يكونَ في ثيابِ القطنِ البيضاء، وأن تكونَ ثلاثة فقط، روى مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها -: (أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ في ثلاثة أثواب يمانيةٍ بيض سحولية، من كرسف، ليس فيهنَّ قميص ولا عمامة)([3]).
"سحولية": بفتح السين وضمها، نسبة إلى سحول بلدة باليمن تُجلب منها الثياب، والكرسف: القطن([4]).
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُغالوا في الكفنِ، فإنه يسلبُه سلبًا سريعًا))([5])، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((البسوا من ثيابِكم البياض، وكفِّنُوا فيها موتاكم))، وعنه أيضًا: (يحرم التكفين في شيءٍ من الحريرِ([6])، فإنه إسرافٌ ومغالاةٌ، وقد نُهينا عن المغالاةِ فيه)([7]).
وبناءً عليه؛ كره الصحابة ُرضي الله عنهم المغالاة في الكفن، ونهوا عن ذلك، وأمروا بالقصدِ فيه، والآثار عنهم في ذلك كثيرة، لا بأس بذكر بعضها؛ ومنها: عن عائشة - رضي الله عنها - أن أبا بكر قال لها: (في كم كُفِّنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ثلاث أثوابٍ بيض، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ ...).
وفيه: (... فنظرَ إلى ثوبٍ عليه كان يمرضُ فيه، به ردع([8])من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفِّنُونِي فيهما، قلتُ - أي عائشة رضي الله عنها -: إن هذا خلق، قال: إن الحيَّ أحقُّ بالجديدِ من الميتِ، إنما هو للمهلة([9]) ...) الحديث([10]).
3-بدعة كتابة سورة من القرآن، أو اسم من أسماء الله، أو ما يسمى بـ" العهدة" على الكفن:
يعتادُ بعضُ الناس أن يكتبوا على كفن الميت بعض آيات قرآنية، أو اسم من أسماء الله تعالى، أو بعض أدعية أو أذكار، رجاء حصول البركة والمغفرة للميت–بزعمهم -، وبعضهم يكتبون: "سبحان من هو بالجلال مُوَحَّد، وبالتوحيد معروف، وبالمعارف موصوف...، سبحانه كما يقولون، وسبحانه عما يقولون، تسبيحًا تخشع له السماوات والأرض ومن عليهما... إلخ"، ويجعلونه بين صدر الميت وكفنه، ويزعم واضعه أن من فعل ذلك مع الميت في قبره وقاه الله فتنة القبر وعذابه!!
وبعضهم يكتبون ما يُسمى بـ"العهد"، وصيغته: "اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا، أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك، فلا تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتبعدني من الخير، وأنا لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عهدًا عندك توفينيه يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد".
وقيل: "لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك له الحمد، لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، وعزا واضعُ هذا العهد للترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من كتبَ هذا الدعاء وجعلَه بين صدرِ الميت وكفنِه في رقعةٍ لن ينلْه عذاب القبر، ولا يرى منكر ونكير))([11]).
فهذه الأمور كلها من البدع المنكرة، إذ لم يرِد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يفعل ذلك ويأمر به، ولم ينقل ذلك عن أحدٌ من السلف الصالحين، ولا عن أحد من الأئمة المتبوعين، مع ما فيه من تعريض الآيات القرآنية والأسماء المحترمة للإهانة، فهذا بلا شك محرم شرعًا.
وقد سُئل الإمام ابن الصلاح - رحمه الله - عن كتابة سورة من القرآن على الكفن، هل يجوز هذا أو لا يحل، خوفًا من صديد الميت وسيلان ما فيه على الآيات وأسماء الله تعالى المباركة المحترمة الشريفة؟ فأجاب رحمه الله بقوله: (لا يجوزُ ذلك)([12]).
4-بدعة تزيين الجنازة وإجازة ثياب الزينة لذلك:
قال الإمام أبو شامة - رحمه الله -: (وفيما يفعلُه الناسُ اليوم في الجنائز بدعٌ كثيرة، ومخالفةٌ لما ثَبُتَ في السنة - فذكر منها -: اتباعهم في تزيينها والمباهاة بالحاضرين لها)([13]).
وقال الشيخ علي محفوظ عند ذكر بدع الجنائز: (ومنها: تزيينُ النعشِ بأفخر الثيابِ بحسبِ حالِ الميت من ذكورةٍ وأنوثةٍ وكبر وصغر زخرفة، فيضعون عليه علائم الحريرِ وساعات الذهبِ، وأنواع الرياحين والوسامات والنايشين إن كان من أهلها، وحُلي المرأةِ وطربوشِ الرجلِ، وكلُّ هذا ليس من السنةِ، ولم يُؤثرْ عن السلفِ الصالحِشيءٌ منه، مع ما فيه من أنواعِ إضاعةِ المالِ وإظهارِ الجزعِ والرياءِ)([14]).
وعليه؛ فلا يجوز إجارة ثياب الزينة لذلك، لأنها من التعاون على الإثم، فقد سُئل الإمام ابن الصلاح عن رجلٍ عنده قماش يركبه لجنائز الأموات وغيره مثل ثياب بيض وخضر، وثياب أطلس حمر وخضر، وثياب مذهبة ونحو ذلك، فهل يجوز له إكراؤها بطريق الحل؟ فأجاب - رحمه الله - بقوله: (لا يجوزُ ذلك في الأطلس والحرير، وكلُّ ما المقصودُ منه الزينة، ولا بأسَ فيما المقصود منه ستر الميتِ وصيانته، والله أعلم)([15]).
5-بدعة قراءة العشر عند وضع الجنازة في المسجد قبل الصلاة عليها:
قال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله -: (ومن البدعِ الإضافيةِ: ما يقعُ من حملةِ القرآن في قُرى مصرَ من قراءةِ العشر عند وضعِ الجنازةِ في المسجدِ قبلَ الصلاةِ عليها، فإن ذلك لم يكنْ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا عهد السلفِ الصالح من بعده، مع ما فيه أيضًا من تفويت سنة الإسراع بالدفن)([16]).
([1]) تنبيه الغافلين، ابن النحاس، ص(297)، ونقله البقاعي في السيف المسنون، (رسالة الماجستير)، ص(956).
([2]) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، (5975)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة السؤال لغير حاجة، (1715) واللفظ له.
([3]) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الثياب البيض للكفن، (1264)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في كفن الميت، (941).
([5]) رواه أبو داود، كتاب الجنائز، باب كراهية المغالاة في الكفن، (3154)، قال النووي: (حديث علي - رضي الله عنه - رواه أبو داود بإسناد حسن ولم يضعفه)، المجموع، (5/155)، والحديث ضعفه الشيخ الألباني كما في ضعيف الجامع الصغير، (6247).
([6]) قال النووي - رحمه الله -: (وأما الحرير فيحرم تكفين الرجل فيه، وأما المرأة فالمشهور القطع بجواز تكفينها فيه، لأنه يجوز لها لبسه في الحياة، لكن يكره تكفينها فيه، لأن فيه سرفًا، ويشبه إضاعة المال، بخلاف اللبس في الحياة، فإنه تجمل للزوج)، المجموع، (5/156).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.