بدعة التسحير

بدعة التسحير






     الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ رحمةِ الله للعالمين، وعلى آله وصحبه وتابعيه بإحسانٍ، إلى يوم الدِّين ثم أما بعد؛التسحير من الأمور المحدثة التي لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به، وليس من فعل الصحابة أو التابعين أو السلف الصالح -رحمة الله عليهم أجمعين - ولأجل أنه أمر محدث اختلفت فيه عوائد الناس، ولو كان مشروعاً ما اختلفت فيه عوائدهم .

      ففي الديار المصرية يقول المؤذنون بالجامع: تسحروا كلوا واشربوا أو ما أشبه ذلك، ويقرؤن قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[1]الآية.ويكررون ذلك مراراً عديدة،ثم يسقون على زعمهم ويقرؤن قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} إلى قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً}[2].

      والقرآن العزيز ينبغي أن ينزه عن موضع بدعة، أو على موضع بدعة، ثم ينشدون في أثناء ذلك القصائد، ويسحرون أيضاً بالطبلة يطوف بها بعضهم على البيوت، ويضربون عليها، هذا الذي مضت عليه عادتهم، وكل ذلك من البدع[3] .

    وأما أهل الإسكندرية[4]، وأهل اليمن[5]، وبعض أهل المغرب[6]، فيسحرون بدق الأبواب على أصابع البيوت، وينادون عليهم: قوموا كلوا، وهذا نوع آخر من البدع نحو ما تقدم .

    وأما أهل الشام[7] فإنهم يسحرون بدق الطار والغناء والرقص واللهو واللعب، وهذا شنيع جداً، وهو أن يكون شهر رمضان الذي جعله الشارع صلى الله عليه وسلم للصلاة والصيام، والتلاوة والقيام، قابلوه بضد الإكرام والاحترام، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

   وأما بعض أهل المغرب فإنهم يفعلون قريباًَ من فعل أهل الشام، وهو أنه إذا كان وقت السحور عندهم، ويضربون بالنفير[8]على المنار، ويكررونه سبع مرات، ثم بعده يضربون بالأبواق[9] سبعاً أو خمساً، فإذا قطعوا حرم الأكل إذ ذاك عندهم .

    وهذا يدل على أن فعل التسحير بدعة بلا شك ولا ريب، إذ أنها لو كانت مأثورة لكانت على شكل معلوم لا يختلف حالها، في بلد دون آخر كما تقدم .

    ومسألة التسحير هذه لم تدع ضرورة إلى فعلها وإذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد شرع الأذان الأول للصبح دالاً على جواز الأكل والشرب والثاني دالاً على تحريمها، فلم يبق أن يكون ما يعمل زيادة عليهما إلا بدعة ؛ لأن المؤذنين إذا أذنوا مرتين انضبطت الأوقات وعلمت[10] .

 

الهوامش

[1] - سورة البقرة:183.  

[2] - سورة الانسان:5- 23.

[3] -  يراجع : المدخل لابن الحاج(2/255) .

[4] - الإسكندرية : مدينة كبيرة في شمال مصر على البحر، اختلف في أول من بناها، فتحها عمرو بن العاص – رضي الله عنه – سنة 20هـ في خلافة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - . يراجع : معجم البلدان (1/182-189) .

[5] - اليمن :اليمن وما اشتمل عليه حدودها بين عُمان إلى نجران، ويدخل في ذلك عدن والشحر، وما يقع وراء تثليث، وتسمى اليمن الخضراء لكثرة أشجارها وزروعها . يراجع : معجم البلدان (5/447-448) .

[6] - المغرب:ضد المشرق : : وهي بلاد واسعة كبيرة وكثيرة، حدها من مدينة مليانة وهي آخر حدود أفريقيا إلى آخر جبال السوس التي وراءها البحر المحيط، وتدخل فيه جزيرة الأندلس، وطول هذا البر مسيرة شهرين . يراجع : معجم البلدان (5/161) .

[7] - الشام : من الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية، وعرضها من جبل طيء إلى بحر الروم، وطولها شهر، وعرضها عشرين يوماً وبها من أمهات المدن، منبج وحلب وحماة وحمص ودمشق وبيت المقدس، والمعرة، وفي الساحل : إنطاكية وطرابلس وعكا وصور وعسقلان وغير ذلك، وهي خمسة أجناد : جند قنسرين، و جند دمشق، وجند الأردن، وجند فلسطين . وجند حمص، يراجع : معجم البلدان (3/312) .

[8] - وردت كلمة نفير في كتب المعاجم بمعنى : القوم ينفرون معك، ويتقدمون في الأمر، ونفر بمعنى فر وذهب، وبمعنى ما يحمل على النفور، وبمعنى النصرة والمدد . يراجع : القاموس المحيط (2/151، 152)، فصل النون باب الراء . ويراجع : لسان العرب (5/224، 225)، مادة (نفر) والمراد والله أعلم هي الآلة التي تجمع الناس للحرب أو لأمر ما، ويكون لها صوت قوي .

[9] -  الأبواق : جمع بوق، والبوق : الذي ينفخ فيه ويزمر . يراجع : لسان العرب ( 10/31)، مادة (بوق) .

[10] - يراجع : المدخل (2/ 255-257) .

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
بدعة التسحير.doc doc
بدعة التسحير.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى