شبهة الاحتجاج بالبناء على القبور بما رُوي أن من الأنبياء مدفونون في المسجد الحرام

شبهة الاحتجاج بالبناء على القبور بما رُوي أن من الأنبياء مدفونون في المسجد الحرام





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ يستدلُّ المبتدعة بجواز البناء على القبور والعكوف عندها، بما يُروى أن مجموعةً من الأنبياء مدفونون في المسجد الحرام بين زمزم والمقام، وأن منهم: نوحًا وهودًا وصالحًا وشعيبًا وإسماعيل وغيرهم([1]).

الرد:

أولًا: أن هذا لم يُروَ في حديثٍ مرفوع إلى النبي صلى الله  عليه وسلم، وما رُوي فيه فهو إما موقوفٌ أو مقطوعٌ، والموقوفُ منه لم يثبت بإسنادٍ صحيح، على أنه لم يُرْوَ شيءٌ من ذلك في كتب السنة المشهورة كالصحيحين والسنن والمسانيد؛ ومما جاء في ذلك:

o          ما رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"([2]): قال ابن حبان: (وضوحُ الكذبِ فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراقِ في وصِفه)([3]).

o          ما رواه الأزرقي في "أخبار مكة"([4]): قال ابن حجر في "اللسان": (مُجْمَعٌ على ضعفِه)([5]).

o          ما رواه ابن سعد في "الطبقات"([6]): قال الذهبي: (مُجْمَعٌ على تركِه)([7]).

o          ما رواه ابن سعد في "الطبقات"([8]): قال الدارقطني والبرقاني: (متروك)([9]).

o          ما رُوي عن بعض التابعين في ذلك ولم يذكروا له إسنادًا في المرفوع ولا الموقوف؛ مما يجعله ليس محل احتجاج.

ثانيًا: مما يدل على ضعف هذه الأخبار وجودُ الاضطراب فيها، فمرَّةً يروى أنه ليس هناك إلا قبر إسماعيل وشعيب، ومرةً يُروى أنه لا يُعرف هناك إلا قبر إسماعيل، ومرةً يُروى أن هناك قبر سبعين نبيًّا، فهذا التعارض والاضطراب دالٌّ على ضعفِ هذه الروايات.

ثالثًا: على افتراض صحة شيء من ذلك؛ فليس شيءٌ من تلك القبور ظاهرًا للناس، فلا يترتب على ذلك حكم متعلق بها، قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: (أن القبورَ المزعومَ وجودها في المسجدِ الحرامِ غيرُ ظاهرةٍ ولا بارزةٍ، ولذلك لا تُقصد من دونِ اللهِ تعالى، فلا ضررَ من وجودِها في بطنِ أرضِ المسجدِ، فلا يصح حينئذٍ الاستدلال بهذه الآثار على جوازِ اتخاذِ المساجد على قبورٍ مرتفعةٍ على وجهِ الأرضِ؛ لظهورِ الفرق بين الصورتين)([10]).

 

 

الهوامش:

([1]) انظر: إحياء المقبور، أحمد بن محمد الغماري، ص(41)، ومن عجيب قوله عند هذه الشبهة أن قال: (وإذا علمت أن أفضل المساجد على وجه الأرض مسجد مكة ومسجد المدينة، اللذان هما الحرمان الشريفان، وقد شاء الله تعالى وحكم أن يكون في كلٍّ منهما قبور متعددة، ففي حرم مكة قبورُ جماعة من الأنبياء، وفي حرم المدينة قبرُ النبي صلى الله  عليه وسلم، وقبرُ صاحبيه - رضي الله عنهما - ومعهما قبرٌ رابع سيُدفن فيه عيسى u حين نزوله، كما ورد في بعض الأخبار؛ تعلم أن الدفن في المسجد أو اتخاذ المسجد في القبر من أشرف الأعمال تأسيًا بالحرمين الشريفين، فكل مسجد ليس فيه قبر فهو ناقص الفضل، قليل البركة، عديم الأسوة بأفضل المساجد وأشرفها).

([2]) تاريخ دمشق، ابن عساكر، ص(23/79).

([3]) تهذيب التهذيب، ابن حجر، ص(9/157-158).

([4]) أخبار مكة، الأزرقي، ص(1/312).

([5]) لسان الميزان، ابن حجر، ص(7/208).

([6]) الطبقات الكبرى، ابن سعد، ص(1/52).

([7]) المغني في الضعفاء، الذهبي، ص(2/619).

([8]) تقريب التهذيب، ابن حجر، ص(1/52).

([9]) تهذيب التهذيب، ابن حجر، ص(1/210-211).

([10]) تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، الألباني، ص(103).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
شبهة الاحتجاج بالبناء على القبور بما رُوي أن من الأنبياء مدفونون في المسجد الحرام doc
شبهة الاحتجاج بالبناء على القبور بما رُوي أن من الأنبياء مدفونون في المسجد الحرام.pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى