إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
فمن الصلوات المبتدعة التي اخترعها الصوفية والتي أحدثوها بمحض الهوى والاجتهاد السقيم، صلاة أداء حقوق الوالدين عند بعض المتصوفة تجبر ما يحصل من تفريط الولد نحو والديه، فمن صلى هذه الصلاة صار – عندهم – مؤديًا لجميع حقوق والديه!
وصفتها: هي ركعتان؛ يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة الإخلاص أربع مرات، أو آية الكرسي مرة وسورة الإخلاص ثلاث مرات، وبعدما يسلم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: يا لطيف الطف بي وبوالدي في جميع الأحوال كما تحب وترضى، رب اغفر لهما وارحمهما كما ريباني صغيرًا.
وبطريقة أخرى: يصلي يوم الخميس وقت الضحى ركعتين؛ في كل ركعة يقرأ بعد الفاتحة آية الكرسي ثلاث مرات وسورة الإخلاص خمس عشرة مرة.
وطريقة أخرى في صلاة يوم الخميس وليلته، وهي في حديث: "من صلى ليلة الخميس ما بين المغرب والعشاء ركعتين؛ يقرأ في كل ركعة الفاتحة وآية الكرسي خمس مرات، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] خمس مرات، والمعوذتين خمس مرات، فإذا فرغ استغفر الله خمس عشرة مرة، وجعل ثوابها لوالديه، فقد أدى حق والديه عليه، وإن كان عاقًا لهما".
وقد ذكر هذا الأخير في "شرح شرعة الإسلام"[1].
ولا شك أن هذا الفعل من بدع المتصوفة المخالفة لهدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والتي لا تقبل شرعًا ولا عقلًا[2].
إن بر الوالدين ليس بالأمر الهين في الشريعة بحيث تغني عنه ركعتان يركعهما الولد في ليل أو نهار، بل تحقيقه يحتاج لمجاهدة وبذل بعد توفيق من الله، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحي والداك؟"، قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد"[3].
ومن عظيم حقهما أن قرن الله تعالى حقهما مع حقه في كثير من مواضع القرآن الكريم، كقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14] وقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].
وجعل حقهما أحب الأعمال إليه بعد الصلاة، ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل الحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين"، قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"[4]، وفي صحيح مسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه"[5].
وقد ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة يصعب استقصاؤها.
فهل بعد ذلك يعقل أن تكون ركعتان مغنية عن أداء ذلك الحق العظيم؟!
سبحانك هذا بهتان عظيم.
الهوامش:
[1] شرح شرعة الإسلام، ص 137.
[2] انظر الآثار المرفوعة، ص105، التحديث، ص73.
[3] أخرجه البخاري (3004، 5972)، ومسلم (2549).
[4] أخرجه أحمد (7/5) (3890)، والبخاري (527)، ومسلم (85).
[5] أخرجه مسلم (1510)، وأبو داود (5137)، والترمذي (1906)، وابن ماجه (3659).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.