الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ يستدلُّ المبتدعة بجواز البناء على القبور والعكوف عندها بقوله تعالى عن أصحاب الكهف: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21]، فقالوا: والدليلُ من هذه الآية إقرارُ اللهِ تعالى إياهم على ما قالوا وعدم ردِّه عليهم، فإن اللهَ تعالى إذا حكى في كتابِه عن قومٍ ما لا يرضاه ذكرَ معه ما يدلُّ على فسادِه وينبه على بطلانه، إما قبله وإما بعده، فإذا لم ينبه على ذلك دلَّ على رضاه به وعلى صحتِه إن كان عملًا، وصدقِه إن كان خبرًا([1]).
الرد:
أولًا: أن الخلاف واقعٌ في من قال تلك المقالة؛ أهم المسلمون أم المشركون؟؟ وعليه؛ فيكون الأمرُ مشتبهًا في تحديد ذلك، وإن كان الظاهر أنهم أهلُ السلطانِ منهم، فالمُسْتَدِلُ هنا على المعنى الذي أراد لا يخلصُ إلى قطعٍ في توجيه المعنى إلى مقصوده.
قال الحافظ ابن كثير: (حكى ابنُ جريرٍ في القائلين ذلك قولين: أحدهما: أنهم المسلمون منهم، والثاني: أهلُ الشركِ منهم، فالله أعلم، والظاهرُ أن الذين قالوا ذلك هم أصحابُ الكلمةِ والنفوذِ، ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظرٌ؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لعنَ اللهُ اليهودَ اتخذوا قبورَ أنبيائَهم وصالحيهم مساجد)))([2]).
ثانيًا: قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (فهؤلاء الذين اتخذوا مسجدًا على أهلِ الكهفِ كانوا من النصارى الذين لعنَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم)([3]).
ثالثًا: عدم التسليم بأن الآية لم تتضمن الردَّ عليهم، والاستدلال بذلك على إقرارهم على ذلك الفعل، بل إن السياق دالٌّ على أحوالِ أولئك القوم غير المرضية، وأنهم اتخذوا من دونِ اللهَ آلهةً، ولذلك قال الفتيةُ لما بُعِثُوا لما يعهدونه من حالِ قومِهم، كما أخبرَ الله تعالى عنهم: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا } [الكهف: 20]، وليس في السياق ما يدل على أن قومهم قد رجعوا عما كانوا عليه على مرِّ تلك السنين التي قضاها الفتيةُ في الكهف.
رابعًا: بناءُ القبور على المساجد فالحكم فيه ظاهرٌ، وقد جاءت النصوصُ الصريحة ببيانه، وأن من يفعل ذلك يستحق اللعنةَ، والأخذ بجميع النصوص هو المنهجُ الحقُّ الذي أمرَ اللهُ تعالى به.
الهوامش
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.