التصريح بضعف أحاديث صلاة التسابيح

التصريح بضعف أحاديث صلاة التسابيح






 الحمد لله الذي رفع منـار الحق وأوضحه، وخفض الكذب والزور وفضحه، وعصم شريعة الإسلام من التزييف والبهتان، وجعل الذكر الحكيم مصوناً من التبديـل والتحريف والزيادة والنقصان، بما حفظه في أوعية العلم وصدور أهل الحفظ والإتقان، وبما عظَّم من شأن الكذب على رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المبعوث بواضحات الصدق والبرهان.

 والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من وقع على محبته الاتفاق، وطلعت شموس أنواره في غاية الإشراق، وتفرد في ميدان الكمال بحسن الاستباق، الناصح الأمين الذي اهتدى الكون كله بعلمه وعمله، والقدوة المكين الذي اقتدي الفائزون بحاله وقوله، ناشر ألوية العلوم والمعارف، ومسدي الفضل للأسلاف والخوالف، الداعي على بصيرة إلى دار السلام، والسراج المنير والبشير النذير علم الأئمة الأعلام.وبعد..

 فهذا مختصر أوفي على مقاصد تصنيفي الكبير المسمى ((دقائق التوضيح ببيان أحوال رواة صلاة التسابيح))، وقد انتخبت وانتقيت منه تخريجات الأحاديـث الواردة في هذه الصلاة، وبيَّـنت شدة ضعفها وحال رواتها، وعدم انتهاض رواياتهم للحجة على الحكم باستحبابها، وسميته حين أتممته: ((التصريح بضعف أحاديث صلاة التسابيح)).

والله أرجوه للإثابة على الإحسان إحساناً، وعلى الزلل والخطأ عفواً وغفراناً، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه متاب.

 وهذا حين الشروع في المراد، وعلى الله توكلي والاعتماد.

اعلم أن الأحاديث في صلاة التسابيح، رويت عن جماعة من الصحابة:

عبد الله بن عباس، وأبى رافع، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمر، والعباس بن عبد المطلب، وجعفر بن أبى طالب، والأنصاري. وهاك بيانها:

 [الحديث الأول] حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه وله ثلاث طـرق:

 [الطريق الأولى] قال أبو داود (1297): حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري ثنا موسى بن عبد العزيـز ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس: ((أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال للعباس بن عبد المطلب يا عباس يا عماه ألا أعطيك.. ألا أمنحك.. ألا أحبوك.. ألا أفعل بك عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك غـفر اللَّه لك ذنبك، أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرا، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا، ثم تهوي ساجدا فتقولها وأنت ساجد عشرا، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات. إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة)).

 وأخرجه كذلك ابن ماجه (1387)، وابن خزيمة (1216)، والطبراني ((الكبير)) (11/243/11622)، والحاكم (1/318)، والخليلى ((الإرشاد)) (1/325/58)، والبيهقي ((الكبرى)) (3/51)، وابن الجوزي ((الموضوعات)) (2/143)، والمزى ((تهذيب الكمال)) (29/103) جميعا من طريق موسى بن عبد العزيز عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس به.

 قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم موثقون، غير موسى بن عبد العزيز أبى شعيب القنبارى، فهو صدوق سيء الحفظ، ربما خالف سائر أصحاب الحكم بن أبان، وربما تفرد عنهم بما لا يتابع عليه، وإنما تقع المناكير في حديث الحكم منه، ومِنْ أمثاله: إبراهيم بن الحكم بن أبان، وإبراهيم بن أعين الشيباني العجلي، ومحمد بن عثمان الجمحى، ويزيد بن أبى حكيم. وإنما يؤخذ حديث الحكم بن أبان العدنى عن: سفيان بن عيينة، ومعمر.

قال الحافظ الذهبي في ((ميزان الاعتـدال))[1]: ((موسى بن عبد العزيز العدني أبو شعيب القنباري، ما أعلمه روى عن غير الحكم بن أبان، فذكر حديث صلاة التسبيح. روى عنه: بشر بن الحكم، وابنه عبد الرحمن بن بشر، وإسحاق بن أبي إسرائيل وغيرهم. ولم يذكره أحد في كتـب الضعفاء أبداً، ولكن ما هو بالحجة. قال ابن معين: لا أرى به بأسا. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن حبان: ربما أخطأ. وقال أبو الفضل السليماني: منكر الحديث. وقال ابن المديني: ضعيف.

 قلت: حديثه من المنكرات، لا سيما والحكم بن أبان ليس أيضا بالثبت، وله خبر آخر بالإسناد في القول إذا سمع الرعد مروي في ((الأدب المفرد)) للبخاري)).

 قلت: وقد يفهم من كلام الحافظ الذهبي أن ليس له سوى هذين الحديثين، بل له نسخة عن الحكم أكثرها أفراد لا يتابع عليها، ذكر أكثرها أبو القاسم الطبراني في ((المعجم الكبير))، وقد بسطتها في الكتاب الكبير ((دقائق التوضيح ببيان أحوال رواة صلاة التسابيح)).

وأما قوله له خبر آخر في القول إذا سمع الرعد، فقد أخرجه البخاري ((الأدب المفرد))[2] قال: حدثنا بشر ـ يعنى ابن الحكم ـ ثنا موسى بن عبد العزيز حدثني الحكم ـ يعنى ابن أبان ـ حدثني عكرمة أن ابن عباس: كان إذا سمع الرعد قال: سبحان الذي سبحت له، قال: إن الرعدَ ملك ينعق بالغيث، كما ينـعقُ الراعي بغنمه.

وقال في ((المغني في الضـعفاء))[3]: ((موسى بن عبد العزيز القِنْباري أبو شعـيب، صاحب صلاة التسبح. قال ابن المدني: ضعيف. وقال ابن معين وغيره: لا بأس به)).

وقال الحافظ ابن حجر ((تقريب التهذيب))[4]: ((صدوق سـيء الحفظ)).

 قلت: وهذا الإسناد مُعَلٌّ من أربعة أوجهٍ:

 (الأول) الشذوذ لشدة التـفرد، فإن الحكم بن أبان العدنى، وإن كان صدوقاً صالحاً، إلا أنه يتفرد عن عكرمة بأحاديث ويسند عنه ما يوقفه غيره من أثبات أصحاب عكرمة. وموسى بن عبد العزيز القنباري ربما أخطأ عليه، وروى مناكير لا يتابع عليها.

 (الثاني) المخالفة والاضطراب، فقد رواه إبراهيم بن الحكم عن أبيه، فكان يضطرب فيه. فمرة موصولاً عن ابن عباس، وأخرى عن عكرمة مرسلاً.

فقد أخرجه ابن خزيمة (1216/2)، والحاكم (1/319)، والبيهقي ((شعب الإيمان)) (3/125/3080) ثلاثتهم من طريق محمد بن رافع عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لعمه العباس مرسلاً.

وأخرجه الحاكم (1/319)، والبيهقي[5] كلاهما من طريق إسحاق بن راهويه عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عـن عكرمة عـن ابن عباس عـن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم موصولاً.

 وقال أبو عبد الله الحاكم: ((هذا الإرسال لا يوهن وصل الحديث، فإن الزيادة من الثقة أولى من الإرسال، على أن إمام الأئمة إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قد أقام هذا الإسناد عن إبراهيم ابن الحكم بن أبان ووصله)).

 قـلت: فمن الثقة الذي وجب قبول زيادته، أهو إبراهيم بن الحكم بن أبان ؟!. قال أحمد بن حنبل: في سبيل الله دراهم أنفقناها إلى عدن إلى إبراهيم بن الحكم. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال مرة: ليس بثقة. وقال البخاري سكتوا عنه. وقال النسائي: متروك الحديث ليس بثقة.

 (الثالث) عدم المتابع والشاهد من وجهٍ معتبر، فإن كل أحاديث هذا الباب لا تخلو من ضعفٍ غير منجبرٍ، فإن كان هذا حال أمثلها وأصلحها، فكيف ببقيتها ؟!.

 (الرابع) مخالفة هيئة هذه الصلاة لغيـرها من الصلوات المشروعات، كالمكتوبات، والنوافل، والكسوف، والاستسقاء وغيرها.

ولهذا قال الحافظ ابن حجر[6]: ((وقال أبو جعفر العقيلي: ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت. وقال أبو بكر بن العربي: ليس فيها حديث صحيح، ولا حسن. وبالغ ابن الجوزي فذكره في ((الموضوعات))، وصنـَّف أبو موسى المديني جزءاً في تصحيحه، فتباينا ـ يعنى أبا موسى وابن الجوزي ـ.

 والحق أن طرقه كلها ضعيفة، وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن، إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر، ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات، وموسى بن عبد العزيز وإن كان صادقاً صالحاً، فلا يحتمل منه هذا التفرد. وقد ضعَّفها ابن تيمية والمزي، وتوقف الذهبي، حكاه ابن عبد الهادي عنهم في ((أحكامه)) وقد اختلف كلام الشيخ محيي الدين النووي، فوهاها في ((شرح المهذب))، فقال: حديثها ضعيف، وفي استحبابها عندي نظر لأن فيها تغييراً لهيئة الصلاة)).

 وقال أبو محمد بن قدامة المقدسى في ((المغني)) (1/437): ((فصـل: فأما صلاة التسبيح، فإن أحـمد قال: ما تعجبني، قيل له: لم ؟، قال: ليس فيها شيء يـصح، ونفض يده كالمنكر)).

 وقال العجلونى ((كشف الخفاء)) (2/566): ((وباب صلاة التسبيح لم يصح فيه حديث)).

فإن قيل: إنَّ أبا بكر بن خزيمة قد أودعه ((صحيحه))، واحتجَّ به !.

قلنا: وإن ذكره إمام الأئمة في ((صحيحه))، فإنه لم يحتج به، فقد قال عقبه: ((إن صح الخبر، فإن في القلب من هذا الإسناد شيء)).

 ونزيدك إيضاحاً بأن أبا بكر بن خزيمة قد أخرج جملةً من الأحاديث الضعاف منبهاً على ما بها من ضعفٍ ليدفع عن نفسه معرة ذكرها في ((صحيحه))، ومن أوضح الأمثلة لهذا الصنيع:

 (الأول) ما أخرجه (1/71/137) من طريق محمد بن إسحاق قال ذكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسـول الله صلَّى الله عليه وسلم: ((فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفا)).

وعقَّبه أبو بكر بقوله: ((إن صحَّ الخبر، وأنا استثنيت صحة هذا الخبر ؛ لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من محمد بن مسلم، وإنما دلَّسه عنه)).

 (الثاني) ما أخرجه (1/203/388) من طريق حجاج بن أرطأة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: رأيت بلالا يؤذن، وقد جعل أصبعه في اليسرى، وهو يلتوي في أذانه، يمينا وشمالاً.

وقال أبو بكر قبل إيراده إيَّاه: ((إن صح الخبر، فإن هذه اللفظة لست أحفظها إلا عن حجاج بن أرطاة، ولست أفهم: أسمع الحجاج هذا الخبر من عون بن أبي جحيفة أم لا ؟، فأشك في صحة هذا الخبر لهذه العلة)).

 (الثالث) ما أخرجه (2/181/1144) من طريق عمرو بن الحارث أن أبا سويَّة حدثه أنه سمع ابن حجيرة يخبر عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ بألف آية كتب من المقنطرين)).

وقال أبو بكر قبل إيراده: ((إن صحَّ الخبر، فإني لا أعرف أبا سوية بعدالة ولا جرح)).

 (الرابع) ما أخرجه (2/359/1464) من طريق عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة أنَّه شهد معاوية وسأل زيد بن أرقم: شهدت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يومٍ ؟، قال: نعم، صلَّى العيد في أول النهار، ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يجمع فليجمع.

وقال أبو بكر قبل إيراده: ((إن صحَّ الخبر، فإني لا أعرف إياس بن أبي رملة بعدالةٍ ولا جرحٍ)).

 (الخامس) ما أخرجه (4/74/2379) من طريق أشعث بن سوار عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: بعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلم رجلاً ساعياً على الصدقة، وأمره أن يأخذ من الأغنياء فيقسمه على الفقراء، فأمر لي بقلوص.

وقال أبو بكر قبل إيراده إيَّاه: ((إن صحَّ الخبر، فإن في القلب من أشعث بن سوار، وإن لم يثبت هذا الخبر، فخبر ابن عباس في أمر النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم معاذاً بأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن وقسمها في فقرائهم أثبت وأصحَّ من هذا الخبر)).

 (السادس) ما أخرجه (4/155/2579) من طريق الأوزاعي ثنا عبد الله بن عامر ثنا نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال: ((من أهدى تطوعا ثم ضلت، فإن شاء أبدلها وإن شاء ترك، وإن كانت في نذر فليبدل)).

وقال أبو بكر قبل إيراده إيَّاه: ((إن صحَّ الخبر، ولا أخال، فإن في القلب من عبد الله بن عامر الأسلمي)).

فهذه النماذج المذكورة دالةٌ على المقصود بهذا البيان، ورافعة لإشكال ذكر هذا الحديث المنكر في ((صحيح ابن خزيمة)).

 قلت: على أن جماعة من الأئـمة قد اعتبروا كثرة الطرق والوجوه والروايات داعياً قوياً في ثبوت الحديث وتصحيحه، فصحَّحوه، بل وصنَّفوا في تصحيـحه أجزاءً، كما فعل الإمام أبو سعد السمعانى صاحب ((الأنساب))، واحتجوا لتقويته بفعل جماعة من الأئمة لها ومواظبتهم عليها.

 قال الحافظ الزكى المنذري في ((الترغيب والترهيب))[7]: ((وقد روي هذا الحديث من طرق كثيـرة وعن جماعة من الصحابة، وأمثلها حديث عكرمة هذا.

وقد صحَّحه جماعة منهم: الحافظ أبو بكر الآجري، وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهم الله تعالى. وقال أبو بـكر بن أبي داود سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا.

 وقال مسلم بن الحجاج ـ رحمه اللَّه تعالى ـ: لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا ـ يعني إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس ـ. وقال الحاكم: قد صحت الرواية عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ابن عمه هذه الصلاة ثم قال حدثنا أحمد بن داود بمصر حدثنا إسحاق بن كامل حدثنا إدريس بن يحيـى عن حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((وجَّه رسـول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة، فلما قدم اعتنقه، وقبَّل بين عينيه، ثم قال: ألا أهب لك.. ألا أسرك.. ألا أمنحك))، فذكر الحديث ثم قال: هذا إسناد صحيح لا غبار عليه)).

وقال صاحب ((عون المعبود))[8]: ((وممن صحح هذا الحديث أو حسنه غيــر من تقدم ابن منده، وألف في تصحيحه كتاباً، والآجري، والخطيب، وأبو سعد السمعاني، وأبو موسى المديني، وأبو الحسن بن المفضل، والمنـذري، وابن الصلاح، والنووي في ((تهذيب الأسماء))، وآخرون. وقال الديلمي في ((مسند الفردوس)): صلاة التسبيح أشهر الصلوات وأصحها إسنادا. وروى البيهقي وغيره عن أبي حامد الشرقي: قال كنت عند مسلم بن الحجاج ومعنا هذا الحديث فسمعت مسلما يقول: لا يروى فيها إسناد أحسن مـن هذا. وقال الترمذي: قد رأى ابن المبارك، وغيره من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيها. وقال البيهقي: كان عبد الله بن المبارك يصليها، وتداولها الصالحون بعضهم عن بعـض، وفيه تقوية للحديث المرفوع)) اهـ.

 وأعجب ما فيما سبق:

 (أولاً) تصحيـح الحاكم حديث ابن عمر، وإسناده مظلم واهٍ بمرة، كما سيأتي بيـانه.

 (ثانياً) قول الديلمي: صلاة التسبيح أشهر الصلوات، وأصحها إسناداً !!.

 قلت: صلاة التسابيح، التي اختلف الأئمة على ثبوتها، وحجية أحاديثها، حتى عدَّ بعضهم أحاديثها موضوعة، وجزم بعضهم بأن أحاديثها ضعاف لا تقوم بها حجة، كيف تكون أشهر الصلوات وهذا شأنها واضطراب حجيتها ؟. ومتى كانـت أشهر الصلوات، وهؤلاء الأئـمة الثلاثة الكبار: أبو حنيفة، ومالك، والشافعى لم يسمعوا عنها شيئاً ؟!.

 [الطريق الثانية] قال أبو القاسم الطبراني ((الأوسط))[9]: حدثنا إبراهيـم بن أحمد بن عمر الوكيعي ثنا محرز بن عون ثنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن جحادة عن أبي الجوزاء قال: قال لي ابن عباس: يا أبا الجوزاء ألا أخبرك.. ألا أتحفك.. ألا أعطيك !، قلت: بلى، فقـال سمعت رسـول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((من صلَّى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة أم القرآن وسورة، فإذا فرغ من القراءة قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فهذه واحدة حتى يكمل خمس عشرة، ثم ركع فيقول عشرا، ثم يـرفع فيقولها عشرا، ثم يسجد فيقولها عشرا، ثم يـرفع فيقولها عشرا، ثم يسجد فيـقولها عشرا، ثم يـرفع رأسه فيـقولها عشرا، فهذه خمسة وسبعـون في كل ركعة، حتى يفرغ من أربـع ركعات. من صلاهن غــفر له كل ذنب، صغيره وكبيره، قديم أو حديـث، كان أو هو كائن)).

 قال أبو القاسم: ((لم يرو هذا الحديث عن محمد بن جحادة إلا يحيى بن عقبة، تفرد به محرز)).

 قال ابن أبي حاتم[10]: ((قرئ على العباس بن محمد الدوري عن يحيـى بن معين انه قال: يحيى بن عقبة بن أبى العيزار ليس بشيء. وسألت أبى عن يحيى بن عقبة بن أبى العيزار فقال: متروك الحديث ذاهب الحديث كان يفتعل الحديث.

وسألت أبا زرعة عن يحيى بن عقبة بن أبى العيزار فقال: ضعيف الحديث)).

 قلت: فهذا إسناد منـكر باطل لحال يحيى بن عقبة.

 [الطريق الثالثة] قال أبو القاسم الطبراني[11]: حدثنا إبراهيم بن أحمد بن برة الصنعانى قال حدثنا هشام بن إبراهيــم أبو الوليـد المخزومي قال حدثنا موسى بن جعفر بن أبي كثير عن عبد القدوس بن حبيب عن مجـاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال له: ((يا غلام ! ألا أحبوك.. ألا أنحلك.. ألا أعطيك، قلت: بلى بأبي وأمي أنت يا رسول الله !، قال: فظننت أنه سيقطع لي قطعة من مال، فقال: أربع ركعات تصليهن في كل يوم، فإن لم تستطع ففي كل جمعة، وإن لم تستطع ففي كل شهر، فإن لم تستطع ففي كل سنة، فإن لم تستطع ففي دهرك مرة، تكبر فتقرأ أم القرآن وسورة، ثم تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها عشرا، ثم ترفع فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع فتقولها عشرا، ثم تسجد فتقولها عشرا، ثم ترفع فتقولها عشرا، ثم تفعل في صلاتك كلها مثل ذلك، فإذا فرغت قلت بعد التشهد، وقبل التسليم: اللهم إني أسألك توفيـق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقيـن، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجد أهل الحسبة، وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم، حتى أخافك. اللهم أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به رضاك، وحتى أناصحك في التوبة خوفا منك، وحتى أخلص لك النصيحة حباً لك وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن ظن بك، سبحان خالق النار. فإذا فعلت ذلك يا ابن عباس، غفر اللَّه لك ذنوبك صغيرها وكبيرها، وقديمها وحديثها، وسرها وعلانيتها، وعمدها وخطأها)).

 قال أبو القاسم: ((لم يـرو هذا الحديــث عن مجاهـد إلا عبد القدوس، ولا عـن عبد القدوس إلا موسى بن جعفر، تفرد به أبو الوليد المخزومي)).

 وأخرجه أبو نعيم[12] قال: حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني بإسناده ومتنه سواء.

 قلت: الحديث بهذا الإسناد والمتن باطل، والدعاء فيه تكلفٌ غيـرُ معهودٍ مثله عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وعبد القدوس وضاع كذاب لا يحل الرواية عنه، ولا ذكره إلا تحذيراً.

قال ابن الجوزي[13]: ((عبد القدوس بن حبيب، أبو سعيد الكلاعي الوحاظي الشامي. يروي عن: عطاء، ونافع، والشعبي. قال ابن المبارك: لأن أقطع الطريق أحب إلي من أن أروي عنه. وقال يحيى: ضعيف. وقال مرة: مطروح الحديث. وقال إسماعيل بن عياش: أشهد عليه بالكذب وقال البخاري: أحاديثه مقلوبة. وقال الفلاس: أجمع أهل العلم على ترك حديثه. وقال مسلم بن الحجاج: ذاهب الحديث. وقال أبو داود: ليس بشيء. وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات لا يحل كتب حديثه وقال النسائي: متروك الحديث)).

قـلت: فهذه طرق حديث ابن عباس، أمثلها وأحسنها حالاً رواية الحكم بن أبان عن عكرمة، ولكنها شاذة منكرة لا تقوم الحجة بها بمفردها، كما سبق بيانها !!.

 وأما حكم ابن الجوزي عليها بالوضع ففيه مجازفة وحيدة عن الصواب، إذ احتج لذلك بقوله: موسى بن عبد العزيز مجهول، وليس كما زعم، بل هو مشهور حسن الحديث، وقد قوَّاه يحيـى بن معيـن والنسائى، ولو ثبتت جهالته جدلاً، لا يلزم الحكم على حديثه بالوضع، فليس في إسناده من اتهم بالوضع أو الكذب !!.

 [الحديث الثاني] حديث أبى رافع قال الترمذى (482): حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ الْعُكْلِيُّ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: ((قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: يَا عَمِّ ! أَلا أَصِلُكَ.. أَلا أَحْبُوكَ.. أَلا أَنْفَعُكَ.. قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: يَا عَمِّ صَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْقِرَاءَةُ فَقُلِ: اللهُ أَكْبَرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً قَبْلَ أَنْ تَرْكَعَ، ثُمَّ ارْكَعْ، فَقُلْهَا عَشْراً، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقُلْهَا عَشْراً، ثُمَّ اسْجُدْ فَقُلْهَا عَشْراً، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقُلْهَا عَشْراً، ثُمَّ اسْجُدِ الثَّانِيَةَ، فَقُلْهَا عَشْراً، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقُلْهَا عَشْراً، قَبْلَ أَنْ تَقُومَ فَتِلْكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، هِيَ ثَلاثُ مِائَةٍ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكَ مِثْلَ رَمْلِ عَالِجٍ، لَغَفَرَهَا اللهُ لَكَ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ! وَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَقُولَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَقُلْهَا فِي جُمْعَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَقُولَهَا فِي جُمُعَةٍ، فَقُلْهَا فِي شَهْرٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ لَهُ، حَتَّى قَالَ: فَقُلْهَا فِي سَنَةٍ)).

 وأخرجه ابن ماجه (1386)، والرويانى ((مسنده)) (699)، والطبراني ((الكبير)) (1/329/987)، والبيهقي ((السنن الصغرى)) (862) و((شعب الإيمان)) (1/427/610)، وابن الجوزي ((الموضوعات)) (2/144)، والمزى ((تهذيب الكمال)) (10/465) جميعاً من طريـق موسى بن عبيـدة الربذى عن سعيـد بن أبى سعيد مولى أبى بكر بن حزم عن أبى رافع به. قال أبو عيسى: ((هذا حديث غريـب من حديث أبي رافع)).

 قـلت: هذا إسناد ضعيـف جداً، موسى بن عبيـدة الربذى منكر الحديث.

قال البخاري[14]: ((منكر الحديث قاله أحمد بن حنبل. وقال علي بن المديني عن القطان قال: كنا نتقيه تلك الأيام)).

وقال لابن الجوزي[15]: ((موسى بن عبيـدة بن نشيط أبو عبد العزيز الربذي المديني. يروي عن عبد الله بن دينار. قال أحمد: لا تحل عندي الرواية عن موسى بن عبيدة. وقال يحيى: ليس بشيء. وقال مرة: ضعيف وقال مرة: لا يحتـج بحديثه. وقال مرة: ليس بالكذوب ولكنه روى أحاديث مناكيــر. وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث. وقال علي بن الجنيد: متروك الحديث. وقال النسائي والدارقـطني: ضعيف)).

وقال أبو عيسى: ((وقد روي عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غير حديثٍ في صلاة التسبيح، ولا يصحُّ منه كبيرُ شيءٍ، وقد رأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه.

 حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا أبو وهب قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبِّح فيها، فقال: يكبِّر ثمَّ يقول سبحانك اللهمَّ وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، ثم يتعوذ ويقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم وفاتحة الكتاب وسورة، ثم يقول عشر مرات سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، ثم يركع فيـقولها عشرا، ثم يرفع رأسه من الركوع فيقولها عشرا، ثم يسجد فيقولها عشرا، ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا، ثم يسجد الثانية فيقولها عشرا، يصلي أربع ركعاتٍ على هذا، فذلك خمس وسبعـون تسبيحةٍ في كل ركعةٍ، يبدأ في كل ركعةٍ بخمس عشرة تسبيحةٍ، ثم يقرأ ثم يسبِّح عشرا، فإن صلَّى ليلاً فأحب إلى أن يسلِّم في الركعتين، وإن صلَّى نـهاراً، فإن شاء سلَّم وإن شاء لم يسلِّم. قال أبو وهـب: وأخبرني عبد العزيـز بن أبي رزمة عن عبد اللَّه أنه قال: يبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم، وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثاً، ثم يسبِّح التسبيحات.

 قال أحمد بن عبدة: وحدثنا وهب بن زمعة قال أخبرني عبد العزيز وهو بن أبي رزمة قال: قلت لعبد اللَّه ابن المبارك: أن سها فيها يسبِّح في سجدتي السهو عشرا عشرا ؟ قال: لا، إنَّما هي ثلاثمائة تسبيحةٍ)).

 قلت: وهذا إسناد صحيـح إلى عبد الله بن المبارك، لكنه تفرد باستحبابها على صفةٍ لم يرد نصٌ بها، ولم يُسبق إليها.

 قال ابن مفلح[16]: ((ونصَّ أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها إمام، واستحبها ابن المبارك على صفةٍ لم يرد بها الخبر لئلا تثبت سنة بخبرٍ لا أصل له. قال: وأما أبو حنيفة، ومالك، والشافعي فلم يسمعوها بالكليَّـة)).

قلت: وتأمل قوله ـ رحمه الله ـ ((لئلا تثبت سـنة بخبرٍ لا أصل له))، فإنه نافعٌ جداً في مثل هذه المواضع المخالفة للهدى النَّبوى، ولو أقسمت بالله أنه لم يصليها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا أحدٌ من أصحابه بأجمعهم، لكنتُ صادقاً ولم أحنث.

((لئلا تثبت سنة بحديثٍ لا أصل له))... ((لئلا تثبت سنة بحديثٍ لا أصل له)).

فما أروع هذا القول، وما أبيَّنه في الدلالة على مقصود الأئمة في تضعيفهم هذا الحديث الذى لا تنتهض حجةٌ في تقوية أمره، ولا شدِّ أزره، لشدة وهيه وشذوذه. وسيأتى بيان أقوال أئمة الفقه في حكمها موسَّعاً.

 وأما شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية، فقد أنكرها جداً، وعدَّها من البدع المستـنكرة، فقال ـ طيَّب الله ثراه ـ في ((منهاج السنة)[17]: ((وكل صلاةٍ فيـها الأمر بتقدير عدد الآيات، أو السور، أو التسبيح فهي كذبٌ باتفاق أهل المعرفة بالحديث إلا صلاة التسبيح، فإن فيها قولين لهم، وأظهر القولين إنَّها كذب وإن كان قد اعتقد صدقها طائفة من أهل العلم، ولهذا لم يأخذها أحد من أئمة المسلمين، بل أحمد بن حنبل وأئمة الصحابة كرهوها، وطعنوا في حديثها، وإما مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم، فلم يسمعوها بالكلية. ومن يستحبها من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، فإنما هو اختيار منهم، لا نقل عن الأئمة. وأما عبد الله بن المبارك، فلم يستحب الصفة المذكـورة المأثورة التي فيها التسبيح قبل القيام، بل استحب صفة أخرى توافق المشروع لئلا تثبت سنة بحديثٍ لا أصل له)).

 وقال ـ طيَّب الله ثراه ـ ((مجموع الفتاوى)[18]: ((حديث صلاة التسبيح، قد رواه أبو داود والترمذى، ومع هذا فلم يقل به أحد من الأئمة الأربعة، بل أحمد ضعَّف الحديث، ولم يستحب هذه الصلاة. وأما ابن المبارك فالمنقول عنه ليس مثل الصلاة المرفوعة إلى النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، فإن الصلاة المرفوعة إلى النبي ليس فيها قعدة طويلة بعد السجدة الثانية، وهذا يخالف الأصول فلا يجوز أن تثبت بمثل هذا الحديث، ومن تدبر الأصول علم أنه موضوع)).

ولله درُّ القاضى الشوكانى، فقد تعقب قول صاحب ((حدائق الأزهار)): ((والمسنون من النفل، قد يؤكد كالرواتب، ويُخص كصلاة التسبيح))، فقال في ((السيل الجرار)[19]: ((فالعجب من المصنِّف حيث يعمد إلى صلاة التسبيح التي اختلف النَّاس في الحديث الوارد فيها، حتى قال من قال من الأئمة: إنَّه موضوع، وقال جماعة: إنه ضعيف لا يحل العمل به، فيجعلها أول ما خصَّ بالتخصيص.

 وكل من له ممارسة لكلام النَّبوة لا بد أن يجد في نفسه من هذا الحديث ما يجد، وقد جعل الله في الأمر سعة عن الوقوع فيــما هو متردد ما بين الصحة والضعـف والوضع، وذلك بملازمة ما صحَّ فعـله أو الترغيـب في فعـله صحة لا شك فيها ولا شبهة، وهو الكثير الطيب)).

 [الحديث الثالث] حديث جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه

قال عبد الرزاق ((المصنف))[20] عن داود بن قيس عن إسماعيل بن رافع عن جعفر بن أبي طالب أن النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ألا أهب لك.. ألا أمنحك.. ألا أحذوك.. ألا أوثرك.. ألا.. ألا، حتى ظننت أنه سيقطع لي ماء البحرين، قال: تصلي أربع ركعات، تقرأ أم القرآن في كل ركعة وسورة، ثم تقول: الحمد لله وسبحان الله والله أكبر، ولا إله إلا الله، فعدها واحدة حتى تعد خـمس عشرة مرة، ثم تركع فتـقولها عشرا وأنت راكع، ثم ترفع فتقولها عشرا وأنت رافع، ثم تسجد فتقولها عشرا وأنت ساجد، ثم ترفع فتقولها عشرا وأنت جالس، ثم تسجد فتقولها عشرا وأنت ساجد، ثم ترفع فتقولها عشرا وأنت جالس، فتلك خمس وسبعـون، وفي الثلاث الأواخر كذلك فذلك ثلاث مائة مجموعة، وإذا فرقـتها كانت ألفا ومائتين، وكان يستحب أن يقرأ السورة التي بعد أم القرآن عشرين آية فصاعدا، تصنعهن في يومك، أو ليلتك، أو جمعتك، أو في شهر، أو في سنة، أو في عمرك، فلو كانت ذنوبك عدد نجوم السماء أو عدد القطر، أو عدد رمل عالج، أو عدد أيام الدهر لغفرها الله لك)).

 قـلت: وهذا إسناد واهٍ بمرة، وله آفتان:

 [الأولى] الانقطاع، بين إسماعيل بن رافع وجعفر بن أبى طالب مفاوز تنقطع فيها الأعناق.

 [الثانية] ضعف إسماعيل بن رافع القاص المدنى، فهو منكر الحديث.

قال ابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل))[21]: ((إسماعيل بن رافع، أبو رافع المديني. روى عن: المقبري، ومحمد بن المنكدر. روى عنه: الوليد بن مسلم، وإسماعيل بن عياش. يعد في الحجازيين. سمعت أبى وأبا زرعة يقولان ذلك. وأخبرنا محمد بن حمويه بن الحسن سمعت أبا طالب قال: سألت أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن رافع، فقال: ضعيف الحديث. قرئ على العباس الدوري سمعت يحيى بن معين يقول: إسماعيل بن رافع ليس بشيء. وذكر أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: إسماعيل بن رافع ضعيف. حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن إبراهيم نا عمرو بن على قال: لم اسمع يحيى ولا عبد الرحمن حدَّثـا عن إسماعيل بن رافع بشيء قط. قال يحيى: وقد رأيته. وسألت أبى عن إسماعيل بن رافع الذي يحدث عنه سليمان بن بلال من هو ؟، قال: هو أبو رافع الضعيف القاص. وسمعته مرة أخرى يقول: هو منكر الحديث)).

وقال ابن حبان ((المجروحين))[22]: ((إسماعيل بن رافع بن عويمر، أبو رافع مولى مزينة من أهل مكة. يروى عن المقبري. روى عنه: وكيع، والمكي. كان رجلا صالحا إلا انه يقلب الأخبار، حتى صار الغالب على حديثه المناكير، التي تسبق إلى القلب أنه كان كالمتعمد لها. أخبرنا الهمداني ثنا عمرو بن على قال: لم أسمع يحيى ـ يعنى ابن سعيد ـ ولا عبد الرحمن ـ يعنى ابن مهدى ـ يحدثان عن إسماعيل بن رافع بشيء قط. ثنا مكحول ثنا جعفر بن أبان قال سألت يحيى بن معين عنه، فقال: ليس بشيء)).

 وذكر أبو أحمد بن عدى في ((الكامل))[23] جملة من مناكيره، منها: حدثنا حسين بن عبد الله القطان ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ المقبري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خلق الله آدم من تراب الجابية، وعجنه بماء الجنة)).

 وقال أبو أحمد: ((أحاديثه كلها مما فيه نظر، إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء)).

 

الهوامش

[1] (6/550/8900)

[2] ((الأدب المفرد)) (722)

[3] ((المغني في الضـعفاء)) (2/685)

[4] ((تقريب التهذيب)) (1/552/6988)

[5] ((شعب الإيمان)) (3/125/3081)

[6] ((تلخيص الحبيـر)) (2/7)

[7] ((الترغيب والترهيب)) (1/268)

[8] ((عون المعبود)) (4/124)

[9] ((الأوسط)) (3/187/2879)

[10] ((الجرح والتعديل)) (9/179)

[11] ((الأوسط)) (3/14/2318)

[12] ((حلية الأولياء)) (1/25)

[13] ((الضعفاء والمتروكين)) (2/113)

[14] ((التاريخ الكبير)) (7/291/1242)

[15] ((الضعفاء والمتروكيـن)) (3/147/3461)

[16] ((الفروع)) (1/507)

[17] ((منهاج السنة)) (7/434)

[18] ((مجموع الفتاوى)) (11/579)

[19] ((السيل الجرار)) (1/328)

[20] ((المصنف)) (3/123/5004)

[21] ((الجرح والتعديل)) (2/168/566)

[22] ((المجروحين)) (1/124)

[23] ((الكامل)) (1/281)

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
التصريح بضعف أحاديث صلاة التسابيح.doc doc
التصريح بضعف أحاديث صلاة التسابيح.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى