صفةُ العزةِ

صفةُ العزةِ





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ فصفةُ العزةِ مِنَ الصفاتِ الذاتيةِ العقليةِ الثابتةِ للهِ تعالى، وَ"العزيز" اسمٌ منْ أسماءِ الرَّبِّ؛ وقدْ دلَّ على ذلكَ ما يلي:

أولًا ـ الأدلةُ عليها مِنَ القرآنِ الكريمِ:

1- قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 129].

2- وقالَ اللهُ تعالى: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [آل عمران: 4].

3- وقالَ تعالى: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].

4- وقالَ تعالى: {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139].

5- وقالَ تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 158].

ثانيًا ـ الأدلةُ مِنَ السنةِ:

العزةُ مِنَ الصفاتِ الثابتةِ بالسنةِ عنْ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ومنْ هذه الأحاديث ما يلي:

1- حديثُ أنس بنِ مالك رضي الله عنه في حديثِ الشفاعةِ الطويلِ، وفيه قالُ: ((...ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؛ فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ))([1]).

       2- وعن قتادة عنْ أنس رضي الله عنه، عنْ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((لاَ يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟! حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ العَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ، قَدْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلاَ تَزَالُ الجَنَّةُ تَفْضُلُ، حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الجَنَّةِ))([2]).

       3- وعنْ ابنِ عباسٍ - رضيَ اللهُ عنهما -، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ))([3]).

4- وعنْ أبي هريرة رضي الله عنه في حديثٍ طويلٍ، وفيه: ((ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَرِّبْنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لا تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ، وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْيَرَكَ. فَلا يَزَالُ يَدْعُو، حَتَّى يَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لا وَعِزَّتِكَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ يُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، أَلْم تُعْطِ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ ...))([4]) الحديث.

5- وعنه رضي الله عنه عنْ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ((بيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ))([5]).

ثالثًا ـ أقوالُ الصحابةِ في إثباتِ صفةِ العزةِ:

أَثْبَتَ الصحابةُ رضي الله عنهم العزةَ للهِ تعالى؛ ومما يدلُّ على ذلكَ ما يلي:

1- عن ْمسروق أنَّ ابنَ مسعود رضي الله عنه نزلَ مِنَ الصفا فمشى حتى أتَى الوادي، فسعى، فجعلَ يقولُ: (ربِّ اغفِرْ وارحمْ إنَّك أنتَ الأعزُ الأكرمُ).

2- دخلَ أبو مسعود على حذيفة فقالَ: (اعهدْ إليَّ، فقالَ: ألم يأتِكَ اليقينُ؟! قالَ: بلى وعزةِ ربِّي، قالَ: فاعلمْ أنَّ الضلالةَ حَق الضلالةِ أنْ تعرفَ ما كنتَ تنكرُ، وأنْ تنكرَ مَا كنتَ تعرفُ، وإياكَ والتلون فِي دينِ اللهِ تعالى، فإنَّ دينَ اللهِ واحدٌ)([6]).

3- وعنْ أبي إسحاق قالَ: (جاءَ رجلٌ إلى عمرَ فقالَ: إنِّي قَتَلْتُ، فهل لي مِنْ توبةٍ؟ قالَ: نعمْ، اعملْ ولا تيأس، ثُمَّ قَرَأَ: {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ})([7]).

4- وعنْ أبي زكريا يحيى بن زكريا المقابري يقولُ: (سمعتُ يحيى بن معاذ الرازي يقولُ: عجبتُ منْ رجلٍ يُرائي بعملِه مخلوقًا مثلَه، ومنْ رجلِ بقيَ له مالٌ وربُّ العزةِ يستقرضُه، وَرجلٍ رغبَ في صحبةِ مخلوقٍ واللهُ يدعوه إلى محبتِه)؛ ثُمَّ تلا: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25])([8]).

5- عنْ عبدِ اللهِ بن أحمد بن حنبل يقولُ: (سمعتُ شريح بنَ يونس يقوُل: رأيتُ ربَّ العزةِ في المنامِ، فقالَ لي: يا شريح سَلْ حاجتَك، فقلتُ: رُحْمَاكَ سْرٌ بَسْرٌ - يعني: رأسًا برأس -)([9]).


الهوامش:

([1]) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب كلام الربِّ تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، (7510)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلةً فيها، (193)، واللفظ للبخاري.

([2]) رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}، ومن حلف بعزة اللهِ وصفاته، (7383)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شرِّ ما عَمِلَ ومن شَرِّ ما لم يعمل، (2717).

([3]) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل السجود، (806)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، (182).

([4]) التخريج السابق.

([5]) رواه البخاري، كتاب الغُسل، باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة، (279).

([6]) رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد، (1/101)، رقم: (120)، والحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، (2/933)، رقم: (1775).

([7]) انظر: تفسير ابن جرير الطبري، (11/38)، رقم: (30270)، وزاد السيوطي نسبته في الدر المنثور إلى ابن أبي حاتم وابن المنذر، (7/271).

([8]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، (3493).

([9]) رواه أبو نعيم في الحلية، (10/113).

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
صفةُ العزةِ.pdf pdf
صفةُ العزةِ.doc doc

ذات صلة

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى