أويس بن عامر القَرَني

أويس بن عامر القَرَني





بين رؤية سلفية سُنّية.... وجهالات صوفية

 الحمد لله رب العالمين، سبحانه وتعالى له الحمد الحسن والثناء الجميل، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد.

فلا شك أن تاريخ الأمة المحمدية تاريخ باهر، ناصع البياض، يفيض بالخير والهدى والرحمة للعالمين، وهذه الأمة العظيمة أمةٌ ولادة، لا تعقم عن الدفع بعظمائها في الملمات، بل وتفاخر برجالها وتاريخها بين الأمم، فلقد تميزت في سائر المجالات... ديانةً وتقوى وزهدًا وكرمًا ومروءة، وعلمًا، خرج منها القادة الأفذاذ الذين حملوا مشاعل النور والهداية لبشرٍ كانوا في دياجير الظلمات، وكان من أبنائها الأفراد الأنقياء الأتقياء الذين علّموا الدنيا الزهد ومكارم الأخلاق، وإذا فاخرت الأمم الغربية اليوم بأعمال للخير ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فإن أمة الإسلام قدّمت رجالاً فضلاء وأئمة عظماء، حرصوا على عبادة الرب، ثم نفع الخلق، ولم يرغبوا في أن يُعْرَفُوا، بل حسبهم أن الله تعالى يعرفهم، ومن رجالات هذه الأمة سيد التابعين أويس القرني القدوة، الزاهد العابد.

 قال الإمام الذهبي –رحمه الله- في ترجمته هو: «أويس بن عامر بن جزء بن مالكٍ القرني، المرادي، اليماني. وقرن: بطنٌ من مرادٍ. وفد على عمر، وروى قليلاً عنه، وعن عليّ. روى عنه: يسير بن عمروٍ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي، وغيرهم، حكاياتٍ يسيرةً، ما روى شيئًا مسندًا، ولا تهيأ أن يحكم عليه بلينٍ، وقد كان من أولياء الله المتقين، ومن عباده المخلصين».[i]

 

أويس القرني... قصة صحيحة مسندة:

عن أسير بن جابرٍ، قال: لما أقبل أهل اليمن، جعل عمر -رضي الله عنه- يستقرئ الرفاق، فيقول: هل فيكم أحدٌ من قرن؟ فوقع زمام عمر - أو زمام أويسٍ - فناوله - أو ناول أحدهما الآخر - فعرفه، فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أنا أويسٌ.

قال: هل لك والدةٌ؟ قال: نعم. قال: فهل كان بك من البياض شيءٌ؟ قال: نعم، فدعوت الله، فأذهبه عني، إلا موضع الدرهم من سرتي، لأذكر به ربي.

قال له عمر: استغفر لي. قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال عمر: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن خير التابعين رجلٌ يقال له: أويسٌ، وله والدةٌ، وكان به بياضٌ، فدعا الله، فأذهبه عنه، إلا موضع الدرهم في سرته). فاستغفرَ له، ثم دخل في غمار الناس، فلم ندر أين وقع. قال: فقدم الكوفة.... [ii].

 

مناقب أويس القرني وفضائله:

  كثرت الروايات وتواترات النقول في فضائل أويس، فقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه بالخيرية، فقال صلى الله عليه وسلم: « خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة، وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم».[iii]

قال الإمام السفاريني – رحمه الله -: «فإن قيل: كيف استجاز الإمام أحمد ومن نحا نحوه تفضيل سعيد بن المسيب –رحمه الله- على سائر التابعين مع وجود النص الصريح بالنقل الصحيح في تفضيل أويس القرني؟

فالجواب أن مراد الإمام أحمد وأضرابه أفضلية سعيد في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ونفع الأمة بذلك، وبما بلّغه عن الصحابة الكرام عن النبي - عليه أفضل الصلاة والسلام- فإنه الإمام الحافظ الثقة المأمون حتى قيل فيه : أعلم أمة محمد بدين محمد بعد محمد سعيد بن المسيب - رحمه الله ورضي الله عنه- ، والدليل على أفضلية التابعين ما جاء في الصحيحين من قول النبي - صلى الله عليه وسلم –: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة - ثم إن بعدهم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن»[iv].

 وكان -رحمه الله- جوادًا كريمًا حتى إن كان ليتصدق بثيابه، حتى يجلس عريانًا، لا يجد ما يروح فيه إلى الجمعة.[v]

وكان أويسٌ -رحمه الله - من سادات العُبّاد، فكان إذا أمسى، يقول: هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح. وكان إذا أمسى يقول: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح. وكان إذا أمسى، تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والشراب، ثم قال: اللهم من مات جوعًا، فلا تؤاخذني به، ومن مات عريًا، فلا تؤاخذني به. [vi]

وكان –رحمه الله- حريصًا على الإخلاص ينأ بنفسه عن الرياء ويفر من الشهرة، ففي لفظ لحديث عمر رضي الله عنه أنه سأل أويسًا فقال: « أين تريد؟ قال: الكوفة. قال: ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصي بك؟ قال: لا، أكون في غبراء الناس أحب إليَّ. قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر فسأله عن أويس كيف تركته؟ قال: تركته رث البيت قليل المتاع».[vii]

وقال أسيرٌ:... فما لبث أن فشا حديثه بالكوفة، فأتيته، فقلت: يا أخي، ألا أراك أنت العجب، وكنا لا نشعر. قال: ما كان في هذا ما أتبلغ به إلى الناس، وما يجزى كل عبدٍ إلا بعمله. فلما فشا الحديث، هرب، فذهب[viii].

وكان –رحمه الله- عارفًا بزمانه مقبلاً على شأنه، لا يخاف في الله لومة لائم، فعن الشعبي، قال: «مر رجلٌ من مرادٍ على أويسٍ القرني، فقال: كيف أصبحت؟

قال: أصبحت أحمد الله -عز وجل-.

قال: كيف الزمان عليك؟

قال: كيف الزمان على رجلٍ إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسى ظن أنه لا يصبح، فمبشرٌ بالجنة أو مبشرٌ بالنار. يا أخا مرادٍ، إن الموت وذكره لم يترك لمؤمنٍ فرحًا، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضةً ولا ذهبًا، وإن قيامه لله بالحق لم يترك له صديقًا».[ix]

 وكان –رحمه الله- له حظ ونصيب من كرامات الأولياء الثابتة، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: «ولما مات أويسٌ القرني وجدوا في ثيابه أكفانًا لم تكن معه قبل، ووجدوا له قبرًا محفورًا فيه لحدٌ في صخرةٍ، فدفنوه فيه وكفّنوه في تلك الأثواب»[x].

 من هذه الروايات الصحيحة الصريحة المسندة يتضح لنا أن «أويس القرني» سيد التابعين، ومن أكثرهم زهدًا وعبادة، ومن أفضل هذه الأمة برًّا بأمه، وصلة للفقير والمسكين، ومن أبر هذه الأمة قلبًا، وأكثرهم صدقًا وكرمًا، رفعه البر بأمه، وساح في أرض الله رافضًا الشهرة ورغب أن يكون في غبراء الناس، وسلك مسلك الصدق، وبالجملة كان صحيح الديانة، أثنى عليه نبي هذه الأمة وعلماؤها الثناء الحسن.

 

جهالات صوفية والرد عليها:

مع كله هذه النصوص الواضحة والحق الصريح إلا أن الصوفية اتخذوا من هذا المثال السُّنّي المذهب والصحيح المعتقد والسليم المنهج سُلّمًا للجنوح عن الحق، وتكأة للمغالاة والشطح، وكان مما افتروه وابتدعوه متذرعين بسيرة هذا الإمام الجليل، ما يلي:

1- طلب الدعاء منه ومنزلة الولي:

فقد زعموا أن الولي قد يكون أفضل من الصحابة؛ محتجين بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه قال: « فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل»، وقد قال شيخ الإسلام ردًّا لهذه الفرية إن: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب من أويسٍ القرني أن يستغفر للطالب، وإن كان الطالب أفضل من أويسٍ بكثير. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول: ثم صلوا عليًّ، فإنه من صلى عليَّ مرةً صلى الله عليه عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة».[xi]

 مع أن طلبه من أمته الدعاء ليس هو طلب حاجةٍ من المخلوق، بل هو تعليمٌ لأمته ما ينتفعون به في دينهم، وبسبب ذلك التعليم والعمل بما علمهم يعظم الله أجره: فإنا إذا صلينا عليه مرةً صلى الله علينا عشرًا، وإذا سألنا الله له الوسيلة حلت علينا شفاعته يوم القيامة، وكل ثوابٍ يحصل لنا على أعمالنا فله مثل أجرنا من غير أن ينقص من أجرنا شيءٌ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئًا»[xii] وهو الذي دعا أمته إلى كل خيرٍ وكل خيرٍ تعمله أمته له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ».[xiii]

وقال شيخ الإسلام في موضع آخر: «طلب الدعاء مشروع لكل مؤمن من كل مؤمن، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب لما استأذنه في العمرة: «لا تنسنا يا أخي من دعائك»[xiv] حتى إنه أمر عمر أن يطلب من أويس القرني أن يستغفر له، مع أن عمر رضي الله عنه أفضل من أويس بكثير، وقد أمر أمته أن يسألوا الله له الوسيلة، وأن يصلوا عليه. وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من رجل يدعو لأخيه في ظهر الغيب بدعوة إلا وكَّل الله به ملكًا كلما دعا لأخيه بدعوة قال الموكل به: آمين ولك مثل ذلك».[xv]

فالطالب للدعاء من غيره نوعان: أحدهما أن يكون سؤاله على وجه الحاجة إليه، فهذا بمنزلة أن يسأل الناس قضاء حوائجه، والثاني أنه يطلب منه الدعاء لينتفع الداعي بدعائه له وينتفع هو فينفع الله هذا وهذا بذلك الدعاء، كمن يطلب من المخلوق ما يقدر المخلوق عليه، والمخلوق قادر على دعاء الله ومسألته، فطلب الدعاء جائز كمن يطلب منه الإعانة بما يقدر عليه، فأما ما لا يقدر عليه إلا الله فلا يجوز أن يُطلب إلا من الله، لا من الملائكة ولا من الأنبياء ولا من غيرهم، لا يجوز أن يقول لغير الله: اغفر لي، واسقنا الغيث، ونحو ذلك».[xvi]

وقد كان الصحابة يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته أن يدعو لهم كما في حديث عكاشة قال: «يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم» لما أخبرهم بأنه يدخل الجنة سبعون ألفًا، ورد على الآخر عندما سأله قال: «سبقك بها عكاشة». وقول أم سليم: «يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له». وقول المرأة التي كانت تصرع : «يا رسول الله، ادع الله لي». وآخر الأمر سألته الدعاء بأن لا تتكشف عند الصرع فدعا لها.

فمن جاء إلى رجل صالح واستمد منه أن يدعو له، فهذا ليس من ذلك الذي يفعله المعتقدون في الأموات، بل هو سنة حسنة وشريعة ثابتة، وهكذا طلب الشفاعة ممن جاءت الشريعة المطهرة بأنه من أهلها كالأنبياء، ولهذا يقول الله لرسوله يوم القيامة: «سل تعطه واشفع تشفع» وذلك هو المقام المحمود الذي وعده الله به كما في كتابه العزيز.

