محمد عارف خوقير

محمد عارف خوقير





ذهب هذا الشبل- وهو أبو بكر بن محمد عارف خوقير- إلى الحرم المكي بعد أن تفقه على مذهب أبي حنيفة، فكان أن لزم حلقة أحد القبوريين أحمد زيني دحلان – عامله الله بما يستحق والذي لقبه بعض العلماء بشيخِ الكذابين -، وكان الحرم بإشراف بعض الأشراف الذين عادوا التوحيد وأهله فرفعوا من شأن القبوريين، وعكف هذا الشاب عند دحلان سنوات عديدة حتى هلكَ دحلان، وكان الشاب قد قارب الثانية والعشرين من عمره ..

أكمل مسيرته العلمية، وسار يشق طريقه، وأوصاه شيخه عبد الرحمن بن سراج الحنفي مفتي مكة المشرفة مع بعض زملائه النجباء بأن يتفقهوا بالمذهب الحنبلي ليكون من علماء الحجاز من يتولى منصب الفتوى في هذا المذهب، لأن علماء الحنابلة النجديين لم يكن الأشراف يحبون أن يشغلون هذا المنصب، لما حصل بينهم وبين أهل نجد من جفوة.

سار الشيخ وتضلع بالعلم حتى اشتد عضده، وكان له يوم مشهود، التقى بالعلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى الحنبلي النجدي –رحمه الله تعالى- شارح النونية، أحد الجبال في العلم، فلازمه طلبة العلم في الحجاز، وكان منهم هذا الشاب فقرأ عليه في علم التوحيــد والفقه الحنبلي، وكان لدرس التوحيــد تأثير عجيب، حيث تناقشا بالحجة والبرهان، وطال النقاش مدة من الزمن، حتى شرح الله صدر هذا الشاب لمعتقد التوحيد، فتبرأ من القبورية والوثنية وأعلن توبته وسلوكه معتقد أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح، وكان الفضل للشيخ ابن عيسى والذي قد هدى الله على يديه في الديار الحجازية من كبار طلبة العلم من القبورية والأشاعرة كالشيخ عبد القادر التلمساني المغربي الأشعري ثم السلفي صديق هذا الشاب، والعلامة محمد نصيف فرحمه الله على ما بذل وقدم .

بعد هذا قام أبو بكر ودرس كتب السلف في العقائد، فأصبح داعية للتوحيـد الخالص، فبدأ يحارب الشرك والبدع والخرافات، ويناظر ويجادل ويؤلف الرسائل المفيدة في ذلك، لا سيما في توسل العوام بالقبور وطلب الحاجة من الأموات، ومن يشدون الرحال للأولياء، ويقدمون لهم النذور والقرابين، ويتمسحون بالقبور رجاء البركة، ويتذللون لأصحابها راجين منهم الخير لهم، ودفع الضر عنهم، والله يقول: {ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً}

ثم كانت سًنَّةُ الله، فقد رفع أمر خوقير إلى الشريف حسين بن علي، فآذوه ومنعوه من الدَّعوة، ومن التدريس بالبيت الحرام، ثم زج به في السجن، في غرفة وحده، بالدور الأسفل لقصر الحكم (القبو) .

ويقول أحد شهود العيان وهو الأستاذ عمر عبد الجبار: "لقد شاهدت الشيخ أبا بكر خوقير أثناء دخولي السجن في غرفته بملابس رثة، وهو أشعث، طال شعره ولحيته، إذ لا يُسمح لسجين باستعمال مقص أو موسي، فسلمت عليه، فرد السلام، وقال: (إن الله مع الصابرين، ولي أسوة بإمامنا أحمد بن حنبل)

ولبث في السجن ثمانية عشر شهراً، ثم سجن ثانية بتهمة ملفقة نحو سبعين شهراً، يعني زهاء سبع سنوات.

يقول الشيخ الأمير عبد الله بن فيصل الفرحان، وكان من جملة المرابطين بالرغامة والمحاصرين لجدة مع الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، فيقول:

إن جيش الملك عبد العزيز بقيادة خالد لؤي قد دخل مكة المشرفة –زادها الله تكريماً- وانطلق الجيش والإخوان –رحمة الله عليهم- يهدمون الأضرحة والقباب، ويُأَمِّنون ساكني البلد الحرام، ويطوفون بالبيت العتيق، ثم عمدوا إلى السِّجن، وأخرجوا الشيخ خوقير ومن معه.

وفي فجر ذلك اليوم بينما الشيخ خوقير يؤم تلاميذه ومن معه في السجن إذ رأوا على وجهه البشر والسرور فألحوا عليه جداً عن سر ذلك، فأنبأهم أنه بينما هو نائم إذ رأى جماعة قد اقتحموا السجن، وفكُّوا الحديد الذي في أرجلهم، وأطلقوا سراحهم، فسأل عن أولئك القوم، فقيل: هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان الشيخ ومن معه في السجن لا يعلمون ما يدور في الخارج من أحداث جسام، وإذا برؤيا الشيخ تقع مثل فلق الصبح، إذ دخل الإخوان السجن –وكان فيهم من يعرفه- وأذن مؤذن منهم: يا خوقير، يا خوقير، فأخرجوا الشيخ ومن معه"

رحم الله هذا الجبل الأشم، والبحر المتلاطم، فقد فقدت الأمة بوفاته أحد عظمائها، ومن الواجب التعريف به وتحقيق ونشر كتبه، فقد جاهد ونافح وأوذي وصبر، رحمك الله يا أبا بكر ورفع منزلتك في عليين

 

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
محمد عارف خوقير doc
محمد عارف خوقير.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى