هو محمد رشيد بن علي رضا بن شمس الدين بن بهاء الدين القلموني الحسيني، يرجع نسبه لآل البيت، ولد في 27/5/1282هـ في قرية قلمون جنوب طرابلس الشام، بدأ طلب العلم بحفظ القرآن والخط والحساب، ثم درس في مدرسة "الرشدية" وكان التعليم بها بالتركية، ولكن ما لبث أن تركها بعد سنة ليلتحق بالمدرسة الوطنية الإسلامية التي أسسها ويدرس بها شيخه حسين الجسر، ودرس بها سبعة سنوات أثرت وغيرت في مجرى حياته، وبدأت مرحلة تصوفه،
بدايته شاذليــة:
لقد بدأ تصوف رشيد حين كان يقرؤه شيخه حسين الجسر بعض كتب الصوفيـة ومنها بعض الفصول من الفتوحات المكية، وفصول من الفارياق، وقد كان يقرأ ورد السحر؛ وعندما يبلغ البيت التالي:
ودموع العين تسابقني من خوفك تجري
كان يمتنع عن قراءته، لأن دموعه لم تكن تجري، فكان امتناعه عن قراءة البيت حياءً من الله أن يكذب عليه، وبعد أن تضلع بالعلم وأصول الدين أدرك أن قراءة هذا الورد من البدع، فتركه وانصرف إلى تلاوة القرآن.
ودرس على شيخه أبي المحاسن القاوقجي ونال الإجازة في كتاب دلائل الخيرات، ثم بان له أن هذا الكتاب أغلبه أكاذيب على النبي صلى الله عليه وسلم فتركه، وأقبل على قراءة أذكار وأوراد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة.
سلوكه الطريقة النقشبنديــة:
يذكر رشيد في هذا المجال أن الذي حبب إليه التصوف هو كتاب "إحياء علوم الدين للغزالي"، ثم طلب من شيخه الشاذلي محمد القاوقجي أن يسلكه الطريقة الشاذلية الصورية فاعتذر الشيخ وقال: يا بني إنني لست أهلاً لما تطلبه فهذا بساط قد طوي وانقرض أهله .
ثم يذكر رشيد أن صديقه محمد الحسيني قد ظفر بصوفي خفي من النقشبندية يرى أنه وصل إلى مرتبة المرشد الكامل، فسلك رشيد طريقة النقشبندية على يديه وقطع أشواطاً كبيرة فيها، ثم يقول: "ورأيت في أثناء ذلك كثيراً من الأمور الروحيـة الخارقة للعادة كنت أتأول الكثير منها عجزت عن تأويل بعضها" ثم يقول: "ولكن هذه الثمرات الذوقية غير الطبيعية لا تدل على أن جميع وسائلها مشروعة أو تبيح ما كان منها بدعة كما حققت ذلك بعد"
ويصف رشيد الورد اليومي في طريقة النقشبندية بأنه ذكر اسم الجلالة (الله) بالقلب دون اللسان خمسة آلاف مرة مع تغميض العينين وحبس النفس بقدر الطاقة وربط القلب بقلب الشيخ. ثم يذكر أن هذا الورد بدعة كما تبين له بعد ذلك ؛ بل يصل إلى الشرك الخفي حين يربط الشخص قلبه بقلب شيخه فإنه مقتضى التوحيد أن يتوجه العبد في كل عبادته إلى الله وحده حنيفاً مسلماً له الدين.
وذكر أموراً كثيرة، يقول عن هذه التجربة الصوفيــة: ((وجملة القول أنني كنت أعتقد أن سلوك طريقة المعرفة وتهذيب النفس والوقوف على أسرارها جائز شرعاً لا حظر فيه، وأنه نافع يرجى به معرفة الله ما لا يوصل إليه بدونه))
هدايتـــه من الصوفية إلى السلفيــة:
يعبر عن هذه التجربــة الصوفيــة بعد سنوات طويلة جداً في التصوف: " إنني قد سلكت الطريقة النقشبنديــة، وعرفت الخفي والأخفى من لطائفها وأسرارها، وخضت بحر التصوف ورأيت ما استقر باطنه من الدرر، وما تقذف أمواجه من الجيف، ثم انتهيت إلى مذهــــب السلــــف الصالحين، وعلمت أن كل ما خالفه فهو ضلال مبين"
وقد تأثر بمجلة العروة الوثقى ومقالات العلماء والأدباء، فتأثر بالأفغاني ومحمد عبده، وتأثر بشدة وأصبح شيخه الذي حرك عقله وفكره لنبذ البدع والجمع بين العلوم الدينية والعصرية والسعي لتمكين الأمة، ثم تأثر بشدة بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب –رحمهم الله تعالى-، لقد أحدثت له حركة ونشاطاً بدل الخمول وغيبة الوعي والانغماس في البدع والضلال كما في الصوفية،
إنكاره على أهل الطرق الصوفية:
أول حادثة قام بها علناً منكراً سلوك الطرق الصوفيـة، ذات يوم وبعد صلاة الجمعة أقام أهل إحدى الطرق الصوفية ما يسميه رشيد "مقابلة المولوية" ويقول رشيد في ذلك: "حتى إذا ما آن وقت المقابلة تراءى أما دراويش المولوية قد اجتمعوا في مجلسهم تجاه إيوان بالنظارة، وفي صدره شيخهم الرسمي، وإذا بغلمان منهم مرد حسان الوجوه يلبسون غلائل بيض ناصعة كجلابيب العرائس، يرقصون بها على نغمات الناي المشجية، يدورون دوراناً فنياً سريعاً تنفرج به غلائلهم فتكوّن دوائر متقاربة، على أبعاد متناسبة لا يبغي بعضها على بعض، ويمدون سواعدهم، ويميلون أعناقهم، ويمرون واحداً بعد آخر أمام شيخهم فيركعون"
أزعج هذا المنظر رشيد رضا وآلمه أن تصل حالة المسلمين إلى هذا المستوى من البدع والخرافات والتلاعب في عقائد الناس وعقولهم. وكان الذي آلمه كثيراً هو أن هؤلاء بألاعيبهم البدعية قد اعتبروا أنفسهم في عبادة يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى ؛ بل يعتبرون سماع ومشاهدة ذلك عبادة مشروعة ولهذا لم يترك رشيد هذه الحادثة تمر دون أن يقوم بواجبه الإصلاحي الذي استقاه من قراءته دراسة بمدرسته السلفية التي يدرسها من خلال مجلاتها وكتبها، فقام حيث قال: "قلتُ: ما هذا؟! قيل: هذا ذكر طريقة مولانا جلال الدين الرومي صاحب المثنوي الشريف، لم أملك نفسي أن وقفت في بهوة النظارة وصحت بأعلى صوتي بما معناه أيها الناس والمسلمون إن هذا منكر لا يجوز النظر إليه ولا السكوت عنه لأنه إقرار له وإنه يصدق عليه مقترفيه قوله تعالى: {اتخذوا دينهم هزواً ولعباً} وأنني قد أديت الواجب عليّ فاخرجوا رحمكم الله" ثم خرج رشيد مسرعاً إلى المدينـة، وكانت لصيحته السلفية هذه أن اتبعه عدد قليل إلا أن صيحته لاقت صدى في مجتمعات الناي بين مؤيد ومعارض،
ورغم كثرة من عارضه وأنكر عليه من مشايخ الصوفية فقد صمم أن يسير في طريقه نحو إصلاح مجتمعه من هذه الضلالات والبدع. ومن الغريب في الأمر أن ممن أنكر عليه شيخه الشاذلي حسين الجسر فقد كان رأيه ألا يتعرض لأصحاب الطرق الصوفية وبدعهم لا من قريب ولا من بعيد وقال لرشيد: إني أنصحك لك أن تكف عن أهل الطريقة. فرد عليه رشيد منكراً: "هل لأهل الطريقة أحكام شرعية غير الأحكام العامة لجميع المسلمين؟
فقال: لا ؛ ولكن لهؤلاء نية غير نية سائر الناس ووجهة غير وجهتهم وسأل الجسر رشيد: لماذا يقصر إنكارك على أهل الطريق دون أهل اللهو والفســاد. فرد عليه رشيد قائلاً: إن أهل الطريق ذنبهم أكبر من أهل اللهو لأنهم جعلوا سماع المنكر ورقص الحسـان عبادة مشروعة فشرعوا لأنفسهم من الدين ما لم يأذن به الله على أني لم أر منكراً آخر ولم أنكره.
ومع قوة حجة رشيد على أستاذه إلا أن شيخه تمسك برأيه لأن له حضرة ووجاهة!!
وبقي الخلاف بينهما، واشتد بعد هجرة رشيد لمصر وإنكاره الشديد على أهل الطرق الصوفية في مجلة المنار، بعد أن رأى طرق الصوفية بمصر والبدع الكبيرة هناك وما يحصل في الموالد، وقد رد الجسر على رشيد، ورد رشيد على الجسر في مجلته.
وقد قام على القبوريين من الصوفية وغيرهم بعد استفادته من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إضافة إلى كتاب ابن حجر(الزواجر عن اقتراف الكبائر)، وقد اطلع على كتاب للألوسي (جلاء العينين في محاكمة الأحمدين) فكان من أسباب تبصره بخلل الصوفية، ونقاء دعوة شيخ الإسلام، وأن كلام الهيثمي وغيره لم يأت إلا من هوى وهوس الصوفية!!
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.