تمييع عقيدة الموالاة والمعاداة في ضمير الأمَّة

تمييع عقيدة الموالاة والمعاداة في ضمير الأمَّة





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فقد باركت الطَّريقة القادريَّة الصُّوفيَّة الاحتلال الأمريكي للعراق بقولها على لسان شيخها: (إنَّنا وأخصُّ بذلك طريقتنا العليَّة القادريَّة الكستزانيَّة كنَّا سبَّاقين في مباركة التغيرات التي حدثت في بلدنا الحبيب)([1]).
وقد أصدر المجلس الصُّوفي الأعلى في العراق بيانًا دعا فيه إلى جواز التعاون مع قوات التَّحالف لإسقاط الرَّئيس العراقي كردِّ فعل على ما وصفه بجرائم النظام العراقي ضدّ المسلمين والمراقد المقدَّسة في العراق.
وبرَّر هذه الفتوى بقوله: (فقد تحالف النبيُّ ^ مع اليهود لمجابهةِ ظُلم وكفر قريش)!([2]).
وفي العراق أيضًا لكن في مدينة كركوك أوضح عددٌ من أهالي المدينة أن مِن المتصوفة في المدينة مَن أخذوا يهادنون الاحتلال والحكومة المعيَّنة خوفًا من الاعتقال، خاصَّة شيخ الطَّريقة الكستزانية ويدعى محمَّد الكستزاني, والذي أعلن قبل أشهر أن الجهاد في العراق ينبغي أن تنطبق عليه عدة شروط قبل إعلانه، منها: صفاء القلب وتحقيق الصلة بين العبد وربه، وهو ما أثار حفيظة المقاومة العراقية وأهالي المدينة على حدٍ سواء([3]).
صوفيَّة الشِّيشان:
لقد خطب محمد سيد الخشتادي إمام مسجد خسافيورت الصُّوفي الشِّيشاني غير مرَّةٍ يصرف الناس عن الاشتراك في جهاد الشِّيشان ويقول: (من اشترك فيه وقتل فإنه يخاف على إيمانه، أما الجنود من الجيش الرُّوسي الذين قُتِلوا في أفغانستان فهم -على حدّ قوله- شُهداء!!)([4]).
يقول عبد الوهَّاب الشَّعراني: (أُخِذَ علينا العهد لا نزدري من رفعه الله علينا من الأكابر في دينٍ ودنيا أدبًا مع الله تعالى، وما رفعهم علينا إلا لحكمةٍ بالغةٍ)([5]).
ويقول أيضًا: (ممَّا منَّ الله تبارك وتعالى به عليَّ حفظي للأدب مع السُّلطان ونوَّابه، فلا اعتراض عليهم في فعل ما هو من ملازمهم عادة، بل أبتكِرُ لهم المحامل الحسنة في الشَّريعة والأجوبة المُسكِتَة، فحتى لو جاء ملوك الفرنج إلى بلادنا فقام مماليك السُّلطان بخدمتهم وأركبوهم الخيل وطرّقوا لهم الطريق لا اعتراض، بل أحمل ذلك على محامل صحيحة في الشَّرع.. فإن الولاة أتمّ نظرًا منَّا بيقين، ولذلك ملَّكهم الله تعالى وحكَّمهم فينا)([6]).
يقول ابن عربي: (ومن اتسع في علم التَّوحيد ولم يلزم الأدب الشَّرعي فلم يغضب لله ولا لنفسه، فإنَّ التوحيد يمنعه من الغضب، لأنَّه في نظره ما ثم من يغضب عليه لأحدية العين عنده في جميع الأفعال المنسوبة إلى العالم، إذ لو كان عنده مغضوب عليه لم يكن توحيدًا، فإنّ موجب الغضب إنَّما هو الفعل ولا فاعل إلا الله)([7]).
ويقول التجاني في رسالة إلى أهل فاس: (وسلِّموا للعامة وولاة الأمر ما أقامهم الله فيه من غير تعرض لمنافرةٍ أو تبغيضٍ أو تنكيرٍ، فإنَّ الله هو الذي أقام خَلْقَه فيما أراد، ولا قدرة لأحدٍ أن يخرج الخَلْق عما أقامهم الله فيه)([8]).
ورحم الله ابن حزم الأندلسي إذ يقول:
من المُحتَمِي بالله ربِّ العوالِم
سنفتحُ قسطنطينيةً وذواتَها
ونملِكُ أقصى أرضِكم وبلادِكُم
ونفتحُ أرضَ الصِّين والهندِ عُنوة
مواعيدُ للرَّحمنِ فينَا صَحيحةٌ
إلى أن يُرى الإسلامُ قد عمَّ حُكْمُه

ودين رسولِ الله من آل هاشِمِ
ونجعلكم قوتَ النُّسور القشاعِمِ
ونلزِمكُمُ ذلَّ الجزى والمغارِمِ
بجيشٍ بأرضِ التُّرك والخزر حاطِمِ
وليَست كأمثَال العُقولِ السَّقائِمِ
جميع الأراضي بالجُيوشِ الصَّوارِمِ

أمَّا في مصر فقد أفاق أهلها على اثني عشر ألف صوفي يحتشدون في مظاهرةِ حبٍّ وتأييد لترشيح الرَّئيس مبارك في مزرعة الكرام بالبحيرة و(8) ملايين صوفي يتوجهون لسيادته بهذا النداء.. (إنَّ احتياج النَّاس إليكم من نعم الله عليكم)([9]).
يعلِّق الكاتب اليساري د.حسن حنفي على هذا الخبر بقوله: «سَكَتَ دَهْرًا ونَطَقَ كُفْرًا». هؤلاء هم صوفيَّة السُّلطان الذين أعلنوا عن تأييدهم للرَّئيس قبل الاستفتاء الأخير في مصر، فماداموا قد اختاروا مبايعة الرَّئيس ضد إجماع الأمَّة على رفض التَّجديد والتَّمديد.
فلماذا لم يدينوا قانون الطَّوارئ والأحكام العرفية وزجّ المعتقلين السِّياسيين في السُّجون بلا تحقيقٍ أو تهمةٍ أو محاكمةٍ أو إدانةٍ؟ لماذا لم يرفضوا التَّوْريث، والوراثة ليست مصدرًا من مصادر السُّلطة في الإسلام ولا الانقلاب الذي سمَّاه القدماء «الشَّوكة»؟ لماذا لم يَنقُدوا الفساد، وتبديد أموال الأمَّة، ونهب ثرواتها، وبيع القطاع العام، وغلاء الأسعار، ونواب القروض، وتهريب الأموال إلى الخارج؟ لماذا لم ينقدوا مظاهر التَّغريب في حياتنا، وبيان مخاطر العولمة على هويَّة الأمَّة؟ لماذا لم ينقدوا نظم الهيمنة السِّياسية والاقتصادية للخارج وتبعية الداخل، وفيهم من العلماء والمتخصِّصين الكثير؟)([10]).
يقول الشَّيخ ساري علي حكمت، الأمين العام للاتحاد الوطني للزَّوايا بالجزائر: («فَتْح زاوية يعني غَلْق سجن» بالنظر إلى الدَّور المهم الذي تقوم به الزَّوايا في تربية النَّشء تربيةً دينيةً وعلميةً تَقِيه من الانحراف والتَّشدُّدِ، وهو ما يفرقنا عن التَّفكير السَّلفي الجهادي «كانوا يتهموننا بالسَّير وراء السُّلطة والانصياع لأوامرِ السُّلطان، قد يكون ذلك صحيحًا! غير أنَّ تجربة السَّنوات العشر الأخيرة أثبتت خَطَر الإسلام الجهادي على مُكتسباتِ الأمَّة»).
ويقول سي الجيلالي- من مرجعيات الزَّوايا بالجزائر-: (إنَّه من باب الاحتياط ولقطع الطَّريق أمام حَمَلة الفِكر السَّلفي الجهاديِ يُقدِّم لأجهزة الأمن نسخًا من ملفات الطَّلبة الذين يرغبون في الانتساب إلى زاويته «حتى يتم تمحيصها والتَّحقيق فيها»([11])!
بل وصل الحال بالصُّوفي النَقْشبندي «أحمد كفتارو» أنَّه (كان في طرحه لأيَّ خطابٍ يوجهه إلى النَّصارى يصدره بقوله: إخواننا المسيحيُّون)([12]).
وكان ذا صلةٍ وثيقةٍ بالشِّيعة الاثني عشريَّة، يقول تلميذه محمَّد حَبَش: (كذلك فقد انطلق إلى المسلمين من الشَّيعة بطوائفها ومذاهبها المختلفة، وبادَرَهم بالزِّيارة، وكان من بركة هذه اللِّقاءات صدور فتوى شيخ الأزهر الشَّريف بتوقيع الشَّيخ شَلْتُوت، وهي تدعو المسلمين إلى نبذ الخِلاف، واعتبار المذهب الجعفري خامس المذاهب الإسلاميَّة المعتمدة)([13]).
 
الهوامش:

([2]) صحيفة الشرق الأوسط الأحد (04 صفـر 1424هـ الموافق: 6 أبريل 2003م) العدد (8895).

([3]) www.islammemo.cc/news/ في السبت (22رجب 1426هـ – 27 أغسطس 2005م).

([4]) الفروق بين أهل السنة والصوفية (ص:501).

([5]) البحر المورود في المواثيق والعهود (ص:377).

([6]) لطائف المنن والأخلاق (ص:485).

([7]) الفتوحات المكية (5/270).

([8]) جواهر المعاني (2/165).

([9]) انظر: مجلة التصوف الإسلامي العدد (315) - ربيع الأول (1426هـ). علقت إحدى الطرق الصوفية لافتة كبيرة في ميدان التحرير تؤكد أيضًا أن الرئيس مبارك ينتسب إلى آل البيت وتدعو الناس إلى انتخابه. انظر: القدس العربي اللندنية الخميس (8/9/2005م).

([10]) صحيفة (الزمان) العدد (2145) التاريخ (25 / 6 /2005م).

([11]) صحيفة الشروق الجزائرية في (15/5/2007).

([12]) انظر: كتاب الشيخ أحمد كفتارو ومنهجه في التجديد والإصلاح (ص:326).

([13]) المصدر السابق (ص:94).

ر

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
تمييع عقيدة الموالاة والمعاداة في ضمير الأمَّة.doc doc
تمييع عقيدة الموالاة والمعاداة في ضمير الأمَّة.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى