صفةُ السمعِ وَالبصرِ

صفةُ السمعِ وَالبصرِ





الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛..فصفةُ السمعِ لله تعالى منَ الصفاتِ الذاتيةِ الخبريةِ العقليةِ؛ وقدْ دلَّ عليها ما يلي:

أولًا ـ الأدلةُ منَ القرآنِ:

1- قالَ اللهُ تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137].

2- وَقالَ تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227].

3- وَقالَ تعالى: {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38]

4- وقالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58].

5- وقالَ تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134].

ثانيًا ـ الأدلةُ منَ السنةِ:

وردتْ صفةُ السمعِ في السنةِ الصحيحةِ؛ ومنها ما يلي:

1- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قالَ: ((كنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فكنا إذا علونا كبَّرنا، فقال: أربِعُوا على أنفسِكم، فإنَّكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، تدعون سميعًا بصيرًا قريبًا))([1]).

2- وعن عائشة - رضيَ اللهُ عنها - قالت: قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ جبريلَ u ناداني، قال: إنَّ اللهَ قد سَمِعَ قولَ قومِك وما ردُّوا عليك ...))([2]).

3- وعن أبي مسعود رضي الله عنه قالَ: (اجتمعَ عندَ البيتِ ثلاثةُ نفرٍ؛ قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، قليلٌ فقهُ قلوبِهم كثيرٌ شحمُ بطونِهم، فقالَ أحدُهم: أترونَ اللهَ يسمعُ ما نقولُ؟ وقالَ الآخرُ: يسمعُ ما إنْ جَهَرْنَا، ولا يسمعُ إن خَفينَا، وقالَ الآخرُ: إنْ كانَ يسمعُ إذا جهرنا فهو يسمعُ إذا أخفينا، فأنزلَ اللهُ عزوجل: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} [فصلت: 22])([3]).

4- وعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَتَيْنِ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَافْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهَ، فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ قَرِيبًا مِنْ رُكُوعِهِ، ثُمَّ سَجَدَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيامِهِ)([4]).

5- وعْن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((ليسَ أحدٌ أصبرَ على أذى سَمِعَه منَ اللهِ؛ إنَّهم ليدعون له ولدًا، وإنه ليعافيهم ويرزقُهم))([5]).

ثالثًا ـ أقوالُ الصحابةِ:

عن عائشة - رضيَ اللهُ عنها - قالتْ: (الحمدُ للهِ الذي وسعَ سمعُه الأصوات، لقدْ جاءتْ المجادِلَةُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم تكلمُه في ناحيةِ البيتِ، وما أسمعُ ما تقولُ، فأنزلَ اللهُ عزوجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة: 1])([6]).

وعنْ ابنِ عمرَ - رضيَ اللهُ عنهما -، لما سُئِلَ عن الخمرِ، فقالَ: (لا وسمع اللهِ عزوجل لا يحلُّ بيعُها ولا ابتياعُها)([7]).

صفةُ البصرِ:

صفةُ البصرِ للهِ تعالى مِنَ الصفاتِ الذاتيةِ الثابتةِ للربِّ سبحانه وتعالى، التي أجمعتْ الأمةُ على إثباتِها؛ وَالأدلةُ عليها ما يلي:

أولًا ـ الأدلةُ مِنَ القرآنِ:

1- قالَ تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 15].

2- وقالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58].

3- وقالَ تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134].

4- وقالَ تعالى: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].

5- وقالَ تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 61].

ثانيًا ـ الأدلةُ مِنَ السنةِ:

1- عن أبي موسى قالَ: كنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فكنا إذا علونا كبَّرنا، فقالَ: ((أَرْبِعُوا على أنفسِكم، فإنكم لا تدعونَ أصمَّ ولا غائبًا، تدعونَ سميعًا بصيرًا قريبًا))([8]).

2- وعن أبي موسى رضي الله عنه قالَ: قامَ فينا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بخمسِ كلماتٍ، فقالَ: ((إنَّ اللهَ عزوجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفضُ القسطَ ويرفعُه، يُرْفَعُ إليه عملُ الليلِ قبلَ عملِ النهارِ، وعملُ النهارِ قبلَ عملِ الليلِ، حجابُه النورُ، - وفي رواية أبي بكر: النارُلو كشفه لأحرقَت سبحاتُ وجهِه ما انتهى إليه بصرُه من خلقِه))([9]).

3- وعن أبي يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة قالَ: (سمعتُ أبا هريرة يقرأُ هذه الآيةَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، إلى قولِه تعالى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]، قالَ: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يضعُ إبهامَه على أذنِه والتي تليها على عينِه، قالَ أبو هريرة: رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقرؤُها ويضعُ إصبعيه، قالَ ابن يونس: قالَ المقرئُ: يعني {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} يعني أنَّ للهِ سمعًا وبصرًا، قالَ أبو داود: وهذا ردٌّ على الجهميةِ)([10]).

وتقدَّمَ في صفةِ السمعِ أدلةٌ أخرى لصفةِ البصرِجُمِعَتَا في أدلةٍ واحدةٍ.

ثالثًا ـ الإجماعُ على صفتي السمعِ وَالبصرِ:

1- قالَ أبو الحسن الأشعري: (وأجمعوا على إثباتِ حياةِ اللهِ عزوجل لمْ يزلْ بها حيًّا، وَعلمًا لم يزلْ به عالمًا، وَقدرةً لم يزلْ بها قادرًا، وكلامًا لم يزلْ به مُتَكَلِّمًا، وإرادةً لم يزلْ بها مُريدًا، وسمعًا وبصرًا لم يزلْ به سميعًا بصيرًا)([11]).

2- وقالَ الدرامي: (وَلكننا نُثْبِتُ له السمعَ وَالبصرَ والعينَ، بلا تكييفٍ، كمَا أثبتَه لنفسِه فيما أنزلَ منْ كتابِه وَأثبتَه له الرسولُ صلى الله عليه وسلم)([12]).

3- وقالَ الحافظُ الكبيرُ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني - مُصَنِّف حلية الأولياء - في كتابِ الاعتقادِ له: (طريقتُنا طريقةُ السلفِ المتَّبِعِين للكتابِ والسنةِ وإجماعِ الأمةِ، مما اعتقدوه أنَّ اللهَ لم يزلْ كاملًا بجميعِ صفاتِه القديمةِ، لا يزولُ ولا يحولُ، لم يزلْ عالمًا بعلمٍ، بصيرًا ببصرٍ، سميعًا بسمعٍ، متكلمًا بكلامٍ)([13]).

4- وقالَ الإمامُ الصابوني - رحمهُ اللهُ -: (وَكذلك يقولون في جميعِ الصفاتِ التي نزلَ بذكرِها القرآنُ، ووردتْ به الأخبارُ الصحاحُ، مِنَ السمعِ والبصرِ ...)، إلى أنْ قالَ: (منْ غيرِ تشبيهٍ لشيءٍ من ذلكَ بصفاتِ المربوبين المخلوقين، بلْ ينتهون فيها إلى ما قالَه اللهُ تعالى، وقالَه رسولُه صلى الله عليه وسلم، منْ غيرِ زيادةٍ عليه وَلا إضافةٍ إليه، وَلا تكييفٍ له ولا تشبيه، ولا تحريف وَلا تبديل ولا تغيير، ولا إزالةٍ للفظِ الخبرِ عمَّا تعرفُهُ العربُ وتضعُه عليه)([14]).

5- وقالَ ابنُ منصور معمر بن أحمد: (ولما رأيتُ غربةَ السُّنةِ، وكثرةَ الحوادث وَاتباعِ الأهواءِ، أحببتُ أن أوصيَ أصحابي وسائرَ المسلمين بوصيةٍ منَ السُّنةِ وَموعظةٍ منَ الحكمةِ، وأجمعُ ما كانَ عليه أهلُ الحديثِ والأثرِ، وأهلُ المعرفةِ والتصوفِ مِنَ السلفِ المتقدمين وَالبقية المتأخرين ...)، إلى أنْ قالَ: (وَأنَّ اللهَ عزوجل سميعٌ بصيرٌ، عليمٌ خبيرٌ ...) إلخ.

6- وقالَ الإمامُ عبد الغني المقدسي: (اعلمْ وفقنا اللهُ وإياك لما يرضيه مِنَ القولِ وَالنيةِ وَالعملِ، وأعاذنا وإياك مِنَ الزيغِ والزللِ، أنَّ صالحَ السلفِ وَخيارَ الخلفِ، وَسادةَ الأئمةِ وَعلماءَ الأمةِ، اتفقتْ أقوالُهم وَتطابقتْ آراؤُهم على الإيمانِ باللهِ عزوجل، وأنَّه أحدٌ فردٌ صمدٌ، حيٌّ قيومٌ، سميعٌ بصيرٌ)([15]).


الهوامش:

([1]) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، (7386)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، (2704).

([2]) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، (7389)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين، (1795).

([3]) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} الآية، (4817)، ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، (2775)، واللفظ لمسلم.

([4]) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، (722).

([5]) رواه البخاري، كتاب الآداب، باب الهدى الصالح، (6099)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لا أحد أصبر على أذى من الله U، (2804).

([6]) رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، (3/455) (689).

([7]) رواه البيهقي في الأسماء والصفات، (1/460).

([8]) تقدم تخريجه.

([9]) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب في قوله u: ((إنَّ اللهَ لا ينام))، (179).

([10]) تقدم تخريجه.

([11]) انظر: رسالة إلى أهل الثغر، أبو الحسن الأشعري، ص(215).

([12]) انظر: نقض الدارمي على بشر المريسي، (2/689).

([13]) انظر: نقله عنه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى، (5/190).

([14]) انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث، الصابوني، ص(165).

([15]) انظر: الاقتصاد في الاعتقاد، المقدسي، ص(78).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
صفةُ السمعِ وَالبصرِ.doc doc
صفةُ السمعِ وَالبصرِ.pdf pdf

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى