المبالغات في الكرامات

المبالغات في الكرامات



الحمد لله الواهب المقتدر ربُ العالمين ، والصلاة والسلام على من أنزل عليه كتاب معجز محفوظ إلى يوم الدين. أما بعد:

فمن المقرر عند أهل السنة والجماعة أن الكرامة للأولياء ثابتة ، لا  ينكرها إلا من انحرف عن الصراط السوي ، ولكن الذي حدث أن هناك من أخذ يبالغ في هذه الكرامات وأخذ يستخدمها قاعدة تسهل قبول شطحه عند الناس حيث يورد الغرائب والعجائب ، واشتهر قولهم: ما كان معجزة لنبيِّ جاز أن يكون كرامة لولي.

وهذه القاعدة من الخطورة بمكان ، قد قام العلماء بتبيين خللها وضررها على الدين.

فأورد السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى (2 ـ316)  قول الإمام أبي إسحاق الإسفراييني وهو "وكل ما جاز تقديره معجزة لنبي لا يجوز ظهور مثله كرامة لولي".

وقال: وإنما بالغ الكرامات إجابة دعوة أو موافاة ماء ٍفي باديةٍ في غير موقع الماء ....)).

وقال السبكي أيضاً في طبقات الشافعية (2ـ322) مستدركاً على مذهب الأشاعرة: ((معاذ الله أن يتحدى نبيٌّ بكـرامةٍ تكررت على ولي ! بل لابد أن يأتي النبيُّ بما لا يوقعه الله على يد الولي ، وإن جاز وقوعه فليس كل جائز في قضايا العقول واقعاً.

ولما كانت مرتبة النبي أعلى وأرفع من مرتبة الولي كان الولي ممنوعاً مما يأتي به النبيّ على الإعجاز والتحدي أدباً مع النبيّ)) ا.هـ

وممن أنكر وقوع الكرامات الخارقة للعادة للأولياء ، شيخ الشافعية الإمام الحليمي وشيخ المالكية ابن أبي زيد القيرواني والإمام ابن حزم الأندلسي .

وجاء في الرسالة القشيرية صـفحة (208) قال أبو القاسم القشيري: ((إن كثيراً من المقدورات يُعلم اليوم قطعاً أنه لا يجوز أن يظهر كرامة للأولياء لضرورة أو شبه ضرورة يُعلم ذلك ، فمنها حصول إنسان لا من أبوين ، وقلب جماد بهيمةً أو حيواناً و أمثال هذا يكثر)).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، في كتابه فتح الباري عند حديث أكل خُبَيب رضي الله عنه قطف من عنب:

((قال ابن بطال: "هذا يمكن أن يكون الله جعله آية على الكفار وبرهانا لنبيه لتصحيح رسالته قال: فأما من يدعى وقوع ذلك له اليوم بين ظهراني المسلمين فلا وجه له إذ المسلمون قد دخلوا في الدين وأيقنوا بالنبوة فأي معنى لإظهار الآية عندهم ولو لم يكن في تجويز ذلك إلا أن يقول جاهل إذا جاز ظهور هذه الآيات على يد غير نبي فكيف نصدقها من نبي والفرض أن غيره يأتي بها لكان في إنكار ذلك قطعا للذريعة إلى أن قال إلا أن يكون وقوع ذلك مما لا يخرق عادة ولا يقلب عينا مثل أن يكرم الله عبدا بإجابة دعوة في الحين ونحو ذلك مما يظهر فيه فضل الفاضل وكرامة الولي ومن ذلك حماية الله تعالى عاصما لئلا ينتهك عدوه حرمته". انتهى

قال الحافظ: والحاصل أن ابن بطال توسط بين من يثبت الكرامة ومن ينفيها ، فجعل الذي يثبت ما قد تجري به العادة لآحاد الناس أحيانا والممتنع ما يقلب الأعيان مثلا والمشهور عن أهل السنة إثبات الكرامات مطلقا لكن استثنى بعض المحققين منهم كأبي القاسم القشيري ما وقع به التحدي لبعض الأنبياء فقال: "ولا يصلون إلى مثل إيجاد ولد من غير أب ونحو ذلك." وهذا أعدل المذاهب في ذلك فإن إجابة الدعوة في الحال وتكثير الطعام والماء والمكاشفة بما يغيب عن العين والإخبار بما سيأتي ونحو ذلك قد كثر جداً حتى صار وقوع ذلك ممن ينسب إلى الصلاح كالعادة فانحصر الخارق الآن فيما قاله القشيري وتعين تقييد قول من أطلق أن كل معجزة وجدت لنبي يجوز أن تقع كرامة لولي ووراء ذلك كله أن الذي استقر عند العامة أن خرق العادة يدل على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى وهو غلط ممن يقوله فان الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك فان كان متمسكا بالأوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته ومن لا فلا وبالله التوفيق)). اهـ فتح الباري شرح صحيح البخاري [7 ـ383]

وقال الأمير الصنعاني رحمه الله ، في كتابه الإنصاف في حقيقة الأولياء ومالهم من الكرامات والألطاف: ((فمن يقول إن الكرامة هي كالمعجزة من حيث إنها دلت على صدق الرسول حيث وقعت على يد بعض من اتبعه فدلت على صدقه فهذه الدلالة لا أدري لمن تكون ، إن كانت للولي الذي حصلت له الكرامة فالغرض أنه قد آمن بالرسول وصارت نبوته عنده قطعية ، وإن أراد أنها تكون دالة لمن لم يدخل في الإسلام وصدق نبوة سيد الأنام ، فهذا أعجب ، فإن الكافر لم يصدق بالمعجزة الحقيقية فكيف بالكرامة ، وهذا القرآن باق ببقاء الأزمان وسائر المعجزات في عصره عليه الصلاة والسلام تواترت لمن له أذنان)). اهـ [74-75].

قلت: ولا ننسى أن من أهم معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم الوحيُ فهل لإنسان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوحى إليه ؟!!!!

وكذلك أن الله سبحانه وتعالى كلم موسى صلى الله عليه وسلم تكليماً ، فهل يكون لأحد الناس هذا؟.

وكذلك أن نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم قد أوجد من غير أب ، فهل يكون لأحد هذا ؟

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العالمين..

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
نسخة المقال pdf
أ.د.عبدالرحمن بن جميل قصاص pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى