فقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في اشتقاق لفظ الجلالة الله، هل هو مشتق[1]؟ ولكنهم لم يخلتفوا في معناه، لأن "اسم الله تعالى أعرف المعارف"[2]، فيرى فريق من العلماء أنه غير مشتق نحو الخليل الفراهيدي والسهيلي، وشيخه أبو بكر بن العربي، وغيرهم.
واحتجوا بقوله تعالى: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، فقالو: لو كان مشتقا لكان له سمي، لأن المشركين سموا أصنامهم آلهة[3]، قال الزركشي:"وهذا غير لازم لأن الذي سمى به المشركون أصنامهم هو ما حكاه الله تعالى بقوله: {قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [الأعراف: 138]، وقال تعالى: {إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} [طه: 88].
فأما اسم الله فلام التعريف اللازمة عوض عن الهمزة، فلم يسم به غير الله، ولم يستعمل قط منكرا، وقوله تعالى: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] أي يعلم شيئا يسمى الله غيره؟ أو هل تعلم له نيرا في الخلق ووجوب الإلهية؟ وأيضا فإنه لا يستلزم الاشتقاق لاتحاد المعنى، فإن العرب قد تضع للمعنين أسمين مختلفين من لفظ واحد.
فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بل ريب، وهي قديمة والقديم لا مادة له، فما كان جوابكم عن هذه الأسماء فهو جواب القائلين باشتقاق اسم الله، ثم الجواب على الجميع أننا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى، لا أنها متولدة الفرع من أصله، وتسمية النحالة للمصدر والمشتق منه أصلا وفرعا ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر، وإنما هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر وزيادة.
الهوامش:
[1] ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/3)، والدر المصون، للسمين الحلبي (1/23)، وشرح التصريحعلى التوضيح، للأزهري (1/8)، ونور الغسق في بيان هل اسم الجلالة مرتجل أم مشتق، لمحمد الغيث بن ماء العين، مطبوع بذيل آخر الجزء الثاني من كتاب"النفحة الأحمدية في بيان الأوقات المحمدية" لأبي العباس أحمد بن الشمس (2/136-146).
[2] هذه اللفظة "اسم الله تعالى أعرف المعارف"قالها سيبويه، وروى أنه رؤي في المنام، وقد نال خيرا كثيرا بهذه الكلمة، ينظر: معنى لا إله إلا الله، للزركشي (106)، والدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي (1/22)، ويسير العزيز الحميد، للشيخ سلميان بن عبد الله (28).
[3] ينر: الأمد لأقصى في شرح أسماء الله الحسنى، لأبي بكر بن العربي، مخطوط لوحة(14)، ونتائجالفكر في النحو، للسهيلي (41)، ومعنى لا إله إلا الله، للزركشي (106).
[4] معنى لا إله إلا الله، الزركشي(107).
[5] نتائج الفكر في النحو (41).
[6] بدائع الفوائد، لابن القيم (1/32).
[7] ينظر: الكتاب لسيبويه(2/195)، والبيان في غريب إعراب القرآن، لابن الأنباري(1/32)، ومعاني القرآن، للنحاس (1/52)، والمفردات، للراغب الأصفهاني(82)، وتفسير الكشاف، للزمخشري(1/108)، وشرح المفصل لابن يعيش(1/3)، والصفوة الصفية في شرح الدرة الألفية لتقي الدين إبراهيم النيل(1/10).
[8] هاذان القولان عزاها الإمام جعفر النحاس لسيبويه، ينظر: كتابه معاني القرآن (1/52)، أما الاشتقاق لفظ الجلالة(الله) من (لاه) فقد ذكره سبويه وأنشد فيه
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتخزوني
قال ابن الأنباري في:"الانصاف في مسائل الخلاف" (335):" فخفض لاه بتقدير اللام كأنه قال لله ابن عمك" (335).
[9] تفسير الطبري (1/64).
[10] ينظر: مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/101) (10/284)، وبدائع الفوائد (1/492)، وفتح المجيد، للشيخ عبد الرحمن بن حسن (36)، وتيسير العزيز الحميد، للشيخ سليمان بن عبد الله (75).
[11] ينظر: تفسير الشيخ عبد الرحمن الدوسري المسى (صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العيظم" (2/486).
[12] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب : دعاؤكم إيمانكم 8 (1/69)، كما في الصحيح مع الفتح، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب: الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام 16(1/216)، كما في الصحيح في شرح النووي.
[13] أخرجه الإمام البخاري في كتاب: الكسوف، باب التهجد بالليل (1069) (1/377).
[14] تفسير الطبري (1/63).
[15] تفسير الطبري (1/63).
[16] ينظر: الوسيط في تفسير القرآن للواحدي النيسابوري (1/64)، وإيجاز البيان عن معاني القرآن، لمحمود بن الحسين النيسابوري (1/66).
[17] ينظر: الفتاوى، لابن تيمية (3/101) (10/284).
[18] ينظر: الدرر السنية،لعلماء نجد (13/454).
[19] ينظر: تفسير القرآن، للعز بن عبد السلام (9).
[20] أخرجه الإمام مسلم في كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، 486، (4/204).
[21] من كلام ابن القيم، ينظر: تيسير العزيز الحميد، للشيخ سليمان محمد بن عبد الوهاب (30).
[22] مدارج السالكين (1/55).
[23] ينظر: شأن الدعاء، للخطابي(25)، وأحكام القرآن، لابن العربي (2/260).
[24] الدعاء المأثور وآدابه (79).
[25] أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الصلاة، باب: ما يقول في التشهد (985) (1/259)، وباب: الدعاء، 1493 (2/79)، ورواه الترمذي في السنن: كتاب: الدعوات، باب: جامع الدعوات، 3475 (5/515)، وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في كتاب النعوت، باب: الله الواحد الأحد الصمد: 7 و 8، (216، 219)، وفي السنن الكبرى، كتاب صفة الصلاة، باب: الدعاء بعد الذكر، 1223(1/386).، والحاكم في المستدرك (1/504)، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه: 195، (145)، وقال ابن حجر:" هو راجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك" ينظر: الفتح (11/228)، وصححه الألباني في تخريج المشكاة:2289 (2/808).
[26] هذا اللفظ كما جاء في "الأسماء والصفات" للبيهقي (1/60)، والحديث أخرجه أيضا ابن ماجه في السنن :3856 (1267)، والطحاوي في مشكل الآثار (1/63)، والطبراني في الكبي (7758)(8/214)، ويحيى بن معين في التاريخ: 5072 (4/420)، والحاكم في المستدرك (1/505)، وغيرهم وصححه الألباني في السلسلة 746.
[27] ينظر: مستدرك الحاكم (1/505)، وفتح الباري، لابن حجر (11/269).
[28] تحفة الأحوذي (9/315).
[29] شرح القصيدة النونية، لابن عيسى (1/259).
[30] مدارج السالكين (1/446)، وزاد المعاد لابن القيم (1/204).
[31] الضياء اللامع من الخطب الجوامع، للشيخ ابن عثيمين (1/96).
[32] التعليق المختصر على القصيدة النونية (2/798).
[33] ينظر: فتح الباري،لابن حجر (11/268)، والدر المنظم في الاسم الأعظم، للسيوطي "ضمن كتاب الحاوي للفتاوى" (1/394)، والإكليل في استنباط التنزيل، للسيوطي(3/1369)، وفيض القدير، للمناوي(1/652-652).
[34] ينظر: لوامع البينات، للرازي (93)، وفتح الباري، لابن حجر (11/268)، ومجموع الفوائد وانتقاص الأوابد، للسعدي (207).
[35] هذه الجملة جزء من حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك علد في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابه أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت بهفي علم عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلب، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحا" وقد أخرج خذا الحديث الحاكم في المستدرك (1920) (2/188)، والإمام أحمد في المسند : 3712(6/246)، وأبو يعلي في المسند(9/99)، والبزار في مسنده 1994 (5/363)، والطبراني في الكبير 10352 (10/169).
قال الهيثمي في (10/136): رواه أحمد، أبو يعلي والبزار إلا أنه قال: وذهاب غمي مكان همي والطبراني، ورجال أحمد وأبي يعلي رجل الصحيح غير الجهمي وقد وثقه ابن حبان،وصححه الألباني في السلسلة (1/383).
[36] عد الأسماء الحسنى وجمعها اجتهد فيه جملة من السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين، فمنهم على سبيل المثال: الإمام جعفر الصادق، وسفيان ابن عيينه، وزيد النحوي، وابن حجر وغيرهم، وكذلك من المعاصرين نحو الشيخ محمد العثيمين، رحمخ الله والدكتور محمود عبد الرزاق وغيرهم، فكان لكل منهم اجتهاد في جمع أسماء الله الحسنى، فاختلف جميعهم بزيادة أو نقصان في بعض أسماء الله الحسنى .
ينظر فتح الباري، لابن حجر (11/260)، والقواعد المثلى (24-25)، وأسماء الله الحسنى، للدكتور محمود عبد الرزاق (1/47-96).
[37] معنى الإحصاء: لخصه ابن القيم في بدائعه(1/200) حيث يقول:" مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح، المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها، المرتبة الثانية، فهم معانيها ومدلولها، المرتبة الثالثة: دعاؤه بها، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180].
وهو مرتبتان إحداهما: دعاء ثناء وعبادة، والثاني: دعاء طلب ومسألة، فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك لا يسأل إلا بها، فلا يقال: يا موجود أو يا شيء أو يا ذات اغفر لي وارحمني، بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب، فيكون السائل متوسلا إليه بذلك بذلك الاسم، من تأمل أدعية الرسل ولا سيما خاتمهم وإمامهم وجدها مطابقة لهذا"
وينظر: شأن الدعاء للخطابي (26)، والأصفاء والصفات، للبيهقي (1/27)، والأذكار، للنوي (85)، وصحيح مسلم بشرح النووي (17/5)، وفتح الباري، لابن حجر (11/270)، وتفسير الشنقيطي (8/74).
[38] الحديث متفق عليه، أخرجه الإمام البخاري في كتاب الدعوات، باب: لله مائة اسم غير واحد :6410 (11/256)، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة، ينظر الصحيح بشرح النووي 2677 (17/7).
[39] الشاعر هو بعيث بن حريث، قال أبياته في محبوبته أم السلسبيل، ينظر: ديوان الحماسة، للتبريزي (1/142)، وخزانة الأدب، للبغدادي (2/243).
[40] ينظر: الكشاف، للزمخشري (1/107-108).
[41] يراجع النظر إلى قول شيخ الإسلام (48).
[42] ينظر: منهح أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى، خالد محمد نور (2/478).
[43] ينظر: نور الغسق في بيان هل اسم الجلالة مرتجل أم مشتق، لمحمد الغيث بن ماء العينين (2/147).
[44] ينظر: لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات للرازي (106).
[45] التفسير الكبير للرازي (1/131).
[46] ينظر: شرح المواقف، للجرجاني (8/232).
[47] ينظر: تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد للبيجوري (88).
[48] ينظر: التفسير الكبير (1/131).
[49] المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للغزالي (101).
[50] كتاب التوحيد، لأبي منصور الماتيدي (65).
[51] إشارات المرام، للبياضي (114).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.