والحاصل أن طلب الحوائج من الأحياء جائز إذا كانوا يقدرون عليها، ومن ذلك الدعاء فإنه يجوز استمداده من كل مسلم بل يحسن ذلك، وكذلك الشفاعة من أهلها الذين ورد الشرع بأنهم يشفعون، ولكن ينبغي أن يعلم أن دعاء من يدعو له لا ينفع إلا بإذنه وإرادته ومشيئته، وكذلك شفاعة من شفع لا تكون إلا بإذن الله كما ورد بذلك القرآن العظيم، فهذا تقييد للمطلق لا ينبغي العدول عنه بحال.

 

2- تلقي العلم بدون واسطة:

ومن ذلك ما زعمه النقشبنديون أنه تلقى عن رسول الله علومًا بظهر الغيب. فاتخذوا من هذه المزعمة ذريعةً ليختلقوا بها ما اشتهته نفوسهم بوضع هذه الأسطورة المتمثلة في كلمة الأويسية».[xvii]] وهذا ضلال مبين؛ إذ العلم الشرعي الموصل للنجاة أصله الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، أما اتباع الأوهام والهوى فيضل ولا يهدي.

3- ابتداع فرقة الأويسية:

ومن ذلك أنهم ابتدعوا فرقة الأويسية ونسبوها إليه زورًا وبهتانًا: والأويسية: ينسبونها - زورًا - إلى أويس القرني (وهذا بدهيًا غير صحيح)، ظهر أويس في خلافة عمر بن الخطاب، توفي سنة 37 هـ ترجيحًا، وفي السلسلة الأويسية كثير من التخليط، فهم يجعلون من شيوخ سلسلتهم: ابن خفيف، والكازروني، والكبرى، ونوربخش، ولا يستبعد أن يكون مؤسسها (جلال الدين علي أبو الفضل عنقا)، توفي في طهران سنة 1293 هـ، أو شيخه (عبد القادر جهرمي)، مات سنة 1262 هـ، وإن صعدت فلا تبعد.

  يقول الشيخ محمد فريد آيدن: «أما الأويسية: فإنها مصطلحٌ غريبٌ ومثيرٌ، اختلقها النقشبنديون ليتخذوه ضربًا آخر من دعوى علم الغيب لشيوخهم. يزعمون أن عددًا من قدمائهم تلقوا علومهم من روحانية من ماتوا قبلهم؛ ويصفونهم بـ «الأويسية»، فيقولون لكل منهم «شيخٌ أويسي» نسبةً إلى أويس القرني. وهو «أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني، من بني قرن بن ردمان بن ناجية ابن مراد، أحد النساك العباد المقدمين من سادات التابعين. أصله من اليمن يسكن القفار والرمال، وأدرك حياة النبي ولم يره. فوفد على عمر بن الخطاب؛ ثم سكن الكوفة، وشهد وقعة صفين مع عليّ رضي الله عنه. ويرجح الكثيرون أنه قتل فيها. [xviii][18]

 

4- نسبة بعض الأذكار إليه:

ومن ذلك ما اخترعوه من البدعة ونسبوه –زورًا- إليه، قال الشقيري: « روى مسلم وأحمد وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة»، ثم اعلم أن من البدع والجهالة زيادة لفظة سيدنا وحبيبي في تشهدي الأذان والإقامة؛ لأن الزيادة في الدين كالنقص منه. وترك إجابة السامعين للأذان بمثل ما يقول المؤذن، ثم تركهم للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسؤالهم له الوسيلة جهل عظيم وحرمان، وزيادة «والدرجة الرفيعة» في أثنائه بدعة، وزيادة «إنك لا تخلف الميعاد» في آخره لا أعرفها ثابتة أم لا، ونسبة هذا الدعاء إلى أويس القرني جهل شنيع، والصلاة والتسليم بعد الأذان بهذه الكيفية المعروفة بدعة ضلالة».[xix]

 

5- تحديد قبره والبناء عليه:

قام الصوفية بجهلهم ببناء أكثر من قبة على أكثر من قبر نسبوه زورًا لأويس القرني، قال صاحب كتاب القبورية: « ومما يدل أن وراء الأكمة ما وراءها، أنهم لم يقتصروا على زيارة تلك القبور والانصراف عنها، ولكنهم يشترون ما حولها من أرض ودور ومدارس وأي شيء، حتى يتحول الضريح وما حوله إلى ملك خاص بهم، يقيمون فيه المساكن في الظاهر، ولا ندري ما وراء المساكن، وقد شاهدت قبرًا لهم معظمًا في زبيد، وقد ملكوا سكنًا واسعًا بجواره، فإذا جاءوا للزيارة نزلوا فيه، وانطلقوا منه إلى بقية المزارات، كما رأيت قبرًا آخر في قرية الحمى من نواحي زبيد، يسمونه قبر «حضرة خواجه أويس القرني عاشق رسول الله» هكذا مكتوب عليه، وقد دخلته وهو ضمن مباني مدرسة صغيرة قديمة»[xx][20].

وقبر أويس غير معروف ولا مقطوع بمكانه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:

«وَأَمَّا الْقَطْعُ بِتَعْيِينِ قَبْرِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ ... وَمِنْهَا الْقَبْرُ الْمُضَافُ إلَى أُوَيْسٍ القرني غَرْبِيِّ دِمَشْقَ؛ فَإِنَّ أُوَيْسًا لَمْ يَجِئْ إلَى الشَّامِ وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَى الْعِرَاقِ»[xxi].

 هذا والمقام يطول إذا تتبعنا المآخذ على ضلالات وجهالات الصوفية في الغلو في الصالحين ومنهم وعلى رأسهم أويس القرني رضي الله عنه ورحمه، ولكن صدق الله تعالى إذ يقول: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 7- 8]، نسأل الله الهداية والتوفيق، والحمد لله رب العالمين.


الهوامش:


[i][1] للاستزادة انظر: طبقات ابن سعد 6 / 161، طبقات خليفة ت 1044، تاريخ البخاري 2 / 55، الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول 326، الحلية 2 / 79، أسد الغابة 1 / 151، تاريخ ابن عساكر 3 / 97 آ، وأخباره مستوعبة فيه، الإصابة ت 500، تهذيب التهذيب 1 / 386، لسان الميزان 1 / 471، شرح المقامات الحريرية 2 / 217، تاريخ الإسلام 2 / 173، مسالك الأبصار 1/ 122، خلاصة تذهيب الكمال 41، تاج العروس مادة (أوس)، تهذيب ابن عساكر 3 / 157.

[ii][2] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2542).

[iii][3] أخرجه مسلم في صحيحه (2542).

[iv][4] لوامع الأنوار البهية للسفاريني 2/390.

[v][5] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/84).

[vi][6] أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (2/87).

[vii][7] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2542).

[viii][8] الخبر في طبقات ابن سعد (6 / 161) وما بعدها، والحلية (2 / 79، 80) وتاريخ الإسلام (2 / 173).

[ix][9] سير أعلام النبلاء (7/30).

[x][10] الفرقان بين أولياء الرحمن (1/58).

[xi][11] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (384).

[xii][12] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2674).

[xiii][13] مجموع الفتاوى (1/327).

[xiv][14] أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وضعفه الألباني.

[xv][15] أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم (2732).

[xvi][16] جامع الرسائل (1/7).

[xvii][17] الطريقة النقشبندية بين ماضيها وحاضرها 1/176.

[xviii][18]الطريقة النقشبندية بين ماضيها وحاضرها 1/176.

[xix][19] السنن والمبتدعات 1/48.

[xx][20] القبورية في اليمن 1/236.

[xxi][21] مجموع الفتاوى 27/491.

المرفقات

المرفق نوع المرفق تنزيل
أويس بن عامر القَرَني.doc doc
أويس بن عامر القَرَني.pdf pdf

التعليقات

اضف تعليق!

اكتب تعليقك

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.

;

التصنيفات


أعلى