الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصَحْبِه وَمَنْ وَالَاه وبعد...
الاشتقاقُ اللغوي:
الحسبُ: الكفايةُ، تقولُ: شيءٌ حساب، أي كافٍ، وَأحسبتَ فلانًا: إذا أعطيتَه ما يرضيه حتى قَالَ: حسبِي، وَكذلك حسبته([1]).
وَالحسيبُ: المُحَاسِبُ على الشيءِ، ثُمَّ يعتبر به عن المكافئ بالحسابِ([2]).
{وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6]، أي محاسبًا أوْ كافيًا([3]).
والحسبُ: الكرمُ وَالشرفُ([4]).
وَ"حسبنا" لفظةٌ تُسْتَعملُ فيما يكفي في بابِه، وَيغني عن غيرِه، فالمدركُ للشيءِ إذا أدركَه على ما هو به، وسكنتْ نفسُه إليه فذاك حسبُه([5]).
الأدلةُ مِنَ القرآنِ وَالسنةِ:
وَرَدَ اسمُ الحسيب في القرآنِ الكريمِ فِي قولِه تعالى: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6]، وَقولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86]، وَقولِه تعالى: {وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39].
المعنى فِي حَقِّ اللهِ تعالى:
يدلُّ اسمُ الحسيب على عدةِ معانٍ؛ منها:
1- الحسيبُ: هو الكافي وَالمقتدرُ وَالعالِمُ وَالحفيظُ وَالمُحَاسِبُ([6]).
2- أنَّ اللهَ تعالى هو الكافي للعبادِ فِي جلبِ المنفعةِ، وَدفعِ المضرةِ، بلْ هوَ الكافي لهمْ فِي كلِّ أمورِهم، وَفِي كُلِّ شؤونِهم، وذلكَ مِنْ قولِهم: حسبيَ اللهُ؛ أي يكفيني وَهذا أتم([7]).
قَالَ تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، أي كافي مَنْ يثقُ بِه فِي نوائبِه وَمهماتِه، فيكفيه ما أهمَّه، وَمَا ألمَّ به، وَالحسبُ الكافي.
وَكلما كانَ العبدُ حسنَ الظنِّ بربِه، حسنَ الرجاءِ له، صادقَ التوكلِ عليه، فإنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُ أملَ آملٍ، وَلَا يُضَيعُ عَمَلَ عاملٍ([8]).
3- أنَّ الحسيبَ الكافي للعبادِ جميعَ ما أهمَّهم منْ أمرِ دينِهم وَدنياهم مِنْ حصولِ المنافع، ودفعِ المضارِّ، وَبالمعنى الأخص هوَ الكافي لعبدِه المتقي، المتوكلِ عليه كفايةً خاصةً يُصْلِحُ بها دينَه وَدنياه([9]).
4- أنَّ الحسيبَ: هو الحفيظُ وَالمحاسبُ، فهوَ الذي يحفظُ أعمالَ العبادِ منْ خيرٍ وَشرٍّ، ثُمَّ يجازيهم وَيحاسبُهم عليها، إنْ خيرًا فخير وَإنْ شرًّا فشر، بحسبِ حكمتِه وَعلمِه بدقائقِ الأعمالِ([10]).
5- أنَّ الحسبَ وَالكفايةَ للهِ وحدَه، وذلكَ لدلالةِ الاستقراءِ فِي القرآنِ الكريمِ على ذلكَ؛ كقولِه تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59].
فجعلَ الإيتاءَ للهِ وَرسولِه؛ كمَا قَالَ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7].
وَجعلَ الحسب له وحدَه، فلمْ يَقُلْ: وَقَالوا حسبُنا اللهُ ورسولُه، بل جعلَ الحسبَ مختصًّا بِهِ، وَقَالَ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36].
فخَصَّ الكفايةَ التي هي الحسب بِه وحدَه، وَتمدَّح تعالى بذلكَ فِي قولِه: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، وَقَالَ تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62]، فَفَرَّقَ بينَ الحسبِ وَالتأييدِ، فجعلَ الحسبَ لَهُ وحدَه، وجعلَ التأييدَ له بنصرِه وَبعبادِه.
6- أَنَّ اللهَ أثنى على أهلِ التوحيدِ وَالتوكلِ مِنْ عبادِه حيثُ أفردُوه بالحسبِ، فقَالَ تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
وَقَالَ تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129]، إلى غيرِ ذلك مِنَ الآياتِ([11]).
المعنى عندَ المخالفين وَالمناقشةُ وَالردُّ:
أولًا ـ المعنى عندَ المعتزلةِ:
الحسيبُ: هو الكافي للمخاوفِ، أوْ المحاسب على الصغيرةِ وَالكبيرةِ([12]).
ثانيًا ـ المعنى عندَ الأشاعرةِ:
الحسيبُ: الكافي؛ ومنه قولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64].
والحسيبُ: المحاسبُ؛ قَالَ تعالى: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14].
وَالحسيبُ بمعنى الشرفِ، وَالحسبُ: الشرفُ.
ثالثًا ـ المعنى عندَ الماتريدية:
الحسيبُ: قيلَ شهيدًا، وَقيلَ حفيظًا، وَقيلَ: كافيًا مُقْتَدِرًا، يُقالُ: أَحْسَبَنِي هذا، أي: كفاني([13]).
وَالحسيبُ: الُمحَاسِبُ([14]).
الردُّ على المخالفين مِنَ المعتزلةِ وَالأشاعرةِ وَالماتريديةِ:
إنَّ مما ذكروه مِنْ معاني لاسم الحسيبِ تُعْتَبَرُ بعضُ مَا دَلَّ عليه هذا الاسمُ المباركُ، وَإلَّا فمعناه أعمُّ وَأشملُ مِنْ ذلكَ.
الهوامش:
([6]) ينظر: نزعة القلوب في تفسير غريب القرآن، السجستاني، ص(201)، والغريبين، الهروي، (2/434)، وبهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله العزيز من الغريب، المارديني المعروف بابن التركماني، (1/167)، والحق الواضح المبين، السعدي، ضمن المجموعة الكاملة، (3/252).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.